في مساء 1 إبريل/ نيسان من عام 1945، قبيل نهاية الحرب العالمية الثانية، قاد جنديّان أميركيّان سيارة جيب عبر وسط مدينة كولن في ألمانيا. آنذاك، كان الحلفاء بالفعل قد حرّروا الضفة اليسرى من نهر الراين قادمين من النورماندي. لكن مدفعيَّة الـ "فيرماخت" النازيّة كانت لاتزال تدكّ جيوش الحلفاء من الضفة المقابلة من النهر. وصلت السيارة إلى شارع معروف في مدينة كولن اسمه "برايت شتراسي"، وتوقّفت أمام دار نشر كانت قد لَحِقَت بها أضرارٌ طفيفة، زحف الجنديّان المُحاصران إلى داخل مبنى دار النشر خوفًا من الشظايا. كان الرجلان عضوين في قوّة خاصة في قسم "الحرب النفسيَّة"، الرائد هانز هابي، وهو صحافيُّ نمساويّ من أصول مهاجرة، ومساعده. كان جنديّان يتبعان من نفس الوحدة، ينتظرانهما في مبنى دار النشر. وكانت المهمة السريَّة هي: تأسيس صحيفة على الفور.
وعلى الفور، بدأ الفريق الصغير بالعمل على نصوص العدد المُرتَقب. استمعوا إلى نشرات الأخبار العالميَّة مثل "بي بي سي"، ورصدوا أيضًا الأخبار المحليَّة عن المصانع والدمار وسير المعارك في شمال كولونيا. جمعوا كلّ شيء معًا، وكان معهم أيضًا نصّ طازج عن معسكر الإبادة في أوشفيتز. أما كاتب الافتتاحيَّة، فكان القائد الأميركي، والمسؤول الفعلي عن قوات التحالف، والذي كان يقرّر على الأرض، دوايت أيزنهاور. أوّل جملة كتبها أيزنهاور كانت: "سُيعاقب النازيون". وفي صباح يوم 2 إبريل/ نيسان من عام 1945، تمت طباعة 20 ألف نسخة من الصحيفة الجديدة. كان العدد الأوّل مؤلّفاً من أربع صفحات فقط! ووزِّع مجانًا، وسمّيت الصحيفة بـ Kölnische Kurier.
وقبيل ذلك، كانت قوّات الحلفاء قد أطلقت في مدينة آخن صحيفة أخرى اسمها Aachener Nachrichten، وتحديدًا في نهاية شهر يناير/كانون الثاني من عام 1945. ثمّ ظهرت صحيفة Kurier، قبل خمسة أسابيع تقريبًا من استسلام "الرايخ" الألماني بشكل كامل دون قيد أو شرط. كان هانز يتبعُ قوات الحلفاء المقاتلة من مدينة إلى مدينة أخرى، ويقوم بتأسيس صحيفة في كلّ مدينة يحررها الحلفاء. يمكن القول بأنّ هذا الرائد النمساوي، هو من أسس للصحافة في ألمانيا الغربية بعد الحرب العالمية الثانية.
ويقول الكاتب الألماني، مارتن بفافن زيلر، في مقال نشره بجريدة "دير شبيغل"، بأنّ الإدارة الأميركيَّة منذ شهر شباط/فبراير من عام 1944، أي قبل إجراء إنزال النورماندي، كانت تخطط لمستقبل الصحافة في ألمانيا. ومن المعلوم أنّ زعيم الدعاية النازية، جوزيف غوبلز، أخضع جميع وسائل الإعلام التي كانت موجودة في ألمانيا إلى سلطة النازيين، وألغى حرية الصحافة، وحظر مئات الصحافيين من العمل. وكان المخطط الأميركيّ مدروسا ودقيقًا، وجزءًا من مشروع مارشال الكبير، الذي لم يكن يقتَصر على إعادة الإعمار فقط. بداية، قامت القوات الأميركيّة بحظر جميع الصحف التي كانت تتبع للنازية، وهيمنوا على المطابع، كي يعطوها إلى حلفائهم الألمان الجدد. كانت التراخيص الصحافية تُمنَح فقط للأشخاص الذين كانوا معارضين للنازية، أو لم يسبق لهم المشاركة في الدعاية لها. بهذه الاستراتيجية أراد الأميركيون "تحويل الألمان إلى ديمقراطيين"، كما يقول زيلر، وذلك بعد اثني عشر عامًا من الدعاية النازية المستمرة. كانت الصحافة جزءاً من الخطة الأميركية لأجل "إعادة تأهيل الإنسان الألماني"، إلى جانب السينما والراديو ورياض الأطفال والتعليم، وكل شيء تقريبًا.
وقررت القوات الأميركيَّة أن تقوم هي بالعمل الصحافي بنفسها، حتّى تحرر كامل البلاد، وتتعرّف على الناشرين وتدقق في خلفيّاتهم. لذلك، كلفوا الرائد هانز هابي في شباط/ فبراير من عام 1944 بالقيام بهذه المهمة. ولد هانز في عام 1911، وكان يدير صحيفة في فيينا منذ أوائل الثلاثينيات، حيث ظهرت نجوميته. عندما احتلّ هتلر النمسا في عام 1938، هرب هابي إلى فرنسا وتطوّع في الجيش، قبضت عليه القوات الألمانية في عام 1940، ولكنه فرّ إلى أميركا. وكتب رواية مشهورة بعنوان "سقوط ألف".
بعد ذلك بعام، وقعت الحرب، واختار الأميركيون هانز إلى جانب نجوم آخرين مثل كلاوس مان وستيفان هيم لتأسيس قسم الحرب النفسيَّة. وبسبب تدريبهم في معسكر "ريتشي" بالقرب من واشنطن، فإنّ المجموعة السرية كانت تدعى Ritchie Boys. وبعد الإنزال الناجح في النورماندي في صيف عام 1944، كانت "ريتشي بويز" تعمل على صياغة المنشورات التي كانت قوّات الحلفاء تلقيها للجنود الألمان من أجل الاستسلام. وعند تقدم الحلفاء، ألقى هابي محاضرة مشهورة حول ضرورة الهيمنة على الصحف في ألمانيا. وقف جنرال أميركي، وطالب هانز بنشر "مبادئ توجيهية" و"رسائل تحذيرية، ولا شيء آخر"، وأشار الجنرال بأنّ الأولوية الآن هي لـ "إصلاح أنابيب المياه المدمرة وليس للصحافة"، فأجاب هانز: "الصحافة ضرورية مثل الماء". بعدها، بدأ هانز بتأسيس الكثير من الصحف منها مثلاً، Frankfurter Presse وHessische Post وBraunschweiger Boten وAllgemeine Zeitung و Süddeutsche Zeitung وTagesspiegel، وغيرها الكثير. وهي صحف مشهورة في ألمانيا حتّى الآن.
اقــرأ أيضاً
وقبيل ذلك، كانت قوّات الحلفاء قد أطلقت في مدينة آخن صحيفة أخرى اسمها Aachener Nachrichten، وتحديدًا في نهاية شهر يناير/كانون الثاني من عام 1945. ثمّ ظهرت صحيفة Kurier، قبل خمسة أسابيع تقريبًا من استسلام "الرايخ" الألماني بشكل كامل دون قيد أو شرط. كان هانز يتبعُ قوات الحلفاء المقاتلة من مدينة إلى مدينة أخرى، ويقوم بتأسيس صحيفة في كلّ مدينة يحررها الحلفاء. يمكن القول بأنّ هذا الرائد النمساوي، هو من أسس للصحافة في ألمانيا الغربية بعد الحرب العالمية الثانية.
ويقول الكاتب الألماني، مارتن بفافن زيلر، في مقال نشره بجريدة "دير شبيغل"، بأنّ الإدارة الأميركيَّة منذ شهر شباط/فبراير من عام 1944، أي قبل إجراء إنزال النورماندي، كانت تخطط لمستقبل الصحافة في ألمانيا. ومن المعلوم أنّ زعيم الدعاية النازية، جوزيف غوبلز، أخضع جميع وسائل الإعلام التي كانت موجودة في ألمانيا إلى سلطة النازيين، وألغى حرية الصحافة، وحظر مئات الصحافيين من العمل. وكان المخطط الأميركيّ مدروسا ودقيقًا، وجزءًا من مشروع مارشال الكبير، الذي لم يكن يقتَصر على إعادة الإعمار فقط. بداية، قامت القوات الأميركيّة بحظر جميع الصحف التي كانت تتبع للنازية، وهيمنوا على المطابع، كي يعطوها إلى حلفائهم الألمان الجدد. كانت التراخيص الصحافية تُمنَح فقط للأشخاص الذين كانوا معارضين للنازية، أو لم يسبق لهم المشاركة في الدعاية لها. بهذه الاستراتيجية أراد الأميركيون "تحويل الألمان إلى ديمقراطيين"، كما يقول زيلر، وذلك بعد اثني عشر عامًا من الدعاية النازية المستمرة. كانت الصحافة جزءاً من الخطة الأميركية لأجل "إعادة تأهيل الإنسان الألماني"، إلى جانب السينما والراديو ورياض الأطفال والتعليم، وكل شيء تقريبًا.
وقررت القوات الأميركيَّة أن تقوم هي بالعمل الصحافي بنفسها، حتّى تحرر كامل البلاد، وتتعرّف على الناشرين وتدقق في خلفيّاتهم. لذلك، كلفوا الرائد هانز هابي في شباط/ فبراير من عام 1944 بالقيام بهذه المهمة. ولد هانز في عام 1911، وكان يدير صحيفة في فيينا منذ أوائل الثلاثينيات، حيث ظهرت نجوميته. عندما احتلّ هتلر النمسا في عام 1938، هرب هابي إلى فرنسا وتطوّع في الجيش، قبضت عليه القوات الألمانية في عام 1940، ولكنه فرّ إلى أميركا. وكتب رواية مشهورة بعنوان "سقوط ألف".
بعد ذلك بعام، وقعت الحرب، واختار الأميركيون هانز إلى جانب نجوم آخرين مثل كلاوس مان وستيفان هيم لتأسيس قسم الحرب النفسيَّة. وبسبب تدريبهم في معسكر "ريتشي" بالقرب من واشنطن، فإنّ المجموعة السرية كانت تدعى Ritchie Boys. وبعد الإنزال الناجح في النورماندي في صيف عام 1944، كانت "ريتشي بويز" تعمل على صياغة المنشورات التي كانت قوّات الحلفاء تلقيها للجنود الألمان من أجل الاستسلام. وعند تقدم الحلفاء، ألقى هابي محاضرة مشهورة حول ضرورة الهيمنة على الصحف في ألمانيا. وقف جنرال أميركي، وطالب هانز بنشر "مبادئ توجيهية" و"رسائل تحذيرية، ولا شيء آخر"، وأشار الجنرال بأنّ الأولوية الآن هي لـ "إصلاح أنابيب المياه المدمرة وليس للصحافة"، فأجاب هانز: "الصحافة ضرورية مثل الماء". بعدها، بدأ هانز بتأسيس الكثير من الصحف منها مثلاً، Frankfurter Presse وHessische Post وBraunschweiger Boten وAllgemeine Zeitung و Süddeutsche Zeitung وTagesspiegel، وغيرها الكثير. وهي صحف مشهورة في ألمانيا حتّى الآن.
لم يتدخل الجنود الأميركيون في محتوى الصحف أبدًا بشكل مباشر، ولكنها كانت قادرة على إيقاف مخصصات الورق، وهو شيء مشابه لحظر النشر. أراد الأميركيون إعطاء تراخيص لناشرين ينحدرون من وجهات نظر سياسية مختلفة وذلك لضمان التنوع. بعد انتهاء مهّمته، أخذ هانز هابي يكتب عمودًا صحافيًا في صحيفة Neue Zeitung التي أسسها بنفسه، حتّى توفي عام 1977.