خلال السنوات الأخيرة، شهدت بنية الإعلام التركي تغييرات واسعة، فازدادت وسائل الإعلام الموالية لحزب "العدالة والتنمية" الحاكم. ولعل أكبر حركات التغيير شكّلتها عملية بيع "مجموعة دوغان الإعلامية" إلى رجل أعمال مقرب من الرئيس رجب طيب أردوغان.
وكانت "مجموعة دوغان الإعلامية" الأكبر في تركيا، من أبرز الجهات التي عارضت حكم حزب "العدالة والتنمية" قبل عملية البيع، ورأسها رجل الأعمال أيدن دوغان.
لكن اسمها تغير أخيراً إلى "مجموعة دمير أوران"، وتحولت "وكالة دوغان الإخبارية" إلى "وكالة دمير أوران الإخبارية". وعلى الرغم من بقاء شعار الوكالة كما هو DHA، إلا أن اسم المالك تبدّل من دوغان إلى دمير أوران.
وتملك المجموعة أبرز وسائل الإعلام في تركيا، وأشهرها صحف "حرييت" و"بوستا" و"فاناتيك" واسعة الانتشار، وقناتي "دي" المنوعة و"سي إن إن تورك" الإخبارية، فضلاً عن الوكالة الإخبارية، ومجموعة من الإذاعات والمجلات والشركات الإنتاجية.
وكانت عملية بيع المجموعة قد شكلت حدثاً بارزاً في تركيا، حوّلت فيها بوصلة الإعلام بشكل جذري، قبل أشهر فقط.
ومع إغلاق مختلف وسائل الإعلام التابعة لـ"جماعة الخدمة" (مؤسسها فتح الله غولن)، منها وكالة "جيهان" وصحيفة "زمان" وقنوات تلفزيونية، وكذلك إغلاق وسائل إعلام كردية تبث لصالح "حزب العمال الكردستاني"، وشراء رجل الأعمال الراحل أردوغان دمير أوران "مجموعة دوغان"، بات مشهد الإعلام التركي مختلفاً.
ورغم وفاة أردوغان دمير أوران، قبل نحو شهرين فقط، فإن ابنه يلدريم دمير أوران يعتبر مقرباً من الرئيس التركي أيضاً، ويشغل منصب رئيس الاتحاد التركي لكرة القدم، منذ سنوات عدة.
وبعد شراء "مجموعة دمير أوران" جرت فيها عدة ترتيبات أسفرت عن تبديلات شملت إدارة المجموعة الإعلامية، وتعيينات جديدة، وطرد مجموعة من الموظفين، فيما اختار آخرون ترك وظائفهم بعد عملية البيع هذه، بينما واصلت أسماء بارزة في عالم الصحافة الكتابة وتقديم البرامج، وأهمهم الكاتب ومقدم البرامج الشهير أحمد هاكان وعبدالقادر سلفي.
وكان لقناة "سي إن إن تورك" التابعة للمجموعة دور كبير في نقل رسالة الرئيس رجب طيب أردوغان المصورة ليلة الانقلاب الفاشل، في 15 يوليو/تموز من عام 2016، حيث أطل منها مخاطباً الجماهير ومطالباً إياهم بالتدفق إلى الشوارع ومطمئناً عن نفسه.
والملاحظ بعد عملية البيع أن المجموعة واصلت عملها كالسابق، متخذة موقفاً وسطاً، مع الحفاظ على الخط العلماني للمجموعة ومنشوراتها، وغياب النقد المباشر واللاذع للحكومة، وعدم ورود أخبار تحرج الحكومة وتضعها في موقف صعب، لتتولى المهمة قناة "فوكس" الحالية التي تحولت إلى أبرز القنوات المعارضة لأردوغان وحكومته، وهي القناة المملوكة لرجل الإعلام العالمي روبرت مردوخ.
وهكذا بات الإعلام أيضاً في تركيا تحت السيطرة، أو على الأقل تم ضمان حياديته بشكل كبير، فسياسة أردوغان منذ تولى الحكم هي تحييد القوى التي تعارض توجهاته، إذ بدأ بالجيش ومختلف قطاعات الدولة كالأمن والقضاء، ووصل الأمر إلى الإعلام، وهو ما يبدو أنه تمكن منه، حتى وكالة "الأناضول" شبه الرسمية تعرضت، قبل سنوات، لتطهير من الحرس القديم المعارض لأي تيار محافظ.