رفع ممثلا فيلم "روميو وجولييت" (1968)، أوليفيا هوسي (Olivia Hussey) وليونارد وايتنغ (Leonard Whiting)، دعوة قضائية أمام محكمة سانتا مونيكا العليا، ضد شركة باراماونت، أخيراً، متهمين الاستوديو الشهير بـ"الاعتداء والتحرش الجنسي والاحتيال"، بعد مضي 55 عاماً على إصدار الفيلم. زعم الممثلان الرئيسيان في النسخة الفيلمية الأكثر احتفاءً بمسرحية شكسبير أن المخرج فرانكو زيفيريلي (1923 - 2019) أكد لهما أن مشاهد الفيلم لن تتطلب أي عري، تحديدًا تلك التي تتخذ مكانها في غرفة النوم، إذ سيرتدي الممثلان اللذان لم يكونا قد تجاوزا السادسة عشرة من عمرهما حينها، ملابس لحمية.
يزعم الادعاء أن المخرج الراحل نكث وعوده السابقة، وضغط على الممثلين للظهور عاريين في أحد المشاهد، موضحاً أن الفيلم "سيفشل" إن لم يفعلا ذلك. ويؤكد مدير أعمال الممثلين، توني مارينوزي، أن المراهقين قد تعرضا للخداع ولم يكن بوسعهما فعل شيء حيال ذلك، خاصة أن حركة #MeToo لم تكن قد وجدت بعد.
يطالب الممثلان اللذان يبلغان السبعينيات من عمرهما اليوم بالحصول على تعويضات تبلغ قيمتها 500 مليون دولار، أو كل ما حصل عليه الفيلم من عائدات منذ إصداره عام 1968 وحتى اليوم، وذلك تعويضاً عن الآلام النفسية والاضطراب العاطفي اللذين عانيا منهما على مدار حياتهما. يدعي الممثلان أيضاً أنّ الفيلم تسبب بإحباطهما مهنياً وضياع العديد من فرص العمل المحتملة، على الرغم من كونه واحداً من أكثر التجارب الواعدة آنذاك، وأشدها امتداحاً من قبل نقاد السينما وترشيحاً لجوائز أوسكار، وقد نجح في الفوز باثنتين منها بالفعل عام 1969: أفضل أزياء وأفضل تصوير سينمائي.
ليس من الواضح بعد ما قد ينتج عن الدعوة المقامة بحق "باراماونت"، خاصة أنّ بطلة الفيلم أوليفيا هوسي دافعت في مقابلات عدة سابقة عن مشهد العري نفسه، ووصفته بالضروري للفيلم، وأكدت أنها شعرت بارتياح في موقع التصوير، حتى خلال مشاهد العري التي نُفذت "بذوق رفيع" على حد تعبيرها.
رفُعت الشكوك حول انخراط الأطفال في المشاهد الجنسية في وقت سابق أيضاً، وذلك مع مجموعة "بالنسياغا" الأخيرة لربيع عام 2023 التي أظهرت أطفالاً في جلسة تصوير غير لائقة، يقفون على أسرة ملونة ويحملون دمى محاطة بالجنازير الحديدية والجلدية، ومن حولهم كؤوس النبيذ والبيرة، وغيرها من العناصر التي انتقدت بشدة وصنفت على أنها تسعى إلى "جنسنة" عالم الأطفال، وتصويرهم بشكل إباحي، ما دفع العلامة الإسبانية الفاخرة إلى حذف الحملة ونشر الاعتذارات الرسمية.
تعيد الحادثتان المتقاربتان زمنياً طرح أسئلة عن الفارق الرفيع وبالغ الخطورة بين التصوير الإباحي للأطفال، وتلك الأعمال الفنية التي تدور حول قصص القاصرين، وتحديداً التي تسعى إلى تصوير حياة المراهقين وعالمهم، ومن بينها تصوراتهم ورغباتهم وفضولهم إزاء الجنس. تكشف المواد الإباحية عن نفسها بسهولة، لكن المهمة تغدو أصعب، عندما يواجه المرء عملاً فنياً ما بموضوعات جنسية حول الأطفال. الفيلم، على وجه الخصوص، يعزز شعور الانفصال عن الواقع، ويؤكد مراراً على طبيعته الفنية والاصطناعية، ما يجعل المشاهد مرتاحاً مع ما يقدمه مهما بلغت شدته، متكئاً على حسن النية وعلى ذات الجانب "الفني" بالضرورة، ومن المرجح أن يتلقى المشاهد موضوعات الأطفال ذات الصلة بالجنس على أنها "سلوك استكشافي"، يرصده صناع العمل ويوثقون محطاته الأجمل والأكثر إرباكًا خلال مرحلة النضوج الجنسي الفريدة. لكن، ماذا عن رأي الأطفال أنفسهم؟ وكيف يمكن اعتبار موافقتهم في سن صغيرة، أو تلك التي يمنحها ذووهم بالنيابة عنهم، موافقة جادة وغير قابلة للتغير مع مرور الزمن، كما في حالة ممثلي فيلم "روميو وجولييت"؟
يفشل النظام الحالي في مواجهة تلك الإشكالية الخطرة، ولعلّ المثال الأشهر على ذلك هو فيلم Desire الذي عرض على "نتفليكس" عام 2017، ثم حذف لأسباب غير مصرح عنها. حصد الفيلم غضب المشاهدين عندما صور فتاتين في العاشرة من عمرهما تلعبان بالوسادات وهما تقلدان أفلام رعاة البقر، فتنتهي إحداهما إلى ممارسة العادة السرية على الوسادة واسكتشاف النشوة الجنسية للمرة الأولى. دافع مخرج الفيلم عن مشهده الافتتاحي، وأكد أنّ الفتاتين لا تفهمان ما تفعلانه، وأنّ المشهد صُور تحت مراقبة والدتي الفتاتين وبموافقتهما. فجر دفاع المخرج دييغو كابلان مزيداً من الانتقادات حينها، فكيف يمكن للفتاتين أن توافقا على ما لا تفهمانه، وما الذي يجعل من موافقة الوالدتين قراراً صائباً في هذه الحالة؟ تبدو تلك الموافقات ذات الطبيعة الهلامية مقامرة في أحسن أحوالها، يعقدها كل من صناع الفيلم والأهل على حساب الأطفال الذين قد يكون لهم رأي مغاير في مرحلة لاحقة من حياتهم، فضلاً عن الضغوط النفسية الآنية وبعيدة المدى التي قد تنتج عن تصوير تلك المشاهد بوصفها "عملاً" يتقاضى الطفل، أو وصيه في غالب الأمر، أجراً لقاء تنفيذه.
على الجانب الآخر، يرى كثيرون أنّ تقييد مشاهد الأطفال ذات البعد الجنسي يعتبر رقابة متحفظة ومفرطة، من شأنها أن تقوض حرية التعبير الفني والحد من إمكانياته الواسعة في اقتحام المساحات المحرمة، والتي قد يكون دخولها مزعجاً بالنسبة للبعض، لكنّه ضروري بلا شك. بالنسبة للمدافعين، فالسياق "هو كلّ شيء"، والمعيار الأساسي هو التشكيك في معايير المجتمع ودحض قيمه الثابتة، ما قد ينتج عنه مشاعر غير محبذة لدى البعض. وفي حين يسعى بعض البالغين إلى إبعاد الأطفال عن المشاهد الحميمية بشتى الوسائل، تصل إلى استبدالهم أحياناً بتقنيات التزييف العميق، يسعى المدافعون إلى إقامة روابط أكثر ودية بين الأطفال والجنس، تسمح لهم باكتشافه من دون خجل، بعيداً عن تصويره بعبعاً مخيفاً يترصد بهم وضرراً يتحتم على البالغين حجبه خلفهم. أما التبعات النفسية المحتملة التي قد يواجهها بعض الممثلين اليافعين والأطفال عقب تصوير مشاهد ذات طبيعة جنسية، فهو ما لا يجد المدافعون عن انخراط الأطفال في الإيروتيكية جواباً حاسماً له، في ظل غياب الوسائل التي تضمن الصحة النفسية والجسدية للأطفال العاملين في مجال الفن.
يشترط الحديث عن انخراط الأطفال في المشاهد الجنسية على الشاشة نقاشاً قانونياً وفنياً وحقوقياً ونفسياً في الآن نفسه، ما يجعله حديثاً أعقد من أن يخوضه الأطفال بالدرجة الأولى، لكنّه يبني بالضرورة كثيراً من نتائجه واستخلاصاته على ردود فعلهم ومشاعرهم إزاء تجارب اختاروها بأنفسهم أو ربما سيقوا إليها في سن صغيرة.