في كل موسم رمضاني يصدر العديد من الأعمال الفنيّة، ومن بينها الغنائية، في فلسطين وغيرها من الدول العربية والإسلامية، إلّا أنّ أغنية "هلّ هلالك" تحمل طابعاً خاصاً، لكونها صدرت من داخل زنازين الاحتلال الإسرائيلي، إذ كتب كلماتها ولحنها الأسير الفلسطيني يزن سمارو، المحكوم عليه بالسجن المؤبد.
وقُدمت الأغنية، التي أنتجتها الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون الفلسطينية، عبر "تلفزيون فلسطين" و"قناة فلسطين مباشر"، وغنّاها كل من نورا أبو ماضي ونادر حمودة، فيما تولى التوزيع علاء الكردي، وأخرج الفيديو كليب الخاص بها محمد فرج.
وصوّر الكليب في أكثر من موقع فلسطيني، أهمها القدس والبلدة القديمة في نابلس وبيرزيت.
والعمل خرج من الزنزانة كلماتٍ ولحناً، وتم تهريبه بطريقة معقّدة، حسب ما ذكره الأسير المحرر علام القوقا لـ"العربي الجديد"، وكان له دور بارز في خروج الأغنية إلى العلن.
وتتحدث "هلّ هلالك" عن افتقاد "اللمّة مع الأهل"، وتتغنى بالمدن الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، ممّا يعكس حالة من الاشتياق للجغرافيا الفلسطينية لدى الأسرى، التي أهدى منتجو العمل والقائمون عليه الأغنية لهم، كما أنه يبث رسائل وحدويّة، دون الابتعاد عن إبراز الطقوس الرمضانية المرتبطة بالتراث الفلسطيني، ومن بينها أهازيج "المسحراتي" في فلسطين والدول المجاورة.
ورغم أن العمل أنجز قبل عام، لكنّه لم يعرض عبر شاشة "تلفزيون فلسطين" والشاشات الأخرى إلّا مع بداية شهر رمضان المبارك هذا العام، وذلك باعتبار أن "تعميمه، رغم نشره عبر قناة واحدة تتبع تلفزيون فلسطين العام الماضي على يوتيوب، لم يكن مناسباً، لكون الأغنية ذات أجواء احتفالية، فيما كانت مدن وبلدات فلسطينية عديدة تمرّ بظروف صعبة، وخاصة في قطاع غزة والقدس"، وفقاً للقوقا.
وحول ظروف خروج الأغنية إلى العلن، أكّد علام القوقا لـ"العربي الجديد": "كم هو صعبٌ نقل رسالة ما من شخص لآخر، فما بالك إذا كان مصدر هذه الرسالة الأسرى الأبطال والمرسل إليه كافة أبناء الشعب الفلسطيني".
وتابع: "أصرّ الأسرى في سجون الاحتلال أن يهنئوا شعبهم بحلول شهر رمضان المبارك، وخاصة الأطفال منهم في كافة المدن الفلسطينية، فكانت هذه الأغنية التي كتب كلماتها ولحّنها الأسير يزن سمارو، وهو من مدينة نابلس، ومواليد العاصمة السورية دمشق، وكان له دور بارز في نضالات انتفاضة الأقصى"، التي اندلعت في العام 2000 ضد الاحتلال الإسرائيلي وسياساته العنصرية.
وشدّد القوقا، الذي قضى 18 عاماً داخل الأسر، على أن الأغنية خرجت من الزنزانة كما أنجزها سمارو، فلم تتعرّض لأي حذف أو إضافة أو تغيير، مؤكّداً أنّ "تلفزيون فلسطين تعامل مع العمل بشكل إيجابي للغاية، ممّا انعكس سرعةً في إنتاجه وإنجازه تسجيلاً وتصويراً".
ولفت الأسير المحرر إلى أن "الأسرى في سجون الاحتلال الإسرائيلي يعملون على الدوام لتطويع الظروف الصعبة التي يعيشونها، ويحاولون استعادة شيءٍ ممّا كانوا يعيشونه قبل اعتقالهم من طقوس رمضانيّة بين عائلاتهم". وقال: "على سبيل المثال، كنّا نقلي الخبز ونصنع القطر من الماء والسكّر كتقليد لحلوى العوّامة الشهيرة، وعلى الرغم من الفارق ما بينهما، كنّا نُسعد بالنتائج وبالأجواء التي نصنعها لأنفسنا، متسلّحين بالأمل والإصرار والإرادة الصلبة والإيمان بحتميّة النصر".
ووصف القوقا صاحب الأغنية الأسير يزن سمارو بـ"المثقف والموهوب والحالم، علاوة على كونه وحدوّياً، وهو ما عكسه في أغنية "هلّ هلالك"، برسائلها، وروعة كلماتها، ولحنها المتميّز".
من جهتها، قالت الفنانة نورا أبو ماضي لـ"العربي الجديد": "فور تواصل المخرج محمد فرج معي للمشاركة في أغنية رمضانية ذات بعد روحاني كتبها ولحّنها أسير فلسطيني يقبع في سجون الاحتلال لم أفكر لحظة واحدة في الترحاب الذي تحوّل إلى حماسة، لكونه عملاً مختلفاً في رمزيّاته ودلالاته، وعليه بدأنا بعد التسجيل في التصوير نحن الفنانين في بلدة بيرزيت".
وأضافت أبو ماضي: "أحبّ الوجود في أعمال غنائية رمضانية كل عام، وكان هذا العمل، رغم تسجيل الأغنية وتصويرها العام الماضي، بمثابة مشاركة متواصلة ما بين عامين. جعلتني المساهمة أشعر بأنّني أشارك، بشكل ما، في دعم الأسرى الذين يُبدعون من داخل زنازينهم، خاصة أن كلماتها تحمل أملاً وتفاؤلاً، وتعبّر عن واقع نتمنى جميعاً أن نعيشه".