الغوطة الشرقية... "جريمة القرن الواحد والعشرين"

محمد المزديوي

avata
محمد المزديوي
21 فبراير 2018
14DBBA64-0199-48F5-B765-6B4654777CF9
+ الخط -

تتعرض الغوطة الشرقية، التي تحاذي العاصمة السورية دمشق، لطوفان من النيران من قبل النظام وحلفائه. وهذا الموت القادم من السماء والذي يحوم بدون توقف، لا يميز بين الأهداف.
إنها الجريمة، تكتب صحيفة "لوسوار" البلجيكية.

وأي توصيف آخر يمكن أن يطلق على ما يحدث في الغوطة، هذه المنطقة الزراعية، ورئة دمشق الخضراء، والتي تحولت، في الأيام الأخيرة، إلى جحيم على الأرض. فمنذ يوم الأحد، 18 فبراير/شباط، قُتل نحو مائتين من المدنيّين، من بينهم ستّون طفلا، في طوفان من النيران القادمة من السماء. مدفعية النظام السوري وطيرانه، مدعومة من القوات الجوية الروسية، تقصف المنطقة دونما توقف، في انتظار هجوم بري ربما سيكون وشيكاً.

إنها "مجزرة القرن الواحد والعشرين"، هكذا يصرّح طبيب سوري في عين المكان، لصحيفة "ذا غارديان" البريطانية. ويضيف: "إذا كانت سبرينيتشا مجزرة التسعينيات من القرن الماضي، وصبرا وشاتيلا وحلبجة مجازر ثمانينيات القرن الماضي، فإنّ ما يحدث في الغوطة الشرقية هو مجزرة هذا القرن"، ويتساءل طبيب الغوطة: "ألا يوجد إرهاب أكبر من قتل المدنيين بكل أنواع الأسلحة؟ هل يتعلق الأمر بحرب؟ إنها ليست حربا. إنها مجزرة".

نحو مائة قتيل في يوم الإثنين الماضي وحده، دفعت طبيبا آخر من الغوطة، عرّف نفسه باسم أبو اليسر، إلى اعتبار ما يحدث: "أحد أسوأ الأيام في تاريخ الأزمة الحالية". وتضيف "لوسوار" البلجيكية أنّ المراكز الصحية النادرة وأيضا المستشفيات الميدانية البسيطة، التي لا تزال تشتغل، تعجّ بالجرحى الذين يُعالَجون على الأرض، بينما تتوالى العمليات الجراحية بوتيرة كبيرة.


وقد سبقت أن انتفضت الغوطة ضد النظام السوري سنة 2011، مثل العديد من المناطق الريفية والبلدات الصغيرة، ردّاً على الجواب الدامي للنظام على التظاهرات التي كانت تطالب بالكرامة والحرية. ومنذ سنة 2012، والغوطة، القريبة من دمشق، تتعرّض لحصار قاس مصحوب بغارات، تتفاوت حدتها، من وقت لآخر.

وتقول الصحيفة البلجيكية إنّ الحصار يزداد مع مرور الوقت، كما أن صُوَر الأطفال بهياكل عظمية، وهم يحتضرون من شدة الجوع، أغرقت شبكات التواصل الاجتماعي سنة 2017.
وهنا تورد تصريحاً للسفير الفرنسي في مجلس الأمن، فرانسوا ديلاتر، يقول فيه إن الغوطة الشرقية تشهد "حصارًا جديراً بالقرون الوسطى"، إذ لا مواد غذائية ولا أدوية. لا شيء. ولا أمل في وصول الإغاثة الدولية، رغم كل النداءات.

ويصف نصر الحريري، رئيس وفد المعارضة السورية في مفاوضات جنيف، الوضع بأنه "حمام دمّ، وجرائم حرب". كاشفا عن اتصالات مع السكان الذين يتساءلون عن سبب تقاعس الجميع عن مساعدتهم "لقد تعرضوا، خلال السنوات الأخيرة، للأسلحة الكيميائية والبراميل المتفجرة التي تلقيها طائرات الهيلكوبتر، والغارات الجوية وقذائف المدفعية، والحصار اللاإنساني، والجوع"، أضيف الآن لما سبق: "هذه الغارات الجوية القاتلة التي لا تتوقف".

وسخر المعارض السوري من آمال موسكو في رؤية هذه المنطقة تتحول إلى "منطقة لتفكيك التصعيد"، بينما الآن "نشهد أسوأ أنواع التصعيد".

ويطالب الحريري والوفد السوري، في لقائه مع فيدريكا موغيريني، بتدخل الاتحاد الأوروبي، "الذي لا تنقصه وسائل الضغط"، ويأمل أن يساهم هذا التدخل الأوروبي المرجو، في "التشكيك في شرعية النظام السوري، وتطبيق عقوبات جديدة، وربط المساعدة على إعادة البناء بتطبيق قرارات الأمم المتحدة".

وتعترف الصحيفة البلجيكية بأن القيادي السوري في المعارضة، حتى وإن لم يصرّح بالأمر، فهو لا يعلّق آمالا كبيرة على الاتحاد الأوروبي.

ولم تستبعد المسؤولة الأوروبية، موغيريني، في 16 فبراير/شباط، مساعدة أوروبية في إعادة البناء في سورية، في "حال تحسّن الأوضاع على الأرض"، لكنها اعترفت بأن الأمور تسير نحو الأسوأ. وأن الاتحاد الأوروبي "ليس لديه أي تأثير ولا أي اتصال مع النظام السوري". وهو ما دفعها إلى التوجه نحو موسكو وطهران: "إن ما نفعله، الآن، هو التباحث مع من له التأثير على دمشق، حتى ينخرط النظام السوري بشكل جديّ في مباحثات جنيف".

وعلى الرغم من أن مسار جنيف التفاوضي انطلق سنة 2012، إلا أنه لا يلبث ويتعثر، لأن النظام السوري، كما يقول نصر الكواكبي: "ليست لديه أية رغبة في حل سلمي. وهو يريد أن
يحسم الأمور على الأرض".

وأخيرا، تتساءل الصحيفة عن سبب مواصلة المعارضة حضورها في "مسرح دبلوماسي تدعمه الأمم المتحدة ويحتقره النظام؟"، ثم "ألا يكون من الأنسب، في هذا الظرف الذي وصلت إليه الأشياء والمجازر، أن تنسحب المعارضة، في كرامة؟". وهنا يجيب الكواكبي: "نحن ملتزمون بهذا المسار الدبلوماسي من أجل إخراج سورية من هذه الأزمة، ووضع حدّ لمعاناة السوريين، ولكننا، وهذا صحيح، لم نعد نستبعدُ أي خيار".​

ذات صلة

الصورة
من مجلس العزاء بالشهيد يحيى السنوار في إدلب (العربي الجديد)

سياسة

أقيم في بلدة أطمة بريف إدلب الشمالي وفي مدينة إدلب، شمال غربي سورية، مجلسا عزاء لرئيس حركة حماس يحيى السنوار الذي استشهد الأربعاء الماضي.
الصورة
غارات روسية على ريف إدلب شمال غرب سورية (منصة إكس)

سياسة

 قُتل مدني وأصيب 8 آخرون مساء اليوم الثلاثاء جراء قصف مدفعي من مناطق سيطرة قوات النظام السوري استهدف مدينة الأتارب الواقعة تحت سيطرة فصائل المعارضة
الصورة
قبور الموتى للبيع في سورية / 6 فبراير 2024 (Getty)

اقتصاد

تزداد أعباء معيشة السوريين بواقع ارتفاع الأسعار الذي زاد عن 30% خلال الشهر الأخير، حتى أن بعض السوريين لجأوا لبيع قبور ذويهم المتوارثة ليدفنوا فيها.
الصورة
قوات روسية في درعا البلد، 2021 (سام حريري/فرانس برس)

سياسة

لا حلّ للأزمة السورية بعد تسع سنوات من عمر التدخل الروسي في سورية الذي بدأ في 2015، وقد تكون نقطة الضعف الأكبر لموسكو في هذا البلد.