استمع إلى الملخص
- توسع جينوفيزي في مجال الكتابة بإصداره رواية "The First Day of My Life"، التي تحولت إلى فيلم سينمائي يتناول قصة فلسفية عن رجل يغير مصائر الآخرين، مع التغلب على تحديات التصوير خلال جائحة كوفيد-19.
- في أحدث أعماله، يستكشف موضوعات مثل الحياة والموت والندم من خلال قصة أربع شخصيات تُعرض عليهم فرصة لإعادة التفكير في قرار الانتحار، مقدمًا تأملات عميقة رغم التحديات في السرد وتطور الشخصيات.
قَطَعَ المُخرج الإيطالي باولو جينوفيزي (57 عاماً) شوطاً طويلاً في الإخراج السينمائي مُنذ عرضِ عملهِ الأول A Neapolitan Spell عام 2002. بعدها، تمكّن من صِناعة مجموعة لا بأس بها من الأفلام الكوميدية الخَفيفة الشّعبية، فكرّس عالمياً عام 2016 بصدورِ فيلمه Perfect Strangers وتحوّله إلى ظاهرةٍ، إذ أُعيد إنتاج نصّ الفيلم الأصلي في أكثر من عشرين دولة.
احترف باولو جينوفيزي صناعة نوع من الترفيه السينمائي الخفيف للجمهور العام (ملهاة). نوعٌ سينمائي حيوي يمكن تسميته هوليوودية إيطالية من جهة شباك التذاكر، يقفز باستمرار ما بين كوميدية الموقف وكوميدية سوء الفهم (لهجة الشمال الإيطالي مُختلفة عن جنوبها)، تتدفق قصصه بعفوية، الخوارق فيها تُضيف لمسة خِفّة سحرية محببة. أبطاله عالقون في قاع المجتمع، ومشاكلهم الأُسرية هي كل ما يشغل حياتهم. نتعاطف معهم حتى لو تحولوا إلى أبطال مضادّين (Anti-Hero) فلا أشرار بالمطلق هنا، بل مُجرد بشر يعانون من مرارة الحياة.
عام 2018، صدرت لجينوفيزي رواية عنوانها The First Day of My Life (اليوم الأول في حياتي) بدأ بنقلها إلى السينما عام 2020، لكن بسبب وباء كوفيد-19 وتبعاته اضطر إلى الانتقال من نيويورك إلى روما ليُكمل التصوير، بعد عناءٍ طويل، وصل الفيلم إلى الشاشات بالعنوان نفسه. فرضية الفيلم المركزية بسيطة، تقوم على رجلٍ غامض يوجه بطريقة سحرية مصائر الآخرين.
مثال هذا الرجل حاضر في أفلام باولو جينوفيزي الأخيرة، إذ لا نعلم ماهية الرجل أو خلفيته أو اسمه، هل هو شيطان؟ أم إله؟ أم مجرد مُرشد تتكثّف فيه رغباتنا وإرادتنا وغريزتنا. كدليلٍ للأرواح الضائعة وعلى هيئة رجل أصلع ودود، يظهر هذا المُرشِد، أو أياً تكن تسميته (أدّى الدور توني سيرفيلو)، لأربعة أشخاص - كل على حدة - انتحروا في الليلة نفسها في روما، يُقَدِم عرضاً لهم فحواه الآتي: سأقدم لكم أسبوعاً كاملاً للتفكير في قرار انتحاركم، وسأريكم بعضاً من المستقبل على شكل فيلمٍ سينمائي، وسنتابع معاً بهيئتنا الشبحية تفاعل من يعرفونكم مع تبعات انتحاركم، وفي المقابل سأسلب بعضاً من حواسكم.
تعلق الشخصيات بين الحياة والموت، حضورها شبحي لا أكثر وكأنها مقيمة على حدودِ العالم، يجمعهم المُرشد في فندق سحري، ويخوضوا جولاتٍ تأملية ليشاهدوا العالم من دونهم. نتعرف إلى أريانا (مارغريتا باي) شرطية تعيش في حزن عميق بعد فقدان ابنتها، ونابليون (فاليريو ماستاندريا) مدرب تنمية بشرية يبيع الهراء للناس، وإميليا (سارة سيرايوكو) لاعبة جمباز انتهى بها الأمر على كرسي متحرك، ودانييلي (غابرييل كريستيني، 12 عاماً)، "يوتيوبر" مؤثر في مجاله يعاني من التنمر بسبب وزنه الزائد.
الوقت في الفيلم مُقَسم إلى سبعة فصولٍ صغيرة، تُشير إلى بداية كل يومٍ من الأسبوع، ما يسمح لنا بمتابعة القصة بانتظام، ويمنح المشاهد مساحة أكبر للراحة والتأمل، بعد تقديم الشخصيات وبناء ديناميكيات التواصل بينها، يبدأ المُرشِد بتقديم المُتع الصغيرة ليتذوقوا الحياة من جديد، يريهم في فيلمٍ سينمائي قصير شذراتٍ من مستقبلٍ مُحتمل وأشخاص مؤثرين في حياتهم.
على الرغم من وجود فرضية جيدة ووفاء السينماتوغرافية لأضواء روما الليلية وخصوصيتها، إلا أن العمل لم يكتمل بالمعنى السينمائي. من تابع مسيرة جينوفيزي يعلم أنه ليس من الممكن أفضل مما كان، حدود هذا المخرج واضحة له وللجمهور. دائماً كانت هناك إمكاناتٍ لم يلتفت إليها، في كل أفلامه ثمة ستارة ضبابية ثقيلة يضيع الخط السردي عبرها، بعض دوافع الشخصيات غير مُقنع، الغموض في القسم الأول لا يذوب ويتكشف في القسم الثاني، ما يضعنا ويضع عالمه السينمائي تحت تهديد انهيار السرد في أي لحظة.