أظهرت هوليوود، في السنوات الأخيرة، موقفاً موحداً بشأن رئاسة دونالد ترامب وحياة السود مهمة وحقوق الإجهاض، لكن العدوان على غزة أثار الانقسام والخلاف، وسط قمع واضح ومتواصل للأصوات الداعمة لفلسطين.
أشار تقرير لصحيفة ذا غارديان إلى أن المناخ السائد في هوليوود بات "يعج بمصطلحات مثل معاداة السامية والإبادة الجماعية. ويتبادل الحلفاء السابقون الاتهامات بالرقابة والنفاق والخيانة. وتواجه الشخصيات البارزة التي تتخذ موقفاً ما، سوء المعاملة أو النبذ، أو الفصل عن العمل في بعض الحالات".
رفعت فنانات، مثل سوزان ساراندون وسينثيا نيكسون، أصواتهن دعماً لغزة وفلسطين، فيما يدفع كثيرون ثمناً باهظاً لأنهم تحدثوا بصوت عالٍ دعماً لغزة، في ظلّ القمع الصارم للأصوات التي وقفت ضد العدوان الإسرائيلي على غزة.
خارج البيت الأبيض، رفعت مجموعة من المتظاهرين عالياً لافتة تقول: "أكثر من 14850 فلسطينياً قُتلوا، كم عدد القتلى الذي يلزم قبل وقف إطلاق النار؟"، ومن بينهم سينثيا نيكسون. كانت نيكسون من بين الناشطين الذين بدأوا إضراباً عن الطعام لمدة خمسة أيام دعماً لغزة. لفتت "ذا غارديان" إلى أن نيكسون اتبعت تقليداً طويلاً ينص على استخدام الممثلين لمنابرهم لدعم القضايا في واشنطن، لكنها وجدت نفسها في قلب جدل داخل هوليوود عندما وصل الأمر إلى الوضع في غزة وفلسطين. قالت نيكسون: "يعاقَب الناس بسبب تحدثهم علناً".
دعم إسرائيل تاريخياً في هوليوود
ذكرت "ذا غارديان" أنه "لطالما حظيت إسرائيل تاريخياً بدعم قوي في هوليوود. واحتفلت جماهير غفيرة في قاعة هوليوود بمولدها عام 1948، واستمعوا إلى رسالة مسجلة من رئيس الوزراء المؤسِّس ديفيد بن غوريون. وعام 1967، وفي المكان نفسه، أظهر التجمع من أجل بقاء إسرائيل التضامن بعد حرب الأيام الستة مع نجوم مثل فرانك سيناترا، وبيتر سيلرز، وباربرا سترايسند. ولكن مع مرور العقود، أصبح المزيد من الناس يرون أن إسرائيل ليست مستضعفةً ذات ميول يسارية، بل إنها مضطِهدة للفلسطينيين بدعم من الولايات المتحدة، وتقودها الآن الحكومة الأكثر يمينية في تاريخها".
المتضامنون مع الفلسطينيين في هوليوود يدفعون الثمن
أثار قصفها المستمر لقطاع غزة غضباً ومطالبات بوقف إطلاق النار. وقال الممثل الحائز جائزة إيمي، ديفيد كلينون: "اعتادت هوليوود إظهار إعجابها وولائها لإسرائيل. بدأ جيل جديد في قطاع الترفيه بتحدي تلك الأيديولوجية السائدة. وبالطبع، فإن الحرس القديم سيبذل كل ما في وسعه لترهيبهم". واعترف كلينون متحدثاً لـ"ذا غارديان": "لقد فكرت في طلب عدم الكشف عن هويتي لهذه المقابلة، لكنني رجل عجوز، وليس لدي الكثير لأخسره مثل الشباب الذين يشعرون بالتعاطف والتضامن مع شعب فلسطين". وأوضح: "طُرد ممثّلون وكُتّاب سيناريو وموظفون آخرون، أو هُدّدوا لانتقادهم أيديولوجية الصهيونية وممارساتها. ولكن هذه الانتقادات ذاتها يوجهها الإسرائيليون أنفسهم، المثقفون والناشطون السياسيون. ومن المثير للسخرية أن يكون هناك نقاش مفتوح حول الصهيونية في إسرائيل أكثر مما هو مسموح به في هوليوود".
من بين أولئك الذين دفعوا ثمن التحدث علناً، سوزان ساراندون، إذ استبعدت الممثلة والناشطة الحائزة جائزة أوسكار من UTA (وكالة لإدارة أعمال عاملين وعاملات في هوليوود)، بعد التعليقات التي أدلت بها في تجمّع مؤيد للفلسطينيين في الآونة الأخيرة في نيويورك، حين قالت: "هناك الكثير من الناس الذين يخشون كونهم يهوداً في هذا الوقت"، مضيفةً: "نتذوق ما يشعر به المرء كمسلم في هذا البلد، الذي يتعرض في كثير من الأحيان للعنف".
وخفضت رتبة مهى الدخيل، ليبية الأصل، في CAA (وكالة أخرى لإدارة أعمال السينمائيين والسينمائيات). بعد مشاركة منشور على وسائل التواصل الاجتماعي يتهم إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية. واعتذرت لاحقاً. وأعلن كاتب السيناريو آرون سوركين، لاحقاً، أنه سيترك CAA قائلاً: "مهى (الدخيل) ليست معادية للسامية، إنها مخطئة فحسب". وقطعت CAA علاقتها بالكاتبتين ريجينا جاكسون وسيرا راو، بعدما كتبت الأخيرة على وسائل التواصل الاجتماعي: "بدأ الصهاينة يشعرون بالذعر من أن المزيد والمزيد من العالم ينظر إليهم على أنهم غيلان إبادة جماعية متعطشون للدماء". وفي الوقت نفسه، طردت شركةُ الإنتاج "سبايغلاس ميديا"، الممثلةَ ميليسا باريرا من فيلم Scream VII، بسبب منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي، قالت فيها إن إسرائيل ترتكب "إبادة جماعية" و"تقتل الفلسطينيين الأبرياء والأمهات والأطفال بوحشية بحجة تدمير حماس".
رغم الترهيب، يستمر فنانون عدة في رفع صوتهم. كان برادلي كوبر، وألفونسو كوارون، وسيلينا غوميز، وجانيل موناي، ولوبيتا نيونغو، وجينا أورتيغا، ويواكين فينيكس، ومارك روفالو، ومارك رايلانس من بين أكثر من 260 شخصاً وقّعوا على رسالة تحثّ الرئيس الأميركي جو بايدن والكونغرس على الدعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة.
وتحدّثت العارضة الأميركية من أصل فلسطيني جيجي حديد على "إنستغرام" حيث يتابعها 79 مليون حساب في الأسابيع الأخيرة، عن "سوء المعاملة الممنهجة للشعب الفلسطيني التي تنتهجها الحكومة الإسرائيلية".
وكذلك كان الحال بالنسبة إلى نيكسون، وهي تجلس خارج البيت الأبيض مع ناشطين مسلمين ويهود ومشرّعين في الولاية. وقالت نيسكون إن مصطلح معاداة السامية يُساء استخدامه في محاولة لإسكات المنتقدين. وأضافت: "اثنان من أطفالي الثلاثة يهوديان، وأجدادهما من الناجين من المحرقة"، مضيفةً: "نجلي الأكبر على وجه الخصوص ناشط جداً في المظاهرات، وقد اعتُقل منذ فترة... باعتباره حفيداً للناجين، فهو أمر شخصي للغاية بالنسبة إليه". وشددت على أن "معاداة السامية ليست مزحة. إنها قوة مرعبة: لقد قُتل ستة ملايين يهودي في الحرب العالمية الثانية. ولكن هل ترى أي شخص يقول إن أي انتقاد للحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة، التي لا تحظى بشعبية كبيرة بين شعبها، هو معاداة للسامية؟".
يرحّب الناشطون الذين يطالبون إسرائيل بإنهاء القصف، بتدخل نجوم هوليوود الذين يستخدمون منابرهم لتوصيل الرسالة. قالت الناشطة اليهودية التي عطّلت عام 2011 خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أمام جلسة مشتركة للكونغرس، راي أبيلا: "إنه أمر لا يصدق أن مشاهير عديدين يتحدثون علناً عن وقف إطلاق النار". وأوضحت أنه "كان هناك إلى حد ما أمر بحظر نشر يمنع الناس من التحدث علانية، لأنه كان هناك الكثير من الخوف من القمع، ومن إدراجهم في القائمة السوداء، ومن وصفهم، بشكل خاطئ بالطبع، بمعادي السامية. إن عدد الأشخاص الذين وقّعوا على وقف إطلاق النار، من ضمنهم المشاهير، أمر مذهل للغاية. بالطبع يواجه البعض تداعيات، ونحن بحاجة إلى محاربة ذلك لأن الناس يواجهون مشكلات خسارة وظائفهم".
وقال المتخصص في مجال التواصل نيكولا فاندربيست من بروكسل، لوكالة "فرانس برس"، إن المشاهير الذين يتّخذون موقفاً "يخاطرون بالكثير، ولا يكسبون إلا القليل". وبالتالي، من أجل الحصول على راحة البال، يمكن للمشاهير أن يختاروا التزام الصمت. لكن، وسط ما يحصل في غزة "يشعرون بأن عليهم التعبير عن النفس"، ولكن هذا لا يجنّبهم التعرض للانتقاد، كما قال الأستاذ في جامعة سوربون-نوفيل الباريسية، جميل جان-مارك دخلية، لوكالة فرانس برس، مضيفاً أن "حتى الصمت يعد اعترافاً".
داعمون للاحتلال الإسرائيلي في هوليوود
أعربت الممثلة الإسرائيلية غال غادوت عن دعمها الثابت للكيان الصهويني على "إنستغرام"، في 7 أكتوبر، حين كتبت: "أنا بجانب إسرائيل عليكم أن تكونوا أيضاً كذلك". ومذاك، تنشر أو تشارك بانتظام محتوى مؤيدا للاحتلال الإسرائيلي. وكتب أحد المستخدمين، على غرار مئات آخرين: "أشعر بخيبة أمل كبيرة إزاء موقفك المؤيد للإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني".
وشاركت كايلي جينر، مع متابعيها البالغ عددهم 398 مليوناً على "إنستغرام"، رسالة من مجموعة مؤيدة لإسرائيل بُعيد عملية طوفان الأقصى، لكنها أزالتها بعد تعرّضها للشتم، وفقاً لوسائل إعلام أميركية.