"ريك ومورتي يجتمع مع الملفات أكس".. هكذا تصف شبكة نتفليكس المسلسل الكرتوني Inside Job، حين نحاول مشاهدة الفيديو الترويجيّ له. بالطبع، لا يمكن تفويت مسلسل يحمل وصف كهذا، خصوصاً حين نكتشف أن صناعه (شيون تاكوشي وأليكس هيرش) هم ذاتهما المسؤولان عن مسلسل Gravity Falls.
يتألف القسم الأول من عشر حلقات، نكتشف فيه خفايا عمل "الدولة العميقة"، المسؤولة عن كل نظريات المؤامرة، وإخفاء الحقائق عن العالم والشعب الأميركي. لكننا هنا أمام صيغة ساتيرية مبالغ بها. وكما في "ريك ومورتي"، هناك ثنائي متناقض ذو علاقة عائلية غريبة وهشة؛ إذ نتعرف إلى راند، العبقري السكير، والمدير السابق لشركة Cognito, Inc المسؤولة عن الدولة العميقة، الذي خسر عمله بسبب طيشه. إلى جانبه، هناك ابنته ريغان، المحرومة من حنان الأسرة، والتي تحاول أن تثبت جدارتها العلمية والإداريّة لتأخذ مكان والدها.
تدور أحداث المسلسل حول مجموعة من المغامرات والمصائب التي تحاول الدولة العميقة إخفاءها، في سخرية من كل التاريخ الأميركي، سواء كنا نتحدث عن جون كيندي، الذي نكتشف أنه كائن فضائي، أو المؤمنين بالأرض المسطحة بوصفهم مجموعة حمقى، أو تجارب الحكومة الفاشلة التي تركت قرية عالقةً عام 1980 في سخرية من المسلسلات التي تراهن على نوستالجيا تلك الفترة، مثل "أشياء غريبة".
يحوي المسلسل الكثير من الإحالات إلى الثقافة الشعبية، موظفاً الهزل والكوميديا المبالغ بها، جاعلاً من مفهوم الدولة العميقة مجرد شركة تحاول الربح عبر إخفاء الأسرار والتلاعب بعقول الناس وتهديدهم. هذه المقاربة، في حال تجاهلنا كل الكوميديا، تنطبق على الواقع نوعاً ما؛ إذ تحولت الدول إلى مؤسسات هدفها حماية طبقة من الأغنياء، وإبقاء العامة في جهل، غارقين في شؤونهم اليومية، أو "الأخبار" التي لا تختلف عن "حبكات" نظريات المؤامرة في الكثير من الأحيان، يتخللها بعض المواقف المثيرة أو الفضائح التي لا يمكن تجاوزها.
هذه السخرية من "الحقيقة" و"الخفاء" نتلمسها منذ الحلقة الأولى، ومحاولة ريغان استبدال رئيس الولايات المتحدة برجل آلي خاضع كلياً لسيطرة الشركة، من أجل إخفاء الأسرار. ينسحب الأمر على الكثير من العاملين في "الدولة الرسميّة"، وهنا يبدو المسلسل كأنه سخرية من "عهد ترامب"، وما انتشر حينها من نظريات ومؤامرات، فالمبالغة بالهزل هنا محاولة لتفكيك ما شهدته الولايات المتحدة، والتخفف من الجديّة التي كان بعضهم يتناول فيها موضوعات نظريات المؤامرة، ودور ترامب في كشف "الدولة العميقة".
ما زال المسلسل في موسمه الأول، ولا يمكن التسرع في الحكم عليه، خصوصاً أنه لا يشبه "ريك ومورتي" على صعيد طبقات الحبكة، والقدرة على الانتقال اللاعقلاني بين الأحداث، ناهيك أنه يوظف النكات السريعة، أو نكات الموقف بصورة أدق، لا كحالة "ريك ومورتي"، التي تتحول فيها النكتة إلى فرضية تستمر، ليس فقط طوال حلقة واحدة، بل تمتد أحياناً على طول موسم كامل، ناهيك عن أن المسلسل مفرط في حيوته ونشاطه؛ أي هناك الكثير من "المرح" الذي يهدد في بعض الأحيان المشاهدة، ويجعل المسلسل يبدو سطحياً.. تسلية عابرة تكرر ما نعرفه من "نكات" و"إهانات" لنظريات المؤامرة.
لكن، إن أردنا تبني موقف المؤمنين بنظريات المؤامرة، يمكن أن يندرج هذا المسلسل ضمن جهود "التطبيع" التي تقوم بها الدولة العميقة، عبر الترويج لوجود الكائنات الفضائية، والأرض المسطحة، وغيرها من النظريات، وذلك عن طريق إدراجها ضمن المسلسلات والثقافة الشعبيّة، وجعلنا نتقبل وجودها، ولو على سبيل المزاح، كي نكتشف لاحقاً أنها حقيقية.
هذه القراءة وظّفت في الحديث عن فيروس كورونا، إذ رصد المؤمنون بنظريات المؤامرة عدد الأفلام والمسلسلات التي تتناول وباءً يطيح البشرية، وكيف أنها تمهيد للوباء الحقيقي الذي سنظن أنه عشوائي، لكنه حقيقة، مدروس ومنظم ويستهدف البشر للتقليل من عددهم.