صارت الحكومة الروسية أنجح بكثير في التلاعب بوسائل التواصل الاجتماعي ومحركات البحث عمّا كان معروفاً سابقاً، وهو الأمر الذي ساهم بنشر مزيد من الأخبار الكاذبة عن الجيش الأوكراني والمعلومات المضللة حول الآثار الجانبية للقاحات كوفيد-19، عبر استخدام مئات الآلاف من الحسابات المزيفة عبر الإنترنت، بحسب ما نقلته صحيفة واشنطن بوست عن إحدى الوثائق التي سرّبت مؤخراً عبر تطبيق ديسكورد.
وتقول الوثيقة إنّ المشغلين الروس للحسابات المزيفة يتباهون بأنّ كبرى شركات التكنولوجيا لا تنجح بالكشف إلّا عن 1 في المائة منها.
وهو الادعاء الذي أثار قلق المسؤولين الحكوميين السابقين والخبراء داخل وخارج شركات وسائل التواصل الاجتماعي الذين تواصلت معهم "واشنطن بوست" أثناء إعداد التقرير.
بحسب المتخصّص في المعلومات المضللة والأستاذ في جامعة جونز هوبكنز توماس ريد، "تحارب ميتا وغوغل وغيرهما من أجل إيقاف الحسابات المزيفة، فيما تحاول روسيا أن تتحسّن"، معتبراً أنّ نسبة 1 بالمئة المذكورة قد تكون مضلّلة أو مضخمة.
وتحوي الوثيقة، غير المؤرخة، تقريراً تحليلياً لفعالية البروباغندا الروسية عبر "تويتر" و"يوتيوب" و"تيك توك" و"تليغرام" وغيرها من المنصات، وتتطرّق إلى أنشطة قامت بها روسيا أواخر العام الماضي. وهي جزء من مجموعة من الوثائق التي سربت في غرف الدردشة على "ديسكورد"، والتي حصلت "واشنطن بوست" على نسخة منها.
ووجّهت محكمة فيدرالية، يوم الجمعة الماضي، لائحة اتهامات إلى العسكري جاك تيكسيرا، البالغ من العمر 21 عاماً، لتسريبه سلسلة الوثائق السرّية للغاية، والتي تسبّب انكشافها بإحراجٍ كبير للولايات المتّحدة.
ويأتي الكشف عن تحسن قدرات التضليل الروسية بالتزامن مع اتهام مالك "تويتر" إيلون ماسك، وعدد من أعضاء الكونغرس الجمهوريين، الحكومة الفيدرالية بالتواطؤ مع شركات التكنولوجيا لقمع وجهات النظر اليمينية والمستقلة، عبر تصوير العديد من الحسابات أنّها مزيفة وجزء من خطة روسية للتأثير في الرأي العام.
من جهتهم، يعبّر العديد من موظفي "تويتر" عن قلقهم من أن تسريح ماسك عدداً كبيراً من العاملين قد أضرّ بقدرة المنصة على محاربة عمليات التأثير، خاصة مع ازدياد الحملات الدعائية وانتشار خطاب الكراهية منذ أن استولى الملياردير على المنصة في أكتوبر/ تشرين الأوّل الماضي.
وحذّر العديد من الخبراء الحاليين والسابقين في مجاليّ الاستخبارات والأمن الرقمي، الذين قابلتهم "واشنطن بوست"، من أن تكون الوكالة الروسية قد بالغت بنسبة نجاحها. لكن حتّى وإن كانت نسبة نجاح الحسابات المزيفة الروسية في الإفلات من الانكشاف 90 بالمئة بدلاً من 99 بالمئة، فإنّ ذلك يشير إلى أن روسيا صارت أكثر كفاءة وفعالية في نشر البروباغندا الخاصة بها مقارنةً بعام 2016، حين حاولت التأثير على مسار الانتخابات الرئاسية الأميركية.
وقال الرئيس السابق لوكالة الدفاع السيبراني في المملكة المتحدة كيران مارتن، في حديث مع "واشنطن بوست": "لو كنت حكومة الولايات المتحدة، لأخذت الأمر على محمل الجد، ولكن بهدوء"، مضيفاً: "كنت سأتحدث إلى منصات التواصل الرئيسية وأطلب أن نقيّم معاً مقدار مصداقية هذه الادعاءات".
وفيما امتنعت وزارة الدفاع الأميركية عن التعليق، لم ترد "تيك توك" و"تويتر" و"تليغرام" الواردة أسماءها في الوثيقة على تساؤلات الصحيفة.
وقالت "غوغل"، مالكة "يوتيوب"، في بيان: "لدينا سجل حافل في الكشف عن شبكات الحسابات المزيفة واتخاذ الإجراءات ضدها. نمارس الرقابة باستمرار ونحدّث أساليب الحماية بشكل دائم".
مع تحوّل الإنترنت إلى المكان الأساسي للحصول على المعلومات ومناقشة الأحداث السياسية، ازدادت أهمية التأثير على ما يُقال ويُنشر على منصات التواصل الاجتماعي.
لكن الرأي العام لا يعرف سوى القليل عن كيفية عرض محتوى معين دون غيره على المستخدمين. إذ تلتزم شركات التكنولوجيا بالصمت حيال آلية عمل الخوارزميات على منصاتها، فيما تقوم شركات التسويق والحكومات باستخدام المؤثرين والأدوات الآلية لنشر رسائل من كل نوع.
أثارت احتمالية وجود بروباغندا مقنعة قلقاً واسعاً في الأشهر الأخيرة حول "تيك توك"، والتي أدّت ملكية بايتدانس الصينية لها إلى تقديم مقترح بحظرها في الكونغرس، وكذلك "تويتر"، الذي قال مسؤوله السابق للثقة والأمان يوئيل روث أمام الكونغرس، في فبراير/ شباط الماضي، إنّه يضمّ الآلاف أو مئات الآلاف من الحسابات المزيفة الروسية.
تقدّم الوثيقة، بحسب "واشنطن بوست"، تقييماً صريحاً ونادراً من قبل المخابرات الأميركية لعمليات التضليل الروسية، وهي من إعداد هيئة الأركان المشتركة بين القيادتين السيبرانيتين الأميركية والأوروبية.
وتركز الوثيقة على مركز الحوسبة الرئيسي في روسيا، الذي يشار إليه باسم "GlavNIVTs"، خاصة أنّه يعمل مباشرة لحساب الرئاسة الروسية، كما تشير إلى أنّ الشبكة الروسية أعطت حملتها التضليلة اسم "فابريكا".
وعمل المركز أواخر العام 2022 على تحسين "فابريكا"، بحسب الوثيقة، التي خلصت إلى أنّ "هذه الجهود ستعزز على الأرجح من قدرة موسكو على التحكم في بيئتها المعلوماتية المحلية وتعزيز السرديات المؤيدة لها في الخارج".
كذلك، أشارت إلى أن "فابريكا" نجحت بالرغم من الصعوبات التي فرضتها العقوبات الغربية على روسيا، وكذلك الرقابة الروسية على منصات التواصل داخل البلاد.
يقول ملخص الوثيقة: "تقوم حسابات البوت بعرض المحتوى وإبداء الإعجاب والاشتراك فيه وإعادة نشره للتلاعب بعدد المشاهدات، ما ينقل المحتوى إلى أعلى نتائج البحث وقوائم التوصيات". كذلك، يشير إلى أنّ المحتوى يرسل في أحيانٍ أخرى مباشرةً إلى المستخدمين العاديين، بعد الحصول على معلوماتهم الشخصية مثل البريد الإلكتروني.
وتشير الوثيقة إلى أنّ حملات التأثير الروسية هدفت إلى إضعاف معنويات الأوكرانيين واستغلال الانقسامات بين الحلفاء الغربيين.
وكانت وثيقة أخرى من نفس المجموعة المسربة عبر "ديسكورد" قد لخّصت 6 حملات تأثير كانت قيد التنفيذ أو مخطّطاً لها هذا العام من قبل منظمة روسية جديدة، تعرف باسم مركز العمليات الخاصة بالفضاء الإلكتروني، وتستهدف بشكل أساسي حلفاء أوكرانيا الإقليميين.
ومن ضمن الخطط التي تضمّنتها تلك الحملات، نشر فكرة أن المسؤولين الأميركيين يخفون الآثار الجانبية للقاحات كوفيد-19، وذلك لتأجيج الانقسامات في الغرب. فيما احتوت حملة أخرى على أفكار مثل نشر أخبارٍ عن نية لاتفيا وليتوانيا وبولندا إعادة اللاجئين الأوكرانيين ليقاتلوا في بلادهم، وعن قيام جهاز الأمن الأوكراني بتجنيد موظفي الأمم المتحدة للتجسس، وكذلك عن قيام أوكرانيا بتوجيه حملاتها للتأثير الإلكتروني ضدّ أوروبا بمساعدة الناتو.