نقابة المهندسين المصريين: هدم جبانة القاهرة التاريخية عبث بالنسيج العمراني

24 أكتوبر 2024
من مقابر السيدة عائشة التي تعرضت للهدم سابقاً في القاهرة، سبتمبر 2023 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- قررت نقابة المهندسين المصريين تشكيل لجان عاجلة لبحث قضية هدم المناطق التاريخية والمعمارية المميزة، مثل قبة مستولدة محمد علي باشا، والتواصل مع الجهات المعنية لإعداد تقرير شامل، مع المطالبة بوقف فوري لأعمال الهدم.
- شددت النقابة على أن هدم جبانة القاهرة يمثل عبثاً بالنسيج العمراني والتاريخي، وأبدت استعدادها للمشاركة في الحفاظ على التراث وإعادة ترميم ما تم هدمه.
- أثارت عمليات الهدم غضباً واسعاً على مواقع التواصل، مما دفع بعض النواب لتقديم طلبات إحاطة، وأصدر الرئيس السيسي قراراً بتأليف لجنة لدراسة تطوير المنطقة.

قررت نقابة المهندسين المصريين، اليوم الخميس، تشكيل لجان عاجلة من الخبراء المعماريين المختصين ومن كل ذي صلة، لبحث قضية هدم بعض المناطق ذات الطابع التاريخي والمعماري المميز، والتواصل مع كل الجهات المعنية لبحث الأمر، وإعداد تقرير شامل حوله.

وأعرب نقيب المهندسين، طارق النبراوي، عن "بالغ أسفه لما تتعرض له بعض جبانات ومعالم مصر التاريخية والتراثية من هدم، وآخرها قبة مستولدة محمد علي باشا في قرافة الإمام الشافعي". وطالب الأجهزة المعنية بـ"ضرورة الوقف الفوري لأعمال الهدم، والإنصات لآراء أهل الخبرة والاختصاص، وإعادة النظر في تنفيذ أي مشروعات في هذه المنطقة التاريخية التراثية، المحمية بموجب القوانين المصرية والمواثيق الدولية". كما دعاها إلى "البحث عن محاور مرورية وحلول بديلة عن هدم جبانة القاهرة التاريخية تراعي فيها القيمة المعمارية والتراثية والتاريخية والإنسانية لها"، مؤكداً جاهزية النقابة واستعدادها "لتقديم يد العون لإيجاد الحلول التي تحقق النهضة العمرانية، من دون المساس بتاريخ مصر، من خلال تسخير إمكاناتها ومتخصصيها وعلمائها".

شددت النقابة على أن هدم جبانة القاهرة "لا يعكس عبثاً فقط بالمعالم التراثية، وإنما هو عبث بالنسيج العمراني والتاريخي الفريد الذي يمثل قيمة كبيرة على مستوى العالم، كونها تعتبر إرثاً للحضارة المصرية المتراكمة عبر آلاف السنين، وينبغي الحفاظ عليه". وأشارت إلى أن "الترويج إلى كون هذه المباني غير أثرية هو تبرير غير منطقي، ومردود عليه، إذ تظل طرزاً معمارية نادرة ينبغي الحفاظ عليها، وتأكيد استمرار عجلة التطوير من دون هدم الآثار والبنايات التاريخية والتراثية، وطمس الهوية الحضارية المصرية، وإهدار لتراث لا يمكن تعويضه".

وأعربت عن تخوفها من "مغبة استمرار هدم وطمس معالم القاهرة التاريخية، ومن بينها مقابر منطقة الإمام الشافعي، والقيام بعمليات إنشائية لا تتوافق مع طبيعة المنطقة التراثية التي يمتد عمرها إلى نحو ألف عام، وتتم بالمخالفة لقرارات الحفاظ على التراث الوطني". وأبدت استعدادها "للمشاركة في الحفاظ على هذا التراث، وإعادة ترميم ما تم هدمه وتشويهه، والحفاظ على المتبقي منه، وتحويله إلى مزارات للتعريف بما تضمه من شخصيات تاريخية".

وكانت مواقع التواصل الاجتماعي في مصر قد ضجت بموجة غضب واسعة، إثر انتشار صور تظهر هدم قبة مستولدة محمد علي باشا التاريخية في مقابر الإمام الشافعي في قلب القاهرة، لما تعكسه من قيمة معمارية تشكل جزءاً من التراث الثقافي للبلاد، من أجل إنشاء جسر مروري جديد يربط بين الطريق الدائري ومحور صلاح سالم.

وقدم عضو مجلس النواب، رئيس حزب العدل عبد المنعم إمام، طلباً للحكومة يتساءل فيه عن إجراءات حماية التراث المعماري والتاريخي، وخطة وزارة السياحة والآثار لحماية المواقع التراثية والأثرية، مع استمرار هدم المقابر التاريخية في منطقتي الإمام الشافعي والسيدة نفيسة. وقال إمام، في طلبه، إن قبة مستولدة محمد علي تمثل جزءاً مهماً من الهوية المصرية، وتحمل قيمة معمارية وأثرية لا تقدر بثمن، ومع ذلك شرعت السلطات المختصة في هدمها، مضيفاً أن هدم المعالم الأثرية، ممثلة في مقابر القاهرة التاريخية، يشكل تهديداً للتراث والتاريخ المصري.

ونصت المادة الأولى من قانون حماية الآثار المصري رقم 117 لسنة 1983 على أنه "يعتبر أثراً كل عقار أو منقول أنتجته الحضارات المختلفة، أو أحدثته الفنون والعلوم والآداب والأديان من عصر ما قبل التاريخ، وخلال العصور التاريخية المتعاقبة حتى ما قبل مئة عام، باعتباره مظهراً من مظاهر الحضارات التي قامت على أرض مصر، أو كانت لها صلة تاريخية بها. وكذلك رفات السلالات البشرية والكائنات المعاصرة لها".

كذلك، تقدمت عضوة لجنة حقوق الإنسان في البرلمان، أمل سلامة، أمس الأربعاء، بعد هدم قبة مستولدة محمد علي باشا، بطلب إحاطة إلى وزراء السياحة والآثار والنقل والإسكان، بشأن إعادة النظر في خط سير بعض مشاريع الطرق التي تعترضها مبان أثرية، أو ذات طراز عمراني فريد، لمنع هدمها.

وذكرت سلامة أن تنفيذ محاور وجسور الطرق يصطدم ببعض المباني الأثرية، أو ذات الطراز العمراني الفريد، بما في ذلك المقابر التاريخية، التي تشرع السلطات حالياً في هدمها، ولعل آخرها قبة حليم باشا التاريخية التي تعرضت للهدم في منطقة السيدة عائشة. وحذّرت من استمرار هدم مقابر القاهرة التاريخية، "لما يثيره ذلك من غضب لدى المواطنين، خصوصاً أنها تعكس هوية الدولة المصرية، وتاريخها الحضاري الزاخر"، مطالبة الحكومة بإعادة النظر في تخطيط المشروعات التي تمر داخل الكتل السكنية، وتحديداً حيث توجد مبان تراثية وتاريخية.

كانت محافظة القاهرة قد أصدرت قراراً بتعليق عمليات دفن الموتى في اثنتين من أشهر مقابرها التاريخية تقعان في نطاق محور صلاح سالم المروري الجديد، وهما مقبرة الإمام الشافعي ومقبرة السيدة نفيسة، تمهيداً لإزالتهما. ونقل رفات المتوفين فيهما إلى مدافن التعويضات البديلة في مدينة العاشر من رمضان في محافظة الشرقية.

دفعت احتجاجات شعبية الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى تأليف لجنة خبراء في يونيو/ حزيران 2023، الهدف منها التوصل إلى رؤية متكاملة لتطوير المنطقة، ودراسة نقل المدافن الأثرية من السيدة نفيسة والإمام الشافعي، وتجميع رفات الرموز المصرية فيما يعرف باسم "حديقة الخالدين" في العاصمة الإدارية الجديدة، وإنشاء متحف ملحق بها يضم القطع الفنية والأثرية الموجودة في تلك المدافن للحفاظ عليها.

إلا أن "بلدوزر السلطة" سرعان ما عاد لاستكمال دعس مقابر السيدة نفيسة والإمام الشافعي، ومنها مقبرة الشاعر الراحل محمود سامي البارودي، الشهير بـ"شاعر السيف والقلم"، والتي تضم قطعاً رخامية منقوشاً عليها بماء الذهب، جرى استيرادها من إيطاليا قبل عقود طويلة، إلى جانب قطع نادرة من النحاس لها طابع تاريخي. وسبق أن أزالت الجرافات حوش عتقاء الأمير إبراهيم حلمي الأثري الخاضع لإشراف وزارة الأوقاف المصرية، ومقبرة شاعر النيل حافظ إبراهيم، وغيرها من المقابر ذات الطابع التراثي والمعماري المتميز.

المساهمون