اليوم تتحضّر الفضائية التي تبثّ من لندن، لدورة برامج جديدة، وتغييرات عدة على صعيد الشكل والمضمون. ولعلّ التغيير الرئيسي الذي بدأ المشاهد بملاحظته هو زيادة الجرعة الإخبارية التي ستصل إلى خمس ساعات ونصف إضافية.
يشرح مدير التلفزيون عباس ناصر، في حديث مع "العربي الجديد"، هذا الجانب من التغيير في هوية القناة من إخبارية ـ ترفيهية إلى إخبارية بشكل شبه كامل، ويقول إن "المحتوى الإخباري على الهواء زادت مدّته لجهة عدد الساعات (نشرات إخبارية على رأس كل ساعة)، لكن الأهم هو نوعية هذا المحتوى، نحن نعتقد أنّنا مقبلون على مفهوم ثوري بالتعامل مع نشرات الأخبار. فمن الآن وحتى دورة برامج شهر رمضان ستكون النشرات عبارة عما يريده المواطن العربي. بمعنى آخر نشرات الأخبار التقليدية التي تعتمد على أخبار السياسيين ومصافحاتهم وعلاقاتهم بعضهم ببعض قد لا تكون هي محط اهتمام الناس، الذين تشغلهم هموم أخرى مختلفة تماماً، منها حديثهم عن الهجرة وعن الجامعات وعن التعليم والمشاغل الحياتية. طبعاً لن نلغي التعاطي التقليدي المرتبط بنقل الأحداث السياسية".
زيادة ساعات المحتوى الإخباري أدّت تلقائياً إلى إلغاء بعض البرامج واستبدالها بأخرى، وهو ما يؤكده ناصر شارحاً أن "برامج جديدة حلّت مكان أخرى قديمة. لكن من حيث توقيت بث البرامج لم يتغيّر أي شيء سوى بالنسبة لـ(شبابيك) الذي كانت مدّته ساعتين وأصبحت ساعة واحدة يومياً. فإضافة الجرعة الإخبارية لم تأت على حساب أي برنامج. بل هناك تنويع في البرمجة الجديدة لتقديم الخارطة العامة التي نعتقد أنّها تهمّ المشاهد".
Twitter Post
|
Twitter Post
|
وبالتزامن مع البرامج الجديدة، بدأت بالظهور على الشاشة وجوه جديدة بينها المذيعة سهام البابا ومقدّم البرامج عارف حجّاوي ومذيعون آخرون مثل صبا مدوّر وبدر ستين.
Twitter Post
|
من البرمجة إلى "جردة حساب" للقناة، بعد خمس سنوات على انطلاقها: هل حقّقت أهدافها؟ هل نجحت بالوصول إلى كل الشرائح العربية؟ وهل فريق العمل جاهز لمواجهة التحديات السياسية والتقنية التي تعصف بالمنطقة وبصناعة المحتوى البصري في وقت واحد؟
يرى ناصر أن التلفزيون نجح في وقت وجيز بحجز مكان له في الشارع العربي وبأن يثبت وجوده وأن يقول إنّه بحجم التحدي وإنّ "العربي" قناة قادرة على أن تنافس وأن تفرض نفسها. ويضيف مدير التلفزيون العربي: "أعتقد أن نجاحنا مزدوج. نحن نتحدث عن نجاح مهني فضلاً عن تقديم الهوية التي سعينا إليها. الهوية التي انحازت منذ البداية إلى الشارع وإلى المواطن العربي وإلى الإنسان بحقوقه، بحقه في التعبير وحقه في المشاركة السياسية وحقه في الحياة والانتصار إلى المرأة والاقتراب من الإنسان. همّنا من الأساس أن نكون قريبين من الإنسان".
لكن هذا النجاح لم يكن سهلاً، في ظل منافسة إعلامية شرسة. يستفيض مدير القناة بشرح طبيعة التحديات التي يمكن تلخيصها باتجاهين كما يقول: "الأول مرتبط بالإعلام المحلي والإعلام الفضائي. بطبيعة الحال، تغيّر المشهد العربي ولم يعد هناك ديكتاتوريات في أغلب الدول العربية الأمر الذي أدّى إلى طفرة في الإعلام المحلي. المقصود أنّ المشاهد الذي تتوفر لديه عشرات الخيارات من القنوات المحلّية قد لا يتوجّه إلى الإعلام الفضائي، سوى لمشاهدة أحداث غير مرتبطة ببلده، بينما في الماضي، مع وجود الإعلام الرسمي وحده، كان المشاهد يلوذ إلى الإعلام الفضائي كخيار آخر.
أمّا التحدي الثاني بحسب تعبير ناصر، فهو الإعلام الجديد، أي منصّات وسائل التواصل الاجتماعي التي تتحدّى الإعلام بشقيه المحلي والفضائي. ويعرب مدير "العربي" عن اعتقاده بأن التلفزيون "استطاع التعامل مع هذه التحديات، وذلك بسبب وجود خطّة تتضمّن بعض البرامج التي خصّصت للبلدان المحلية، خاصة برامج التهكّم السياسي، مثل (ملاقط) في لبنان و(تفريضي) في الأردن و(زول كافيه) في السودان". ويضيف شارحاً طريقة عمل التلفزيون في ظل هذا الواقع المتشعّب ويقول: "للتعامل مع كل هذه التحديات، وضعنا خططاً ننتقل فيها إلى مكان الحدث في معظم البلدان، حيث نقوم بتغطيته بكثافة كبيرة، كي يشعر المشاهد بأنّنا موجودون في فترات محددة. وهذا ما فعلناه في تغطية انتفاضة لبنان وثورة السودان والحراك في الجزائر، وهو ما قمنا به في أكثر من بلد عربي".
نسأل ناصر السؤال التقليدي المستمرّ منذ عقد تقريباً: هل وصلنا إلى زمن موت التلفزيون وموت وسائل الإعلام التقليدية؟ فيجيب: "ثمّة من يرى هذا الخطر الدائم وثمّة من يعتقد، وأنا منهم، أنّ هذه المرحلة مجرّد طفرة آنية ولاحقاً سوف تعود الأمور لتستقر. فالمشاهد الناضج الرصين يمكنه أن يميّز بين الشعبوية والإعلام الجديد بما فيه من مشاكل كثيرة لأن جزءاً منه صحيح وجزءاً كبيراً جداً غير صحيح. سيبقى المشاهد بحاجة إلى من يثق به. بهذا المعنى التلفزيون يعاني لكنّه لن يموت ووسائل الإعلام التقليدية لن تموت".
أمام التحديات، وفي ظل وضع خطط جديدة، تبدو إدارة "التلفزيون العربي" مدركة لأهمية استهداف الجمهور بمختلف شرائحه: "نحاول أن تكون رقعة انتشارنا من الصين شرقاً إلى أميركا والبرازيل غرباً، ومن روسيا إلى الصومال وربما في مرحلة لاحقة إلى جنوب السودان"، يقول عباس ناصر. ويضيف أن "المسألة ليست في الشكل بل في الحضور. نحن ندعي أنّنا حاضرون في أي حدث، ففي نيوزيلندا كنّا من السبّاقين الذين توجّهوا إلى مكان الحدث، كذلك عندما أسقطت الطائرة الأوكرانية... وذهبنا كذلك إلى الحدود المكسيكية الأميركية نغطي محاولات الناس للانتقال إلى أميركا... لذلك نعم لدينا خطة للانتشار والتوسع بشكل أكبر على مستوى المكاتب. إذ إن مكاتبنا الرئيسية موجودة في لندن مركز البث الأساسي وفي بيروت، والدوحة، وإسطنبول، وتونس، وفلسطين وتقريبا في كل العالم العربي، باستثاء العواصم الممنوعين فيها من التواجد... كذلك لدينا مكاتب في إيران وتركيا والبرازيل وروسيا وأميركا وأوروبا".
تولي إدارة "التلفزيون العربي" أهمية للمضمون والمحتوى وهو ما يظهر في دورة برامجها الجديدة التي يبدأ عرضها تدريجياً في الأسابيع المقبلة وصولاً إلى اكتمالها مع انتصاف العام. لكن مع هذا الاهتمام بالجودة، البرامج والنشرات بدأت كذلك بتغييرات وتطوير على مستوى الشكل، فوضعت شاشة كبيرة في استوديو الأخبار (باركو) تعرض عليها الفيديوهات والتصاميم الغرافيكية، والعناوين... إلى جانب استخدام تقنيات جديدة. يقول عباس ناصر إن "أي توسّع في الإنتاج يحتاج إلى رافعة تكنولوجية وأنظمة تحملها وتساعد في التعبير عن المنتج الذي نريده بصورة جميلة ترضي المشاهد. الأمور الشكلية مهمّة في التلفزيون ونحن لا نقلل من أهميتها ونحاول دائماً مواكبة التطور الشكلي الذي ينتهي بالمضمون. كلاهما يكمّل الآخر، لكن تبقى التكنولوجيا وحدها بلا روح إذا لم يكن المضمون هو الأساس، ونحن نحاول أن نخاطب عقل المشاهد العربي لذلك يجب أن يكون الشكل والمحتوى على مستوى عقله. وفي النهاية يبقى المضمون هو الأهم لأنّه هو الرسالة والفكرة التي يبحث عنها المشاهد".