سجّل اليمن الذي يشهد أسوأ أزمة إنسانية في العالم، يوم الجمعة، أول إصابة بفيروس كورونا المستجد في محافظة حضرموت جنوبي البلاد، الخاضعة لسيطرة الحكومة المعترف بها دولياً، وفق ما أعلنت "اللجنة الوطنية العليا لمواجهة وباء كورونا". لكن الأنباء المتضاربة حول وجود إصابات في العاصمة صنعاء، كانت متداولة عبر مواقع التواصل الاجتماعي منذ نحو شهر.
كيف اقتنع اليمنيون بوجود إصابات بمرض "كوفيد ــ 19" قبل الإعلان الرسمي عنه؟ تشير دراسات صحافية، أجريت عام 2017 في بلجيكا، إلى أن المجتمعات الأقل وعياً أكثر قابلية لتصديق الأخبار الزائفة وأكثر تأثراً بها. وفي بلدٍ كاليمن، تطمر الأمية تحت ركامها معظم سكانه، وخلّفت الحرب انهياراً شبه كلّي في بنيته التحتية للقطاع الصحي، فإن خبراً عن انتشار وباء كـ"كوفيد ــ 19" الذي حطّم الأنظمة الصحية لدول العالم العظمى أكثر قابلية للتصديق والتداول السريع، خاصة إذا ما عادت بنا الذاكرة إلى سنوات الحرب الخمس الماضية حين اجتاحت الكوليرا المناطق كافة، وأصيب بها ما يزيد عن ثلاثة ملايين يمني، كما أن اليمن كان خلال الفترة نفسها بيئة خصبة لكثير من الأمراض كفيروس "إتش وَن إن وَن" وحمى الضنك والدفتيريا والملاريا وداء الكلب والجدري...
قبل نحو عشرة أيام، نشر أحد الناشطين اليمنيين المقيمين في الخارج، عن مصادره الخاصة كما أسماها، وجود حالات إصابة في صنعاء لأسرة عائدة من العمرة في السعودية، وهو خبر تسبب في إقالة مسؤول صحافي في جماعة "أنصار الله" (الحوثيين). ورغم انتشار خبر الإقالة، فاليمنيون مالوا لتداول الشائعة، حتى بعد حذف صاحبها المنشور من صفحته، وتناقلتها مئات الصفحات ومجموعات التراسل، وأصبحت حديث الألسن في المجالس.
في مضمون الشائعة، ادعى الشاب تطويق الحوثيين الحي الذي تسكن فيه الأسرة ومنع الاقتراب من المنزل وإغلاق المسجد القريب منهم ونقلهم إلى مستشفى عند أطراف المدينة، وتطبيق الحجر عليهم وعلى الأطباء الذين اختلطوا بهم وحتى الأهالي الذين قابلوهم بعد عودتهم من المملكة العربية السعودية. قبلها بأسابيع تداول الصحافيون والمواقع الإخبارية معلومات غير صحيحة عن إغلاق "المستشفى الجمهوري"، وهو أحد أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء، بعد اكتشاف إصابتين بالفيروس. في التداول ارتفع العدد إلى ست حالات وثمان و12 حالة.
يؤكد أستاذ التشريعات الإعلامية في كلية الإعلام في "جامعة صنعاء"، الصحافي جمال سيلان، أن "نشر تلك الشائعات غير قانوني في تشريعات الإعلام، ولا يحق للصحافي نشر أو إذاعة أي معلومات ما لم يتأكد بنفسه من صحتها، وإلا يصبح تحت المساءلة القانونية"، لكنّه يشير، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن الكثير من الصحافيين والناشطين ينشرون عبر صفحاتهم في مواقع التواصل الاجتماعي شائعات، "سعياً وراء الشهرة وتحقيق السبق في النشر، حتى وإن كانت غير صحيحة"، وهؤلاء بعيدون عن المساءلة القانونية، لأن اليمن لا يمتلك قوانين تنظّم النشر عبر تلك المنصات.
اقــرأ أيضاً
عند تصفح المواقع الصحافية اليمنية لمتابعة آخر التطوّرات على الساحتين المحلية والدولية، يلاحظ القارئ التهويل والتضخيم في مجريات الأحداث وانتشار أسلوب النسخ واللصق، وفي بعض الأحيان يمكن رصد اختلاف الأرقام الإحصائية. والكثير من المواقع الإلكترونية باتت أخيراً تعتمد على الشائعات والعناوين الصفراء والمزيّفة لكسب القراءات. على سبيل المثال، نُشر خبر في موقع محلّي شهير، في الثاني من إبريل/ نيسان الحالي، بعنوان مطوّل جاء فيه: "فرار أطباء آزال ومستشفيات حكومية بصنعاء ترفض حالة قادمة من محافظة إب". العنوان المذكور لم يُكتفَ بنشره في الموقع، بل نشر على صفحة رئيس التحرير في منصة التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، ليحصد الموقع الإلكتروني مشاهدات إضافية.
عن ذلك يقول الصحافي سيلان إن "للشائعات والأخبار الكاذبة أثراً على مصداقية الصحافي والوسيلة التي يعمل فيها لدى الجمهور؛ فحينما يتكرر نشر الأخبار الكاذبة والشائعات، يفقد الجمهور ثقته في الناشر والوسيلة، ويتجه للبحث عن الأخبار لدى صحافيين أو وسائل أخرى يعتقد أنها أكثر مصداقية".
بشكل عام، فإن أولى ضحايا التغطية الإخبارية أثناء الأزمات والكوارث هي المصداقية، وأكثر الأخبار انتشاراً في مثل هكذا ظروف هي الشائعات، كما يقول جمال سيلان الذي ينصح الجمهور بالاعتماد على المصادر الرسمية أو المصادر التابعة لمنظمات صحية دولية مستقلة كمواقع "منظمة الصحة العالمية" أو أطباء مشهورين، ليتجنبوا انتشار الأخبار الكاذبة التي "تسيل في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي تحديداً كالسيل في خريف الأمطار"، مطالباً الجهات الرسمية بـ"إحالة الصحافيين المتسببين عن قصد بانتشار أخبار كاذبة للمحاكمة".
ويفتقر بعض الصحافيين في اليمن إلى المهنية في عملهم، خاصة في مرحلة الحرب، إذ باتت غالبية المؤسسات الخاصة والرسمية تعمل من طرف واحد وتعتبر عملها جزءاً من الحرب والمقاومة، علاوة على افتقارها إلى التطوير والتأهيل المستمر وغياب مواثيق الشرف، والعمل عشوائياً بعيداً عن الصحافة.
كيف اقتنع اليمنيون بوجود إصابات بمرض "كوفيد ــ 19" قبل الإعلان الرسمي عنه؟ تشير دراسات صحافية، أجريت عام 2017 في بلجيكا، إلى أن المجتمعات الأقل وعياً أكثر قابلية لتصديق الأخبار الزائفة وأكثر تأثراً بها. وفي بلدٍ كاليمن، تطمر الأمية تحت ركامها معظم سكانه، وخلّفت الحرب انهياراً شبه كلّي في بنيته التحتية للقطاع الصحي، فإن خبراً عن انتشار وباء كـ"كوفيد ــ 19" الذي حطّم الأنظمة الصحية لدول العالم العظمى أكثر قابلية للتصديق والتداول السريع، خاصة إذا ما عادت بنا الذاكرة إلى سنوات الحرب الخمس الماضية حين اجتاحت الكوليرا المناطق كافة، وأصيب بها ما يزيد عن ثلاثة ملايين يمني، كما أن اليمن كان خلال الفترة نفسها بيئة خصبة لكثير من الأمراض كفيروس "إتش وَن إن وَن" وحمى الضنك والدفتيريا والملاريا وداء الكلب والجدري...
Twitter Post
|
في مضمون الشائعة، ادعى الشاب تطويق الحوثيين الحي الذي تسكن فيه الأسرة ومنع الاقتراب من المنزل وإغلاق المسجد القريب منهم ونقلهم إلى مستشفى عند أطراف المدينة، وتطبيق الحجر عليهم وعلى الأطباء الذين اختلطوا بهم وحتى الأهالي الذين قابلوهم بعد عودتهم من المملكة العربية السعودية. قبلها بأسابيع تداول الصحافيون والمواقع الإخبارية معلومات غير صحيحة عن إغلاق "المستشفى الجمهوري"، وهو أحد أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء، بعد اكتشاف إصابتين بالفيروس. في التداول ارتفع العدد إلى ست حالات وثمان و12 حالة.
Twitter Post
|
ويرى مدير التحرير في الشبكة اليمنية للصحافة الاستقصائية "يمان"، الصحافي محمّد جهلان، أن أهم وأبرز أسباب هذه الظاهرة تتلخص بالوضع العام الذي تشهده البلاد والانقسام والتجاذبات والحرب المستمرة للعام السادس، منوهاً إلى أن "هناك للأسف أبعاداً سياسية تقف خلف النشر أحياناً". كما يشير جهلان، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن "الوضع العام للمؤسسات الصحافية التي لا تضع ضوابط للنشر وتمنح الصحافي حق النشر من دون التحقق، يزيد الأمر سوءاً"، لافتاً إلى أن "المهنية الصحافية أصبحت ضئيلة، لعدم وجود منصات ومؤسسات مستقلة". ويضيف سيلان أن "الدخلاء على مهنة الصحافة من خارج الوسط المهني هم الأكثر وقوعاً في فخ نشر الشائعات والأخبار الزائفة، لقلة خبرتهم أو للتسرّع أحياناً، وفي أحيان كثيرة لجهلهم بقوانين النشر والعقوبات القانونية على بث الإشاعات وتداولها".
عند تصفح المواقع الصحافية اليمنية لمتابعة آخر التطوّرات على الساحتين المحلية والدولية، يلاحظ القارئ التهويل والتضخيم في مجريات الأحداث وانتشار أسلوب النسخ واللصق، وفي بعض الأحيان يمكن رصد اختلاف الأرقام الإحصائية. والكثير من المواقع الإلكترونية باتت أخيراً تعتمد على الشائعات والعناوين الصفراء والمزيّفة لكسب القراءات. على سبيل المثال، نُشر خبر في موقع محلّي شهير، في الثاني من إبريل/ نيسان الحالي، بعنوان مطوّل جاء فيه: "فرار أطباء آزال ومستشفيات حكومية بصنعاء ترفض حالة قادمة من محافظة إب". العنوان المذكور لم يُكتفَ بنشره في الموقع، بل نشر على صفحة رئيس التحرير في منصة التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، ليحصد الموقع الإلكتروني مشاهدات إضافية.
عن ذلك يقول الصحافي سيلان إن "للشائعات والأخبار الكاذبة أثراً على مصداقية الصحافي والوسيلة التي يعمل فيها لدى الجمهور؛ فحينما يتكرر نشر الأخبار الكاذبة والشائعات، يفقد الجمهور ثقته في الناشر والوسيلة، ويتجه للبحث عن الأخبار لدى صحافيين أو وسائل أخرى يعتقد أنها أكثر مصداقية".
وتجد الأخبار الزائفة طريقها إلى الجمهور حينما يعجز الصحافيون المهنيون عن الحصول على المعلومات الحقيقية من الجهات الرسمية، إذ يرى الصحافي جهلان أن "الجهات الرسمية على قطيعة مع الصحافيين، ولا ترى أن لهم حق امتلاك المعلومة، لذا يتجلى بشكل واضح قصور تلك المؤسسات في تزويد المواطنين بالمعلومات أولاً بأول"، ويردف قائلاً: "غياب دور النقابات المختصة كنقابة الصحافيين وغيرها، جعل من اللامهنية وترويج الشائعات أمراً سهلاً".
أدت الشائعات في اليمن إلى إقبال الناس على شراء مواد التعقيم وأدوات الوقاية الشخصية والمنزلية بأسعار أقدم التجار على رفعها مع ملاحظة ازدياد الطلب، وهي إلى جانب ذلك تسهم في نشر الرعب والفزع والخوف في أوساط الناس. ويرى سيلان أن "أثرها خطير جداً، خصوصاً في حال وقوع الأزمات والكوارث كالتي يعيشها اليمن اليوم في ظل اكتساح كورونا العالم؛ فالجمهور يكون في أمس الحاجة للمعلومات، لذا يكثف اعتماده على وسائل الإعلام، وحينما يجد أخباراً مقلقة فإنه سرعان ما يتناقلها وتنتشر بشكل سريع، وتثير الرعب والقلق لدى العامّة من الأشخاص". بشكل عام، فإن أولى ضحايا التغطية الإخبارية أثناء الأزمات والكوارث هي المصداقية، وأكثر الأخبار انتشاراً في مثل هكذا ظروف هي الشائعات، كما يقول جمال سيلان الذي ينصح الجمهور بالاعتماد على المصادر الرسمية أو المصادر التابعة لمنظمات صحية دولية مستقلة كمواقع "منظمة الصحة العالمية" أو أطباء مشهورين، ليتجنبوا انتشار الأخبار الكاذبة التي "تسيل في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي تحديداً كالسيل في خريف الأمطار"، مطالباً الجهات الرسمية بـ"إحالة الصحافيين المتسببين عن قصد بانتشار أخبار كاذبة للمحاكمة".
ويفتقر بعض الصحافيين في اليمن إلى المهنية في عملهم، خاصة في مرحلة الحرب، إذ باتت غالبية المؤسسات الخاصة والرسمية تعمل من طرف واحد وتعتبر عملها جزءاً من الحرب والمقاومة، علاوة على افتقارها إلى التطوير والتأهيل المستمر وغياب مواثيق الشرف، والعمل عشوائياً بعيداً عن الصحافة.