قبل أيام، أصدرت فرقة الروك الأميركية weezer ألبوماً جديداً، يحمل عنوان OK Human، وهو الألبوم الرابع عشر في مسيرة الفرقة، التي تنشط منذ 28 سنة، وتمكنت أن تفرض نفسها ولونها الخاص، الذي دائماً ما تستعير فيه من أرشيف الموسيقي العالمي نغمات وتوزيعات مهملة، لتعيد تلوينها وإحياءها بأسلوب فني يتفوق على السياق الذي نتجت فيه. واعتمدت بمعظم ألبوماتها على الألوان كعناوين ومحددات فنية، فبدأت مسيرتها عام 1992 بالألبوم الأزرق، وانتقلت للألبوم الأخضر، ومن الأحمر والأبيض والأسود.
العمل الجديد يبدو كتمرد على المسار الذي رسمته weezer لنفسها، فهي لم تكتف بموسيقى البوب – روك التي تميزها، ولم تكتف بما يستطيع أعضاء الفرقة أن يقدموه وحدهم، بل فتحت weezer أبوابها على الموسيقى الكلاسيكية أكثر، واستعانت بأوركسترا مكونة من 38 عازفاً وعازفة للمشاركة بتسجيل الألبوم؛ ليبدو الإصدار بذلك أيضاً مختلفاً عن كل الألبومات التي أنتجت بذات الفترة، والتي كان فيها ميل واضح نحو الاختصار والتقنين، الذي بدا نتيجة طبيعية لأثر جائحة كورونا على صناعة الموسيقى.
في افتتاحية الألبوم، تعلن weezer عن الطابع الذاتي في العمل؛ إذ إن الأغنية الأولى All My Favorite Songs، التي تم طرحها بوقتٍ سابق كأغنية منفردة، تبدو أشبه بجلدٍ للذات وتنطوي على كشف ذاتي لسلسلة من التناقضات التي يعيشها نجم الفرقة ومغنيها الرئيسي، ريفرز كومو، في حياته اليومية. يرد فيها: "كل أغانيّ المفضلة بطيئة وحزينة.. وكل شيء يبدو لي أنه جيد هو سيئ، لا أعرف إن كان هناك خطأ في. أحب الحفلات لكنني لا أذهب إليها، ثم أشعر بالسوء عندما أبقى في البيت. أقع في حب كل من يكرهني".
تبين هذه البداية ميل ريفرز كومو الواضح نحو إرجاع أسباب المشاكل التي يعاني منها إلى مشاكل في شخصيته وأزماته النفسية الخاصة، وبذلك تكون الأغنية الأولى أشبه بوثيقة لتبرئة العالم من اتهامات الكآبة التي كان قد وجهها له في ألبوماته السابقة، وإعادة قراءة الوقائع بمنظور مختلف تماماً.
يرتفع النسق في الأغنية الثانية Aloo Gobi، ليعلن كومو فيها عن تفضيله للعزلة. يقول: "لا أريد الجلوس بجانب البشر، أنا خائف من الأماكن المكشوفة". وفي هذه الأغنية، يبدأ كومو بصياغة صور شعرية للتعبير عن عجزه، وعدم قدرة جسده على تلبية أفكاره، وقد يكون أجمل هذه الصور: "حاولت أن أرفع حاجبي، لكنه كان ثقيلاً للغاية".
وفي أغنية Grapes Of Wrath، يغوص كومو أكثر في الحديث عن قدراته، ليبدأ بتحليل ما يمكن وما لا يمكن أن يفعله، ليبدأ الأغنية بعبارة: "أستطيع أن أسمع أنفاسي"، قبل أن يعلن أن حالة الكآبة والعزلة الذاتية هي أمر اختياري، وصل إليه كومو بإرادته، فيقول: "اسمحوا لي أن أبقى هنا إلى الأبد في هذه الحالة من الإنكار الكلاسيكي". يقصد هنا إنكار الواقع والغياب عنه. ويرد بالنهاية على كل الدعوات التي تفتح له أفق للتغيير بعبارة واحدة تتحول إلى لازمة الأغنية: "أنا لا أهتم".
وفي أغنية Numbers، يحاول كومو أن يبرهن على صحة قناعاته الذاتية الكئيبة بلغة الأرقام، ليطرح مجموعة من النظريات التشاؤمية، فيرد بالأغنية: "هناك دائمًا رقم سيجعلك تشعر بالضيق تجاه نفسك. يقولون إنك أقصر من أن تنضم إلى الفريق، ومعدل ذكائك منخفض للغاية بالنسبة للشعر".
هذه الحالة النفسية الكئيبة التي نجح كومو ببسطها على الألبوم، رغم تناقضها مع الموسيقى المرحة أحياناً، تبدأ في أغنية Playing My Piano بربطها بشكل الحياة في العام الأخير، ليعممها ويعطيها تبريرات جمعية بعد أن كانت أشبه بحالة ذاتية خاصة؛ ليبين أن قيامه بالعمل من خلال مقابلات الـ"زووم".
يتبين أن كل تلك الصور التي كان ينثرها عن العزلة والعجز الجسدي، كان الغرض منها التمهيد لموضوع أكثر شمولية، ليكون مدخلاً للحديث عن عزلة البشر اليوم وعجزهم.
هذه الحكاية الذاتية، التي يعمد كومو لتعميمها، يختار لها نهاية غريبة في أغنية La Brea Tar Pits، التي يعود فيها بالذاكرة إلى تاريخ البشر الأول، عندما كان الإنسان يعيش من دون أن يحسب أي حساب لمستقبل الأرض، فيقول بالأغنية: "كنت أتفوق على الأدغال، لم أكن أنتظر أن أجد شيئاً، ولم أكن الرجل الذي يحتاج لتوفير أي شيء". لكنه يختار هذه الأغنية لتكون مناسبة ليضرب بها الأضداد، فيصرخ بها: "افعلوا أي شيء من أجل مصلحة القبيلة".