بثت شبكة نتفليكس، أخيراً، الفيلم الكوميدي Good on Paper، من بطولة المؤدية الكوميديّة ليزا شلسينغ (Iliza Shlesinger). الترجمة الحرفية للعنوان تشوش المعنى، كوننا أمام تعبير يعني أن ما نقرأه أفضل مما هو موجود على أرض الواقع، أو ما نتخيله جيد فقط في عقولنا. ومن هذه الفرضية، نتتبع حكاية أندريا سينغر، مؤدية عروض الكوميديا والممثلة الحالمة التي تلتقي صدفة بدينيس كلي، الشاب المثالي، الذي يمتلك جواباً مقنعاً عن "كل" الأسئلة، ويتمكن من إثارة إعجاب أندريا ودفعها إلى قبول طلبه بالزواج. لكن هناك ما هو مريب في هذا الرجل، الذي نكتشف نهاية الفيلم حقيقته. والملفت أن أحداث الفيلم مبنية على قصة حقيقية مرت بها شلسينغر، وسبق أن قدمتها على الخشبة عام 2015 بعنوان "براين الكذاب".
نشاهد في الفيلم سعي أندريا إلى تحقيق النجاح في هوليوود، والتحول من مؤدية كوميدية إلى ممثلة، تخوض منافسة مع أخريات، يراهن على جمالهن ووسائل التواصل الاجتماعي لتحقيق النجاح، الشأن الذي يخلق اختلافاً حول المبادئ. بصورة أدق، ما هو "مقبول" و"مرفوض" في هوليوود؛ إذ يكشف لنا الفيلم أن الراغبة بالعمل في هوليوود، وبالرغم كل ما شهده العالم من تغيرات، ما زالت تحاكم بناء على شكلها، وليس موهبتها الفنيّة.
بهذا، تتعقد حياة أندريا، لتدور في فلك منافسة غير عادلة. هل تضحي بمبادئها لأجل "العمل"؟ أم تحافظ على عصاميتها وحظها العاثر لحماية موهبتها؟ لا إجابة عن هذه التساؤلات، لكنها محرك لصراعات ونوبات ذعر تصب أندريا بصورة دائمة، كونها تشعر دوماً بأنها مقصرة، أو لا تقوم بالخيارات الصحيحة من أجل مسيرتها المهنيّة.
المثير للاهتمام أن الفيلم يوظف صيغة مشابهة لما نراه في مسلسل "ساينفلد" الشهير؛ إذ نشاهد أندريا وهي تعمل مؤدية كوميديا، تلقي النكات على خشبة المسرح، ضمن لقطات منفصلة، ليترجم ما "تلقيه" على الجمهور لاحقاً ضمن حياتها اليوميّة وعلاقتها المريبة مع أندرو.
هذه الصيغة التي حولت "ساينفلد" إلى واحد من أشهر المسلسلات الكوميديّة، نراها بصيغة مختلفة، كون أندريا، أشد تورطاً في حياتها مما يظهر الأمر في "ساينفلد". وملاحظاتها لا تقوم على المفارقات السطحيّة، بل تناقش إشكاليات تواجهها كامرأة ومؤدية، فالفيلم ليس ترجمة للـ"نكات" التي تلقى على خشبة المسرح، بل حكاية تحوي صراعاً ومفارقات يومية، يتم التعليق عليها بشكل منفصل على خشبة المسرح لاحقاً.
يمكن النظر إلى الفيلم، أيضاً، بوصفه الصيغة الساتيرية والمضحكة من مسلسل You. لكن عوضاً عن كذّاب أفاق محترف، نحن أمام دينيس، الشاب الأحمق، الذي لا يبني أكاذيبه بدقة، بل يقدم نفسه بصورة مثالية من السهل تهشيمها عبر محاولة زيارته في منزله، أو البحث عن اسمه في وسائل التواصل الاجتماعي. نحن أمام نموذج من الذكورة التي ترى في المرأة أداة لتحسين صورة الذات، ونيل الإطراء على المنجزات الوهميّة، الشأن الذي لا يدفعنا للتعاطف معه أو الإعجاب بذكائه، بل الاستغراب من انطلاء خدعه على أندريا. وهذا ما تناقشه هي نفسها، وتستغرب كيف لم تستمع إلى حدسها بمجرد أن رأته.
هنا، يظهر الفيلم أشبه بـ باردوي، أو محاكاة ساخرة للمسلسل سابق الذكر، أساسها نموذج من الرجال السامين، السايكوباتيين ربما، المُستَغِلين بلطف ورقة النساء من حولهم، والمدعين كذباً بأن الواحد منهم هو "المنقذ" المنتظر لأي امرأة تقع عيناه عليها.
لم يلق الفيلم الكثير من الإعجاب، بل وُصِفَ بالجيد على مضض، ولم يفلت من المقارنة الدائمة مع مسلسل "ساينفلد" وأسلوبه الذي يشكل رعباً للكثير من مؤدي الكوميديا. سبب المقارنة هو أن النكات التي نراها على الخشبة ليست مضحكة بالشكل الكافي، وتهدد أحياناً تدفق الفيلم؛ إذ تكرر سؤال في عدد من الصحف التي كتب عن الفيلم مفاده: "ما جدوى "المشاهد" على الخشبة إن لم تكن مضحكة وحدها ولا تؤثر على تدفق الحبكة؟
ناهيك عن أنها لا تمثل مقاربة لما هو فوق السرد، حسب التعبير الشائع؛ فما الدور الذي تلعبه؟ لا نمتلك إجابة عن هذه الأسئلة، لكن يمكن القول إن الفيلم لا يحوي التوافقية الشديدة التي يتميز بها "ساينفلد"، والتي أدت إلى زج كل الشخصيات في السجن نهاية. ففي نهاية الفيلم، تتابع المؤدية الكوميدية حياتها، وتتجاوز ما حصل، بل وتشعر بالتفاؤل كونها تمتلك الآن حكاية تصلح لواحدة من وقفاتها الكوميدية.