نقابة الصحافيين الفلسطينيين في مئويتها: نضال متواصل ضدّ الاحتلال

30 مايو 2024
كشفت النقابة عن نصب تذكاري للصحافيين الفلسطينيين الشهداء (العربي الجديد)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- نقابة الصحافيين الفلسطينيين تحتفل بمائة عام على تأسيسها بكشف نصب تذكاري للصحافيين الشهداء، مؤكدة على دورها في تنشيط الحركة الصحافية وخدمة المصلحة العامة منذ 1924.
- تاريخ النقابة مليء بالتحديات، من الانتقال والتطور في يافا، مرورًا بالمؤتمرات الصحافية، وصولاً إلى الإغلاق والملاحقة من قبل السلطات البريطانية والإسرائيلية، واستمرار الروح الصحافية عبر تأسيسات متعاقبة حتى إعادة التأسيس تحت السلطة الفلسطينية.
- الصحافيون الفلسطينيون يواجهون تحديات كبيرة تتطلب تضامنًا عالميًا وأطرًا لحماية الرواية الفلسطينية، مع تأكيد نقابة الصحافيين على رفض استدعاءات الأمن وضرورة استمرار العمل الصحافي رغم التحديات.

أزاحت نقابة الصحافيين الفلسطينيين، أمس الأربعاء، الستار عن نصب تذكاري للصحافيين الشهداء، خلال فعالية نظمتها بمناسبة مرور مائة عام على تأسيسها.

وشكّل الثامن من يونيو/ حزيران 1924 انطلاقة العمل النقابي للصحافيين الفلسطينيين، حين عقد المؤتمر الصحافي العربي الأول، وأُعلن فيه عن أول نقابة للصحافيين الفلسطينيين تحت اسم "نقابة الصحافة العربية في فلسطين"، وكان هدفها المحوري تنشيط الحركة الصحافية وتوجيهها إلى خدمة المصلحة العامة.

وفي نوفمبر/ تشرين الثاني1927، عقد مالكو الصحف الفلسطينية، ومنهم من أسس النقابة الأولى، مؤتمراً في مدينة يافا، دعوا فيه رجال الصحافة إلى "جمع كلمة الأمة"، وتسهيل عقد مؤتمر عام يمثل آراء الأمة في قضيتها السياسية العامة. بحث المجتمعون، وقتذاك، في مطالبة الحكومة البريطانية بحقوق الصحافة العربية الفلسطينية، وتشكيل هيكل نقابي أكثر مهنية للصحافيين، واستقر رأيهم على انتخاب عيسى البندك (صاحب صحيفة صوت الشعب)، وعبد الله القلقيلي (صاحب صحيفة الصراط المستقيم) ممثلين للنقابة، وعُهد إليهما بتقديم قانونها إلى سلطات الانتداب البريطاني، وإبلاغها بقرارات المؤتمر.

وبعد عام 1929، انتقل النشاط الصحافي من القدس إلى يافا، وتطوّرت الصحافة فيها، حتى احتلت مركزاً مهماً على المستوى العربي، في وقت عمدت فيه السلطات البريطانية إلى إغلاق الصحف وملاحقة الصحافيين من معارضي سياساتها المنحازة للمشروع الصهيوني، كما أغلقت مقر النقابة أكثر من مرة.

وفي 27 مايو/ أيار 1936، عُقد المؤتمر الثالث للصحافة في فلسطين، وناقش الأوضاع السائدة، بما فيها مسؤولية الحكومة البريطانية عن تدهور الأوضاع في البلاد، بسبب غض الطرف عن تفاقم الهجرات الصهيونية، وتبعات حملة قوانين المطبوعات الصادرة عنها، حتى إن "لجنة بيل" اعتبرت أن اللهجة الشديدة التي كانت تستخدمها الصحافة العربية الفلسطينية شكلت أحد عوامل تفجير ثورة 1936، فحلت النقابة بقرار من سلطات الاحتلال البريطاني حينذاك، وأغلق مقرها لعدّة أشهر، ولوحق أعضاؤها، وشُدد الخناق على الصحافيين وصحفهم.

عام 1948، انتهى وجود النقابة بشكل كلي، بسبب النكبة وتداعياتها، وتشتّت الصحافيون الفلسطينيون. عام 1952، تأسست نقابة الصحافيين الأردنيين، وكانت الضفة الغربية تحت الحكم الأردني، واعتبرت مركز القدس فيها ممثلاً للصحافيين الفلسطينيين، واستمر الحال على ما هو عليه حتى عام 1967، ثم أسست منظمة التحرير الفلسطينية عام 1971 اتحاد الكتاب والصحافيين الفلسطينيين، وبقي حتى تأسيس السلطة الفلسطينية، إثر اتفاقيات أوسلو، حيث أعلن عن تأسيس نقابة الصحافيين الفلسطينيين بشكلها الحالي، بقرار من الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، فاصلاً بينها وبين الكتّاب، إذ أعلن لاحقاً عن تأسيس الاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين.

ورأى الصحافي والمحلل السياسي، خليل شاهين، أن ما يتعرض له الصحافيون حالياً، وتحديداً في قطاع غزة، يتطلب ضرورة التفكير في كيفية النهوض بأوضاعهم. ولفت شاهين، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن التضامن العالمي الواسع مع القضية الفلسطينية حالياً "يجب أن يدفعنا للتفكير بآليات لتشكيل أطر قادرة على حماية الرواية الفلسطينية، وتقديمها في مواجهة السردية الصهيونية، وهذا يشمل الصحافيين". وأكد شاهين أن "الوقت غير مناسب الآن لخوض صراعات داخل النقابة، فالأولوية لحماية الصحافيين في غزة والضفة الغربية، وتوفير الدعم لهم، وليس المطلوب تنظيم انتخابات استثنائية لن يشارك فيها صحافيو غزة، لكن تنظيم لقاءات أو ورش عمل تبحث عن أشكال من العمل المشترك للصحافيين الفلسطينيين، والعاملين في المجال الإعلامي عامة، لجهة إنتاج مواد تعزز الرواية الفلسطينية على المستوى العالمي، بجميع اللغات، وباستثمار الجهود من جميع الأجيال في هذا الاتجاه، بما قد يساهم في تسليط الضوء على حرب الإبادة على قطاع غزة، والتصدي للمشروع الاستيطاني الصهيوني في الضفة".

وفي هذا الإطار، أكد شاهين ضرورة إعادة بناء "القوة النقابية للإعلاميين الفلسطينيين، وليس للصحافيين فحسب". وقال: "حين كنتُ أزاول العمل الصحافي، رفضت نقابة الصحافيين في بدايات تأسيسها مع إنشاء السلطة الفلسطينية طلب انتسابي وآخرين، خاصة ممّن حاولوا القيام بحراك ما لتغيير واقع النقابة، باعتبارها جاءت تفصيلاً على مقاس اتفاقيات أوسلو الكارثية، كما غيرها من الاتحاد والنقابات التي سيطر عليها الموالون للسلطة".

أما نائب رئيس نقابة الصحافيين الفلسطينيين، عمر نزال، فرأى أنه يمكن اعتبار نقابة الصحافيين بشكلها الحالي امتداداً لنقابة 1924 التي "تشكلت تبعاً للنهضة الوطنية بعد الحكم العثماني، وفي مواجهة الانتداب البريطاني في بداياته، ونحن اليوم نعيش ظروفاً شبيهة فيما يتعلق بما يمكن تسميته بالنهضة الوطنية الجديدة، خاصة ما بعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، علاوة على كون الجانب الوطني يطغى في أغلب الأحيان على الجانب المهني في الصحافة الفلسطينية".

ولفت عمر نزال، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن الخلل في عمل النقابة كان في الفترة من عام 1999 إلى عام 2010، حين لم يكن "ثمة تمثيل للصحافيين الفلسطينيين في الخارج، لكن في السنوات الأخيرة بات لدينا فروع في أميركا وأوروبا وسورية، وجاري العمل على فرع لنا بلبنان، وذلك في إطار رؤية أؤمن بها بجسم مُوحد للصحافيين". النقابة الحالية تمثل الصحافيين في الضفة الغربية وقطاع غزة.

وأشار نزال إلى أن توصيف النقابة بأنها "نقابة السلطة" ليس دقيقاً، وإن كان الحديث عن غض الطرف عن انتهاكات ضد الصحافيين في الضفة قد يكون صحيحاً في حالات عدّة، وربّما مرد ذلك طبيعة تركيبة النقابة المُقاطعة من أحزاب وتجمعات سياسية خاصة في غزة، وبالتالي باتت الغلبة فيها لأعضاء حركة فتح في الضفة الغربية، حيث الإعلام الرسمي الفلسطيني هو المشغّل الأساسي للصحافيين، مؤكداً أن "عضوية النقابة ستبقى مختلة لصالح هذا التكتل، ما ينعكس على قيادة النقابة، وهو مآل طبيعي لطبيعة مكونات النقابة، ولا حل إلا بوحدة الصحافيين التي لا يمكن أن تتأتى إلا بإنهاء الانقسام الذي كانت له تداعياته الكارثية على الجسم الصحافي والعمل النقابي الصحافي الفلسطيني".

وأكد نزال "رفضه، كما النقابة، استدعاءات الأجهزة الأمنية الفلسطينية للصحافيين، وعدم الاعتراف بها إلا في حال تحويل ملف بعينه إلى القضاء"، مُستهجناً استمرار الأجهزة الأمنية الفلسطينية في استدعاء الصحافيين واعتقال بعضهم، وخاصة في ظل حرب الإبادة التي تطاول الصحافيين في غزة والضفة من قبل الاحتلال.

وكان ممثل الاتحاد الدولي للصحافيين، جيم بوملحة، قد دعا إلى استمرار الصحافيين الفلسطينيين في عملهم، وحماية الصحافيين العاملين في فلسطين من جرائم الاحتلال الإسرائيلي. وقال: "كلما قُتل صحافي فقدنا جزءاً من الحقيقة".

وقتلت قوات الاحتلال الإسرائيلي أكثر من 140 صحافياً فلسطينياً وعاملاً في المجال الإعلامي في قطاع غزة منذ بدء العدوان، وفق نقابة الصحافيين الفلسطينيين، ومكتب الإعلام الحكومي في القطاع. ووفقاً للمؤسسات الفلسطينية العاملة في مجال الأسرى، تعتقل قوات الاحتلال الإسرائيلي 59 صحافياً حالياً، بينهم 49 اعتقلوا بعد السابع من أكتوبر. ومعظم الأسرى الصحافيين معتقلون إداريون، والبعض الآخر لا يزالون موقوفين في انتظار محاكم عسكرية، إلى جانب أربع حالات من الاختفاء القسري لصحافيين حتى اللحظة، وهم نضال الوحيدي وهيثم عبد الواحد وعماد الإفرنجي والصحافي المتعاون مع التلفزيون العربي محمد صابر عرب، وانقطعت أخبارهم تماماً منذ اعتقالهم من مناطق مختلفة في قطاع غزة.

المساهمون