لم تعُد مهنة الصحافة الاحترافية حكراً على من يقوم بدراستها وفهم مبادئها، فلِصحافة المواطنين اليوم القِسط الأكبر من الوجود الإعلامي، سواء في وسائل التواصل الاجتماعي، أو عبر محطات الإذاعة والأخبار المعروفة. حيثُ لم يعُد وجود المُراسل مطلوباً من كلِّ وسيلة إعلامية. إذ إنّ المُراسلين المدنيين مُتواجدون دوماً في قلب الحدث كما يمكنهم إيصال الأخبار وقت حدوثها تماماً، ونَقلِها مباشرة بوسائل بسيطة لا تتعدّى في بعض الأحيان أن تكون هاتفاً محمولاً.
ولمّا باتَ الوصول لِبعض المناطق المُحاصرة في العالم شبه مستحيل، وينطوي على أخطار كبيرة، أصبح استبدال المُراسل الخاص بالمراسل المدني من قلب المكان يُمثِل خَياراً مُناسِباً، حيثُ لا تُعرّض المحطات الإخبارية مُراسليها المحليين للخطر بعد اليوم، كما بات الأمر مُتوفراً بسهولة، فيُمكن للأخبار أن تصِل من قلب الحدث دون أية تكلفةٍ ماديةٍ للمحطة. وبناءً على ذلك لَم يعُد أحدٌ مُهتماً بإرسال الصحافيين المُحترفين وتَكبد نَفقات سفرهم، والتأمين على حياتهم، والخوض في صراعاتٍ ترقى لمستوى دولي في بعض الأحيان نتيجةً لتواجد الصحافيين من بلدان معينة في مواقع الحدث.
أثر الاستبدال
يتحدث المراسل الحربي السلوفيني، تيودور ماريانوفيتش، عن خبرته الطويلة في تغطية الحروب المختلفة، حيث كان مُراسلاً حربياً في البوسنة عندما كان يبلغ الحادية والعشرين من عمره فقط، وذلك مباشرة بعد أن أنهى دراسته الصحافية في الجامعة. يقول تيودور "لقد كنتُ شاباً يافِعاً مُندفعاً، كنتُ خائفاً لكنّ المُغامرة بحد ذاتها كانت أقوى من أيةِ مشاعر أُخرى". أثناء مَسيرته الطويلة وسفره من بلدٍ إلى آخر، تَوغل في أرض المعركة، وتَواصَل مع المحاربين ورافَقهم في معاركهم الطويلة. كانت آخر رحلاتهِ إلى ليبيا، حيث رافَق المعارضة الليبية المسلحة، وتمكَّن المُصور المحترف المُرافق له من التقاط صور من قلب المعركة. إلا أن تلك كانت آخر مَهامِه الصحافية كمراسل حربي، فسَرعان ما تمَّ استبداله بالصحافيين المواطنين من قلب مناطق النزاع، فقام بزيارة مصر أثناء الثورة على حسابه الشخصي، ومن ثم توقف عن السفر وذلك لعدم قدرته المادية على ذلك.
يقول تيودور "أصبحَت التقارير القادمة من مناطق النزاع تصِل إلينا بلغة مختلفة، وأصبحت مهمتنا أن نقوم بترجمتها وكتابتها على شكل تقارير تنُص على أعداد الموتى والمُصابين، وتروي الحدث على شكل تقرير رسمي، لم يعُد هناك متسع للتجربة الشخصية وللمشاعر الإنسانية، كل شيء أصبح له شكل الخبر العادي".
ويرى أنّ الناس لم تعد تهتم بما يصِلها من أخبار طالما إنها تأتي من بعيد، فلم يعُد هناك مراسلون ينطقون بنفس اللغة، وينتمون لنفس الخلفية الثقافية، ويحملون أسماء مُشابهة لمن يسمعهم، وبالتالي لم يعُد الخبر مثيراً للاهتمام كما كان من قَبل.
ما الذي يجعل الخبر مُهماً؟
من مبادئ الصحافة الأساسية، أن يكون للخبر أثرٌ مباشر على المُشاهدين، أو أثرٌ مباشر على أشخاص يعرفونهم. وفي فقدان الارتباط المباشر مع الحدث، يمر الخبر رغم بشاعته مرور الكِرام، وذلك لعدم قدرة المشاهد على ربطه بتجربته الشخصية بشكل مباشر.
ولكن ذلك لا ينفي وجود قِلة قليلةٍ من الأشخاص الذين يهتمون بالحدث رغم بُعده عنهم، ويتأثرون بالخبر الذي لا يَمسهم نظراً لِقيمته الإنسانية. هؤلاء فقط هُم من يُكرسون حياتهم عادة للنشاط الإغاثي، وهم من يقومون بدعم القضايا الإنسانية والوقوفِ مع ضحايا الحروب من شتى أنحاء العالم، وذلك لأنهم مُتقدمون إنسانياً وفكرياً على أقرانهم. وهم ليسوا كُثراً في العالم، فالحالة الطبيعية هي أن يهتم المرءُ بما يَمسه مباشرة.
هل يستبدل الصحافي المواطن، المراسل الحربي؟
أثبتَت الثورة السورية الحاجة المُلحة لِتواجد الصحافيين المواطنين من قلب مناطق الحصار، وذلك في معظم الأحوال لاستحالة دخول المُراسلين الحربين بشكل قانوني، واستهدافهم مباشرةً.
وللوضع السوري خصوصيتُه منذ البداية، حيث كان الإعلام العالمي يَسعى للتعتيم على ما يجري، وكانت الهواتف المحمولةُ من قِبَل المواطنين تنقل الحدث بشكل مباشر.
وعملَ السوريون على تطوير مهاراتهم الصحافية، فبدؤوا بتوثيق التاريخ والمكان، كما اهتموا بالحفاظ على هويات المشاركين في المظاهرات وذلك عن طريق إخفاء وجوههم، نتيجةً لِوَعيهم بالمِخاطر التي تُهدِدهم عند كشف هوياتهم من قِبَل النظام، ولم يكُن لأي صحافي أجنبي الدراية بخصوصية الحالة السورية، عن قرب. ومنه فإن الاستغناء عن صحافة المواطنين السوريين لم تكن مُمكنة، بل على العكس كان وجودها ضرورياً.
يَتحدث أحد الصحافيين المواطنين من قَلبِ الغوطة قائلاً "تَلقيتُ عرضاً للعمل مع أحد المحطات الإخبارية الهامة عالمياً، ولم أتلق مِنهم أيَّ نوعٍ من أنواع التدريب الصحافي، لكنني حصلت على أدوات التصوير والتسجيل الاحترافي والتي قمت بالتدريب الشخصي على استعمالها".
ويُطور الصحافيون المواطنون مهنَتهم باستمرار، فهي تَشمل التوثيق، كما تُراقِب تطورات الحياة اليومية عن كَثَب، وتهتم بالتفاصيل الصغيرة التي لا يعرفها إلا قاطنوا هذه المناطق تحديداً، فتساهم صورهم في التوثيق وتُشكِل في كثيرٍ من الأحيان أدلّةً دامغةً في وجه العدالة الدولية.
اقــرأ أيضاً
ولمّا باتَ الوصول لِبعض المناطق المُحاصرة في العالم شبه مستحيل، وينطوي على أخطار كبيرة، أصبح استبدال المُراسل الخاص بالمراسل المدني من قلب المكان يُمثِل خَياراً مُناسِباً، حيثُ لا تُعرّض المحطات الإخبارية مُراسليها المحليين للخطر بعد اليوم، كما بات الأمر مُتوفراً بسهولة، فيُمكن للأخبار أن تصِل من قلب الحدث دون أية تكلفةٍ ماديةٍ للمحطة. وبناءً على ذلك لَم يعُد أحدٌ مُهتماً بإرسال الصحافيين المُحترفين وتَكبد نَفقات سفرهم، والتأمين على حياتهم، والخوض في صراعاتٍ ترقى لمستوى دولي في بعض الأحيان نتيجةً لتواجد الصحافيين من بلدان معينة في مواقع الحدث.
أثر الاستبدال
يتحدث المراسل الحربي السلوفيني، تيودور ماريانوفيتش، عن خبرته الطويلة في تغطية الحروب المختلفة، حيث كان مُراسلاً حربياً في البوسنة عندما كان يبلغ الحادية والعشرين من عمره فقط، وذلك مباشرة بعد أن أنهى دراسته الصحافية في الجامعة. يقول تيودور "لقد كنتُ شاباً يافِعاً مُندفعاً، كنتُ خائفاً لكنّ المُغامرة بحد ذاتها كانت أقوى من أيةِ مشاعر أُخرى". أثناء مَسيرته الطويلة وسفره من بلدٍ إلى آخر، تَوغل في أرض المعركة، وتَواصَل مع المحاربين ورافَقهم في معاركهم الطويلة. كانت آخر رحلاتهِ إلى ليبيا، حيث رافَق المعارضة الليبية المسلحة، وتمكَّن المُصور المحترف المُرافق له من التقاط صور من قلب المعركة. إلا أن تلك كانت آخر مَهامِه الصحافية كمراسل حربي، فسَرعان ما تمَّ استبداله بالصحافيين المواطنين من قلب مناطق النزاع، فقام بزيارة مصر أثناء الثورة على حسابه الشخصي، ومن ثم توقف عن السفر وذلك لعدم قدرته المادية على ذلك.
يقول تيودور "أصبحَت التقارير القادمة من مناطق النزاع تصِل إلينا بلغة مختلفة، وأصبحت مهمتنا أن نقوم بترجمتها وكتابتها على شكل تقارير تنُص على أعداد الموتى والمُصابين، وتروي الحدث على شكل تقرير رسمي، لم يعُد هناك متسع للتجربة الشخصية وللمشاعر الإنسانية، كل شيء أصبح له شكل الخبر العادي".
ويرى أنّ الناس لم تعد تهتم بما يصِلها من أخبار طالما إنها تأتي من بعيد، فلم يعُد هناك مراسلون ينطقون بنفس اللغة، وينتمون لنفس الخلفية الثقافية، ويحملون أسماء مُشابهة لمن يسمعهم، وبالتالي لم يعُد الخبر مثيراً للاهتمام كما كان من قَبل.
ما الذي يجعل الخبر مُهماً؟
من مبادئ الصحافة الأساسية، أن يكون للخبر أثرٌ مباشر على المُشاهدين، أو أثرٌ مباشر على أشخاص يعرفونهم. وفي فقدان الارتباط المباشر مع الحدث، يمر الخبر رغم بشاعته مرور الكِرام، وذلك لعدم قدرة المشاهد على ربطه بتجربته الشخصية بشكل مباشر.
ولكن ذلك لا ينفي وجود قِلة قليلةٍ من الأشخاص الذين يهتمون بالحدث رغم بُعده عنهم، ويتأثرون بالخبر الذي لا يَمسهم نظراً لِقيمته الإنسانية. هؤلاء فقط هُم من يُكرسون حياتهم عادة للنشاط الإغاثي، وهم من يقومون بدعم القضايا الإنسانية والوقوفِ مع ضحايا الحروب من شتى أنحاء العالم، وذلك لأنهم مُتقدمون إنسانياً وفكرياً على أقرانهم. وهم ليسوا كُثراً في العالم، فالحالة الطبيعية هي أن يهتم المرءُ بما يَمسه مباشرة.
هل يستبدل الصحافي المواطن، المراسل الحربي؟
أثبتَت الثورة السورية الحاجة المُلحة لِتواجد الصحافيين المواطنين من قلب مناطق الحصار، وذلك في معظم الأحوال لاستحالة دخول المُراسلين الحربين بشكل قانوني، واستهدافهم مباشرةً.
وللوضع السوري خصوصيتُه منذ البداية، حيث كان الإعلام العالمي يَسعى للتعتيم على ما يجري، وكانت الهواتف المحمولةُ من قِبَل المواطنين تنقل الحدث بشكل مباشر.
وعملَ السوريون على تطوير مهاراتهم الصحافية، فبدؤوا بتوثيق التاريخ والمكان، كما اهتموا بالحفاظ على هويات المشاركين في المظاهرات وذلك عن طريق إخفاء وجوههم، نتيجةً لِوَعيهم بالمِخاطر التي تُهدِدهم عند كشف هوياتهم من قِبَل النظام، ولم يكُن لأي صحافي أجنبي الدراية بخصوصية الحالة السورية، عن قرب. ومنه فإن الاستغناء عن صحافة المواطنين السوريين لم تكن مُمكنة، بل على العكس كان وجودها ضرورياً.
يَتحدث أحد الصحافيين المواطنين من قَلبِ الغوطة قائلاً "تَلقيتُ عرضاً للعمل مع أحد المحطات الإخبارية الهامة عالمياً، ولم أتلق مِنهم أيَّ نوعٍ من أنواع التدريب الصحافي، لكنني حصلت على أدوات التصوير والتسجيل الاحترافي والتي قمت بالتدريب الشخصي على استعمالها".
ويُطور الصحافيون المواطنون مهنَتهم باستمرار، فهي تَشمل التوثيق، كما تُراقِب تطورات الحياة اليومية عن كَثَب، وتهتم بالتفاصيل الصغيرة التي لا يعرفها إلا قاطنوا هذه المناطق تحديداً، فتساهم صورهم في التوثيق وتُشكِل في كثيرٍ من الأحيان أدلّةً دامغةً في وجه العدالة الدولية.