في تقريرها الصادر مطلع شهر فبراير/شباط 2022 عن الفصل العنصري الذي يمارسه الاحتلال ضد الفلسطينيين، أشارت منظمة العفو الدولية إلى أن إسرائيل أخضعت الفلسطينيين الموجودين ضمن الأراضي المحتلة عام 1948 لنظام من المراقبة والسيطرة قيَّد حرياتهم السياسية عمداً، وتعتمد لذلك على كاميرات المراقبة المثبّتة في مدن وأحياء في الضفة الغربية والقدس المحتلة.
كيف يراقب الاحتلال الفلسطينيين؟
استخدام كلمة "مراقبة" لم يكن عشوائياً، بل يستخدم الاحتلال نظاماً للتعرّف إلى الوجه يُعرف باسم "الذئب الأحمر" لتعقّب الفلسطينيين و"جعل القيود القاسية المفروضة على حرية تنقلهم مؤتمتة".
ما هو نظام الذئب الأحمر؟
في تقرير ثانٍ صادر عن منظمة العفو أيضاً في شهر مارس/آذار الماضي يحمل عنوان "الأبارتهايد الرقمي"، شرحت كيف تبني إسرائيل "شبكة مراقبة متنامية باستمرار ترسخ سيطرة الحكومة الإسرائيلية على الفلسطينيين، وتساهم في الحفاظ على نظام الفصل العنصري الذي تُطبّقه". فبحسب المنظمة، نظام "الذئب الأحمر" منشور عند الحواجز العسكرية في مدينة الخليل بالضفة الغربية المحتلة، حيث يعمل على مسح وجوه الفلسطينيين ويضيفها إلى قواعد بيانات ضخمة للمراقبة بدون موافقتهم. كذلك كثف الاحتلال استخدام تكنولوجيا التعرّف إلى الوجه ضد الفلسطينيين في القدس الشرقية المحتلة، في أعقاب الاحتجاجات وفي المناطق المحيطة بالمستوطنات غير القانونية.
كيف تعمل تكنولوجيا التعرّف إلى الوجه؟
ببساطة من خلال شبكة كثيفة من كاميرات الدوائر التلفزيونية المغلقة لإبقاء الفلسطينيين تحت المراقبة شبه الدائمة. وتشكّل هذه المراقبة "جزءاً من محاولة متعمدة من جانب السلطات الإسرائيلية لخلق بيئة عدائية وإكراهية للفلسطينيين بهدف تقليص وجودهم إلى أدنى حد في المناطق الاستراتيجية".
"عندما يمر فلسطيني عبر حاجز إسرائيلي يشغِّل نظامَ "الذئب الأحمر"، يُمسَح وجهه دون علمه أو موافقته، ويقارَن بالسجلات البيومترية الموجودة في قواعد البيانات التي تتضمن حصراً معلومات عن الفلسطينيين. ويستخدم النظام هذه البيانات لتحديد ما إذا كان الشخص يستطيع أن يمر عبر الحاجز، ويسجل أي وجهٍ جديد يمسحه تلقائياً وبيومترياً. ويُمنع الشخص من المرور إذا لم يتوافر أي سجل له. كذلك يستطيع "الذئب الأحمر" أن يمنع الدخول بناءً على معلومات أخرى مخزّنة في ملفات التعريف الخاصة بالفلسطينيين، "مثلاً إذا كان الشخص مطلوباً للاستجواب أو الاعتقال"، وفق ما تشرح منظمة العفو في تقريرها.
هل يعتمد الاحتلال على "الذئب الأحمر" حصراً؟
كلا، يرتبط نظام "الذئب الأحمر" بنظامَيْ مراقبة آخرَيْن يديرهما جيش الاحتلال، هما "قطيع الذئاب"، و"الذئب الأزرق":
- "قطيع الذئاب": هو قاعدة بيانات واسعة للغاية تحتوي على كل المعلومات المتوافرة عن الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك مكان إقامتهم وأفراد عائلاتهم وما إذا كانوا مطلوبين للاستجواب من جانب السلطات الإسرائيلية.
- "الذئب الأزرق: هو تطبيق تستطيع القوات الإسرائيلية الدخول إليه عبر أجهزة الهاتف الذكية والأجهزة اللوحية، ويستطيع أن يعرض فوراً المعلومات المخزّنة في قاعدة بيانات "قطيع الذئاب".
ما هي الشركة التي تؤمّن هذه الكاميرات لسلطات الاحتلال؟
- الشركة الصينية هيكفيجن Hikvision هي الجهة المصنّعة للكاميرات. يقع مقر الشركة الأساسي في مدينة هانغتشو، عاصمة مقاطعة جيجيانغ الصينية، وهي واحدة من أكبر شركات صناعة معدات كاميرات المراقبة في العالم، وسبق أن أدرجت ضمن القوائم السوداء لعدد من الدول بسبب دورها في قمع أقلية الأويغور المسلمة في الصين. إذ سوّقت الشركة منذ سنوات لكاميراتها في الصين، على اعتبار أنها مجهزة ببرمجيات قادرة على "اكتشاف الأويغور تلقائياً"، مروّجة لمنتجاتها القادرة على "تمييز عرق وعمر الشخص استناداً إلى صورة لوجهه" وفق ما ذكرت صحيفة "ذا غادريان" البريطانية، السبت. كذلك فإن هذه الكاميرات، بحسب ما تقول الشركة، قادرة على مساعدة الشرطة على إعطائها إنذارات عندما ترصد أي نوع من النشاط الاحتجاجي، كما في الأماكن العامة...
- إلى جانب شركة هيكفيجن، حددت منظمة العفو الدولية وجود كاميرات من صنع شركة هولندية تدعى تي كي إتش للأمن (TKH Security) في أماكن عامة في الضفة الغربية والقدس المحتلة وموصولة بالبنية التحتية للشرطة الإسرائيلية.
كيف يستخدم الاحتلال المعلومات التي يجمعها؟
في عام 2021، كشفت صحيفة "واشنطن بوست" عن وجود قاعدة بيانات ضخمة تحمل اسم "وولف باك"، تحتوي على صور وكل المعلومات المتاحة عن جميع الفلسطينيين الموجودين في الضفة الغربية. "تُستخدم هذه التقنيات والمعلومات التي تسجلها لتقييد حرية حركة الفلسطينيين"، يقول الباحث في منظمة العفو ماثيو محمودي في حديث "ذا غارديان". ويضيف: "بشكل خاص، تُقمَع القدرة على الحركة والوصول إلى العمل والتعليم والوصول إلى المرافق الطبية استناداً إلى استخدام التقنيات الاصطناعية القائمة على التعرف إلى الوجوه... ببساطة، نرى كيف ينتهي الأمر بأن تستخدم (إسرائيل) التكنولوجيا لردع الفلسطينيين ومنعهم من المقاومة والاحتجاج على التوسع في المستوطنات غير القانونية".
كيف تؤثر هذه الكاميرات بالوضع في الضفة الغربية اليوم؟
منذ بدء العدوان على قطاع غزة، اعتقل الاحتلال مئات الفلسطينيين في الضفة الغربية، بينما استشهد أكثر من 170 شخصاً، وهُجِّر المئات من بيوتهم نتيجة هجمات المستوطنين. تشكّل قاعدة البيانات التي يمكلها الاحتلال، والكاميرات التي ترصد الحركة اليومية للفلسطينيين، ركيزة أساسية في عمليات الاعتقال، وهو ما كشفته السنوات السابقة. ففريق التحقق الرقمي التابع لمنظمة العفو، سبق أن حلّل وتحقق من صحة 15 فيديو تظهر اعتقال فلسطينيين، ليستنتج أن الاحتلال اتكأ على التسجيلات المحفوظة في كاميرات المراقبة. في إحدى الحالات، نشرت الشرطة الإسرائيلية فيديو يظهر كيف كانت قد حدّدت هوية أحد المحتجين خلال كاميرات المراقبة، وكيف نجحت باعتقاله من ضمن حشد كبير.