يعود انعدام الثقة في الصحافة البريطانية، بشكل كبير، إلى فشلها في تغطية الأمور على حقيقتها، وتمويهها للحقائق في الكثير من الحروب السابقة في التاريخ، بهدف كسب الرأي العام، وأهمّها الأكاذيب الهائلة التي نشرتها وسائل الإعلام البريطانية والأميركية، على حد سواء، لتحريك الشعب البريطاني والحصول على دعمه للتدخل العسكري في حرب العراق.
ونشرت الصحافة البريطانية، خلال الفترة الأخيرة، متابعات ونتائج تقرير تشيلكوت، وسلّطت الضوء على وجوب محاكمة رئيس الوزراء البريطاني السابق، توني بلير، لاتخاذه قراراً خاطئاً وتشويهه للحقائق. بيد أنّها أغفلت أو تجنّبت الحديث عن مدى خنوع ومماشاة الكثير من وسائل الإعلام البريطانية، لمطالب الحكومة آنذاك، باستثناء بعض الصحف التي لم تجد حرجاً في كشف وجه الإعلام والصورة الكاذبة التي قد ينقلها أحياناً إلى القارئ تنفيذاً لرغبات المسؤولين السياسيين.
صحيفة "ذا إندبندنت" كانت من بين الصحف المستقلّة التي رفضت الحرب على العراق، بقيادة سيمون كيلنر آنذاك. ونشرت الصحيفة، في مقال لها منذ بضعة أيّام، عن القضية، مشيرةً إلى
التعتيم على الحقائق أو عدم التحقيق الجدي والصحيح بشأنها، بل اعتماد العديد من الصحف على المصادر الحكومية فقط. وجاء عنوانها "وسائل الإعلام خذلتنا خلال حرب العراق والآن يواجه العواقب"، ليتّهم وسائل الإعلام بالتقصير وتخييب آمال الشعب البريطاني الذي آمن بها وصدّقها. واسترسل المقال في ذكر أهمّ الصحف البريطانية وأكثرها قراءة التي انطلقت آلاتها الإعلامية في العمل، عقب ساعات من ادعاءات بلير الكاذبة في البرلمان عن حيازة الرئيس العراقي السابق، صدام حسين، أسلحة دمار. وكان منها "لندن إيفنينغ ستاندرد" التي عنونت، في 24 سبتمبر/أيلول من عام 2002: "45 دقيقة للهجوم". ولم يكد يبزغ نور الصباح في اليوم التالي، حتى قالت صحيفة "ذا صن" لقرّائها إنّهم كانوا هدف صدام بعنوان: "البريطانيون 45 دقيقة من العذاب".
وقف رئيس تحرير صحيفة "ديلي ميرور" آنذاك، بيرز مورغان، موقف صديقه سيمون كيلنر، وعارض الحرب على العراق. لكن مكتب رئيس الوزراء تمكّن من التحكّم في صانعي القرارات، في زمن كان لا يزال فيه عالم الإنترنت في مراحله الأولى. فلجأ مسؤولو الحكومة البريطانية، في ذلك الوقت، إلى تجميل العملية برمتها والحرب والفوضى الدموية، وتصويرها كقضية إنسانية لتحرير الشعب العراقي من الظلم. لذلك وقعت الصحافة تحت ضغوط غير عادية، ما أدّى إلى الترويج للحرب على العراق، حتى شاركت فيها العديد من الصحف الليبرالية.
ولم يكن مؤيّداً للحرب كما في الولايات المتحدة الأميركية، وكانت الحاجة ملحّة لتأمين دعم الرأي العام، وخير مثال على ذلك، وثيقة وردت في تقرير تشيلكوت يقول فيها توني بلير للرئيس الأميركي السابق جورج بوش في عام 2002، إنّه سيدعم تغيير النظام في العرق إن بُذلت الجهود لتشكيل الرأي العام.
وانطلقت الصحافة البريطانية آنذاك لتساعد في الترويج للحرب على العراق. وتثبت دراسة أجراها الكاتب بيتر أوزبورن في كتابه "انتصار الطبقة السياسية" وجود تحيّز كبير لمؤيدي الحرب على العراق بين منظّمات ووسائل الإعلام البريطانية. وتؤكّد الدراسة أنّ الكثير من المعلومات التي قدّمت للقارئ كانت مفبركة وخاطئة. كما تذكر أنّ الصحافة دعمت بقوّة موقف الحكومة، ويذكر منها "ذا تلغراف" و"ذا تايمز" و"ذا ديلي ميل" و"ذا صن"، في وقت لم يذكر فيه أوزبورن، مجلّة "ذا إيكونوميست" التي أيّدت أيضاً اجتياح العراق.
ويبيّن أوزبورن في كتابه، كيف شوّهت أهم الصحف البريطانية الحقائق، حتى تمادت "ذا تايمز" لتدّعي أنّ العراق يسعى بنشاط لتطوير أسلحة نووية. بدورها، أسهبت "ذا غارديان" في نشر مزاعم عن عصابات أفريقية كانت تخطّط لبيع اليورانيوم للعراق. وكذلك ساهمت الكثير من الصحف البريطانية في بيع حرب العراق عن طريق تمويه الحقائق، خصوصاً حين كتبت صحيفة "ذا أوبسيرفير" قصّة مطوّلة مبنية على أقوال وأدلّة لمنشقين عراقيين تابعين للمؤتمر الوطني العراقي الذي أسّسه أحمد الجلبي، ومنهم مقاول بناء سابق، الذي أفاد بأنّ صدام حسين كان يعيد بناء مواقع للأسلحة، كما وفّر هؤلاء الكثير من المعلومات والمواد التي أعلنت عنها الصحف في ذلك الوقت.
اللافت أنّ الصحافة البريطانية لعبت دوراً أكبر في تغطية الحرب على العراق من الصحافة الأميركية، حتى إنّ بعض الصحف مثل "ذا غارديان" و"ديلي ميرور" و"الإندبندنت"، التي عارضت الحرب في البداية، ما لبثت أن شاركت في الصحافة الدعائية بمجرّد غزو العراق.
وما إن حقّقت الحكومة مبتغاها باجتياح العراق في مارس/آذار 2003، حتى وسّعت وسائل الإعلام اليمينية دائرتها. واستمرّت صحيفة "ذا صن" في دعمها للحرب، حتى بعد مغادرة القوات البريطانية البصرة في عام 2007، وكتبت: "تمّ إنجاز المهمّة". وتدل تلك الخطوات التي اتبعتها الكثير من وسائل الإعلام البريطانية قبل وبعد وأثناء الحرب على العراق، على أنّها كانت مجرّد بوق للنخبة الحاكمة، وتدفع إلى التشكيك في صحتها في بعض الأحيان.
من جهته، نشر موقع "الجزيرة" الإنكليزي، تقريراً تحت خانة الرأي بعنوان "تشيلكوت أعتق وسائل الإعلام من مسؤولية الترويج لحرب العراق"، حيث أشار فيه إلى أنّه ينبغي على وسائل الإعلام أن تواجه أخطاءها في حال حدوث كوارث عسكرية في المستقبل كان من الممكن تفاديها. ونوّه المقال إلى أنّ تقرير تشيلكوت الهائل، ينتقد حكومة توني بلير ويغفل عاملاً رئيسياً هامّاً، كونه لم يلق اللوم على الإعلام البريطاني أو الأميركي، جرّاء الدور الحاسم الذي لعبه الطرفان في حشد الدعم الشعبي للحرب.
اقــرأ أيضاً
صحيفة "ذا إندبندنت" كانت من بين الصحف المستقلّة التي رفضت الحرب على العراق، بقيادة سيمون كيلنر آنذاك. ونشرت الصحيفة، في مقال لها منذ بضعة أيّام، عن القضية، مشيرةً إلى
وقف رئيس تحرير صحيفة "ديلي ميرور" آنذاك، بيرز مورغان، موقف صديقه سيمون كيلنر، وعارض الحرب على العراق. لكن مكتب رئيس الوزراء تمكّن من التحكّم في صانعي القرارات، في زمن كان لا يزال فيه عالم الإنترنت في مراحله الأولى. فلجأ مسؤولو الحكومة البريطانية، في ذلك الوقت، إلى تجميل العملية برمتها والحرب والفوضى الدموية، وتصويرها كقضية إنسانية لتحرير الشعب العراقي من الظلم. لذلك وقعت الصحافة تحت ضغوط غير عادية، ما أدّى إلى الترويج للحرب على العراق، حتى شاركت فيها العديد من الصحف الليبرالية.
ولم يكن مؤيّداً للحرب كما في الولايات المتحدة الأميركية، وكانت الحاجة ملحّة لتأمين دعم الرأي العام، وخير مثال على ذلك، وثيقة وردت في تقرير تشيلكوت يقول فيها توني بلير للرئيس الأميركي السابق جورج بوش في عام 2002، إنّه سيدعم تغيير النظام في العرق إن بُذلت الجهود لتشكيل الرأي العام.
وانطلقت الصحافة البريطانية آنذاك لتساعد في الترويج للحرب على العراق. وتثبت دراسة أجراها الكاتب بيتر أوزبورن في كتابه "انتصار الطبقة السياسية" وجود تحيّز كبير لمؤيدي الحرب على العراق بين منظّمات ووسائل الإعلام البريطانية. وتؤكّد الدراسة أنّ الكثير من المعلومات التي قدّمت للقارئ كانت مفبركة وخاطئة. كما تذكر أنّ الصحافة دعمت بقوّة موقف الحكومة، ويذكر منها "ذا تلغراف" و"ذا تايمز" و"ذا ديلي ميل" و"ذا صن"، في وقت لم يذكر فيه أوزبورن، مجلّة "ذا إيكونوميست" التي أيّدت أيضاً اجتياح العراق.
ويبيّن أوزبورن في كتابه، كيف شوّهت أهم الصحف البريطانية الحقائق، حتى تمادت "ذا تايمز" لتدّعي أنّ العراق يسعى بنشاط لتطوير أسلحة نووية. بدورها، أسهبت "ذا غارديان" في نشر مزاعم عن عصابات أفريقية كانت تخطّط لبيع اليورانيوم للعراق. وكذلك ساهمت الكثير من الصحف البريطانية في بيع حرب العراق عن طريق تمويه الحقائق، خصوصاً حين كتبت صحيفة "ذا أوبسيرفير" قصّة مطوّلة مبنية على أقوال وأدلّة لمنشقين عراقيين تابعين للمؤتمر الوطني العراقي الذي أسّسه أحمد الجلبي، ومنهم مقاول بناء سابق، الذي أفاد بأنّ صدام حسين كان يعيد بناء مواقع للأسلحة، كما وفّر هؤلاء الكثير من المعلومات والمواد التي أعلنت عنها الصحف في ذلك الوقت.
اللافت أنّ الصحافة البريطانية لعبت دوراً أكبر في تغطية الحرب على العراق من الصحافة الأميركية، حتى إنّ بعض الصحف مثل "ذا غارديان" و"ديلي ميرور" و"الإندبندنت"، التي عارضت الحرب في البداية، ما لبثت أن شاركت في الصحافة الدعائية بمجرّد غزو العراق.
وما إن حقّقت الحكومة مبتغاها باجتياح العراق في مارس/آذار 2003، حتى وسّعت وسائل الإعلام اليمينية دائرتها. واستمرّت صحيفة "ذا صن" في دعمها للحرب، حتى بعد مغادرة القوات البريطانية البصرة في عام 2007، وكتبت: "تمّ إنجاز المهمّة". وتدل تلك الخطوات التي اتبعتها الكثير من وسائل الإعلام البريطانية قبل وبعد وأثناء الحرب على العراق، على أنّها كانت مجرّد بوق للنخبة الحاكمة، وتدفع إلى التشكيك في صحتها في بعض الأحيان.
من جهته، نشر موقع "الجزيرة" الإنكليزي، تقريراً تحت خانة الرأي بعنوان "تشيلكوت أعتق وسائل الإعلام من مسؤولية الترويج لحرب العراق"، حيث أشار فيه إلى أنّه ينبغي على وسائل الإعلام أن تواجه أخطاءها في حال حدوث كوارث عسكرية في المستقبل كان من الممكن تفاديها. ونوّه المقال إلى أنّ تقرير تشيلكوت الهائل، ينتقد حكومة توني بلير ويغفل عاملاً رئيسياً هامّاً، كونه لم يلق اللوم على الإعلام البريطاني أو الأميركي، جرّاء الدور الحاسم الذي لعبه الطرفان في حشد الدعم الشعبي للحرب.