يجول عمرو الحلبي بين شمالي سورية وجنوبي تركيا، ليختار قصصاً وينقل أخباراً تخصّ الشأنين السوري والتركي، عبر قناة "الجزيرة" الإخبارية التي يعمل مراسلاً ميدانياً لها من المنطقتين. قبل عام 2011، ربما لم يكن يتوقع عمرو أن يأتي يوم يظهر فيه كمراسل على الشاشة، فهو لم يدرس الصحافة، ولم يعمل فيها قبل اندلاع الثورة السورية.
غير عمرو، هناك العشرات - إن لم يكن المئات - من الشبان السوريين من الجنسين ممّن وجدوا أنفسهم أمام الكاميرات وخلفها، أو كتبوا في مواقع وصحف مختلفة لنقل أحداث الثورة التي انتقدت من جملة ما ثارت عليه الإعلام الحكومي الذي يديره النظام بكل مفاصله.
كثير من المصطلحات التصقت بادئ الأمر بعناصر هذه الشريحة، بدءاً من "شاهد عيان" ومروراً بـ "الناشط الميداني أو الصحافي"، وليس انتهاءً بـ "المواطن الصحافي". لكنّ الحقيقة أنّ بعد نحو تسعة أعوام من العمل والخبرة والممارسة اليومية، العديد من هؤلاء الشبان طرقوا باب الاحترافية ضمن مهنة الصحافة، وبات لهم حضورهم ربما أكثر من عديد خريجي كليات الصحافة والإعلام، ما أوصلهم إلى العمل مع وسائل إعلام محلية وعربية وعالمية، وحصدوا جوائز عالمية كانت بعيدة عن متناول الصحافيين والصحافة السورية طوال عقود مضت.
يقول عمرو الحلبي لـ "العربي الجديد" إنه منذ طفولته كان التلفزيون يجذبه للعمل في أحد مجالاته، سواء من خلال الفن أو الصحافة أو باقي المجالات الأخرى، لكنّ والده كان يقنعه بأن الطريق إلى التلفزيون، سواء بإعلامه أو فنه، يرتبط بمدى قرب الساعي لدخوله بالسلطة والنظام القائم، وهذا ما جعله يركن الفكرة في رأسه جانباً.
ورغم تفوقه أثناء مراحل دراسته بالخطابة واللغة العربية والمسرح وفن الإلقاء، إلا أنه اختار دخول كلية الشريعة لإكمال تعليمه الجامعي بناءً على نصيحة والده، ولصعوبة الطريق إلى مجال الإعلام في سورية.
إلا أن اندلاع الثورة في سورية، فتح الباب أمامه لإعادة فكرة الانخراط في شقها الإعلامي، فبدأ بالخطابة أمام المتظاهرين، ومن ثم توثيق التظاهرات من خلال الفيديو وإرسالها إلى وسائل الإعلام، وكان الأهم استضافته من قبل وسائل إعلام مختلفة كناشط إعلامي للحديث عن التطورات المستمرة، والتقت الرغبة عنده في دخوله مجال الإعلام، بحاجة الثورة إليه وإلى أمثاله من الناشطين ليكونوا الذراع الإعلامية للثورة، ناقلين أخبارها للخارج.
اقــرأ أيضاً
تشكيك الكثير من وسائل الإعلام في رواية "الناشطين"، واعتمادها أحياناً على إرسال طواقم صحافية إلى أماكن الحدث لتغطيتها، دفعا عمرو إلى اتخاذ قراره بأن يصنع من نفسه صحافياً، وأن يطور من أدواته بالتدريب والمتابعة والاستفادة من تجارب المحترفين. ويقول: "هناك عدة أسباب جعلت منا صحافيين محترفين، منها أننا كنا في أخطر بقعة على الأرض، سواء في عموم سورية وحلب تحديداً، الكثير من القنوات والوسائل الإعلامية أرسلت إلينا مراسليها، منهم مَن قُتل، ومنهم مَن أُصيب، ما جعل الكثير من هذه الوسائل تخاف على أطقمها، فولدت مهمة الصحافي المتعاون مع الوكالات أو القنوات، ومن ثم أخذت هذه الوسائل تختار من يناسبها من المتعاونين الذين أثبتوا كفاءتهم للتعاقد معهم بشكل دائم، وبذلك التحقت بقناة الجزيرة منذ منتصف 2013، ولا أزال أعمل معها إلى الآن".
ويولي عمرو أهمية لدراسة الإعلام لمن يريد ممارسة المهنة، لكنه يعطي حيزاً أوسع للخبرة من خلال مراكمتها على أرض الواقع، وصقلها بالتدريب والاحتكاك بأصحاب الخبرة الأكبر والاختصاص، ولذلك التحق بسبع دورات رشحتها إليهم القناة، ضمن مركز التدريب الخاص بها.
وعن التزام الصحافيين الذين أفرزتهم الثورة بمبادئ المهنة وأخلاقياتها، يرى مراسل "الجزيرة" أن "معظم من امتهنوا الإعلام أو مارسوه خلال الثورة، تعرفوا تدريجاً بمبادئ المهنة. في البداية كانت هناك أخطاء، لكن مع الأيام جرى تلافيها، وأصبح لدينا دراية كافية بهذه الأسس والمبادئ الأخلاقية، ولولا ذلك لما حصل العديد منا على جوائز عالمية، وتلك الجوائز شديدة الصرامة في معاييرها في ما يتعلق بأخلاقيات الصحافة ومبادئها قبل كل شيء".
تلك الجوائز العالمية حصد المصور السوري عامر الموهباني على ثلاثة منها، والحديث هنا عن جائزتي "البويّ" و"أتلتنا أميركا" الأميركيتين، وآخرها جائزة "الفارين" الفرنسية لأفضل مصور صحافي شاب حول العالم. رغم أنّه لم يمضِ على دخوله غمار التصوير الصحافي أكثر من سبعة أعوام، إلا أنه تنقل خلالها بين الكثير من وسائل الإعلام المحلية والوكالات العالمية، منها "رويترز" و"فرانس برس" و"الأناضول".
يصف عامر تقديمه مع زملائه، سواء من المصورين أو الصحافيين الذين سلكوا طريقهم في المهنة خلال الثورة، على أنهم ناشطون ميدانيون وليسوا صحافيين من قبل الإعلام المحلي والعربي بـ "التجني والظلم"، مقابل إنصافهم من قبل الإعلام الغربي والعالمي الذي يعتبرهم مصورين أو صحافيين محترفين، يقدمون مادة عالية الجودة. فالإعلام العربي بحسب عامر، "يعتبر حصول المصورين السوريين على هذه الجوائز يأتي تكريماً على ما بُذل في مناطق حروب وخطر. أما الحقيقة فمختلفة تماماً، فهذه الجوائز يتقدم إليها آلاف المصورين حول العالم، معظمهم يشاركون بأعمالهم التي أُنتجَت في مناطق حروب، وهناك لجان تحكيم محايدة والمادة الأكثر تحقيقاً للمعايير هي التي تفوز، بغضّ النظر عن اسم صاحبها أو جنسيته أو مكان إنتاج المادة".
ورغم أن الموهباني التقط أولى صوره بكاميرا نصف احترافية قبل الثورة خلال عمله متطوعاً في قسم التوثيق في إحدى شعب "الهلال الأحمر السوري" كموثق وليس كمصور صحافي، إلا أنه يتفق مع عمرو الحلبي بأن الحاجة لنقل الخبر والصورة بشكل صحيح بعيداً عن الرواية التي كان يقدمها النظام، كان الدافع للاستمرار في هذه الهواية ومن ثم امتهانها والانتقال إلى الاحتراف بعد انطلاق الثورة. وما ساعد عامر على تدرجه في المهنة، عمله مع وكالة "رويترز" منذ عام 2013. أما على الجانب التقني، فكان لمديره الإقليمي داخل الوكالة دور كبير في صقل موهبته، بالإضافة إلى متابعة الدروس التعليمية الكثيرة على منصات التواصل، وأهمها "يوتيوب"، التي استفاد منها، إلى جانب التعليم الذاتي من خلال الممارسة والاستفادة من الأخطاء، وكان للتغذية البصرية التي يعرض نفسه لها يومياً دور كبير في تطوير إمكاناته، ومصدر هذه التغذية ليس الأعمال التي تصدر عمّا يحدث في سورية فقط، بل أعمال عالمية لمصورين عالميين.
أما مهند النجار، فلم تكن تربطه مع الإعلام علاقة، لا من قريب ولا من بعيد، قبيل عام 2011، لكنه اليوم يعمل مراسلاً مع صحيفة "ديرشبيغل" الألمانية في الشأن السوري. فمع وصول التظاهرات إلى منطقته في الريف الشمالي من حلب، عمل على بث صورها مباشرةً لوسائل الإعلام التلفزيونية، ثم وسّع من دائرة نشاطه ليشمل الأحياء الشرقية من حلب وجامعة حلب، حيث غطى العديد من مظاهراتها حين كان طالباً وموظفاً فيها، قبل أن يُفصَل.
مهند خريج كلية العلوم الطبيعية - قسم الكيمياء، بما يحمله هذا الاختصاص من بعد عن العلوم الأدبية والفنية، ومنها الصحافة، تمكن من المشاركة في المشاركة في إعداد فيلم وثائقي حمل عنوان "بلح تعلق تحت قلعة حلب" للمخرج محمد سويد، الذي يتناول تفاصيل الثورة في مدينة حلب وريفها نهاية 2012، ومن ثم أخرج أول أفلامه "الجنود يعودون" الذي عرض على قناة الجزيرة بعد مدة قصيرة، ليكون ذلك مفتاحاً للصحافيين الأجانب الذين قصدوا سورية للتعرف إليه، وبعد التعاون معهم ومساعدتهم في البحث عن المواد والقصص داخل منطقة نشاطه وعمله، وجد طريقه للعمل مع الصحيفة الألمانية التي لا يزال يعمل معها إلى اليوم.
يتحدث مهند لـ "العربي الجديد" عن المعايير المؤهلة للعمل مع الصحافية الغربية والأجنبية والعالمية عموماً، حاصراً إياها بـ "التمسك بمبادئ مهنة الصحافة وقيمها، والتزام الشفافية ونقل الحقيقة والإقرار بالخطأ في حال الوقوع به، إلى جانب التحلي بالإنسانية والحيادية، وهذه معايير شدد على أن ألتزمها كل الصحافيين الغربيين الذين التقيت بهم، وعندما فعلت، قدمت الصحيفة التي كنت متعاوناً معها، عرض عمل لي بشكل رسمي لالتزامي التطبيق".
وفي هذا الجانب، يرى مرشد النايف، الأمين العام لـ "ميثاق شرف للإعلاميين السوريين"، وهو الإطار التنظيمي الذي يمثل مرجعية للعمل الإعلامي المتسم بالبعد الأخلاقي، وقد وقّعته 32 وسيلة إعلام سورية أن "هناك خبرات إعلامية وصحافية سورية أتت من خلفية المواطن الصحافي أو الناشط الثوري الذي تعاطى مع الإعلام بعد اندلاع الثورة. فالبعض تمكن من إنضاج تجربة خاصة به، وصقل ما لديه من موهبة من طريق اتباع دورات تدريب وتأهيل وتطوير للقدرات، إلى أن أصبح صحافياً محترفاً".
لكن النايف يرى أيضاً، أن "المشهد الإعلامي السوري المعارض (الإعلام البديل) ليس بمجمله على هذا النحو، فهناك الكثير من الصحافيين السوريين الذين يتعاطون اليوم مع الإعلام لا يمتلكون أدوات التخصص والمهنية، فنجدهم يبتعدون عن الانضباط الذاتي، ولا يلتزمون البعد الأخلاقي لمهنة الصحافة، وبالتالي هم مشاريع غير ناضجة، بل تسيء إلى المشهد الإعلامي السوري عموماً".
ويشير النايف إلى أنه لهذه الأسباب أُطلِق "ميثاق شرف للإعلاميين السوريين"، فالميثاق بحسبه "يوفر التزاماً بالمعايير الأخلاقية للمهنة، فهو مرجعية كاملة من عدة بنود تحمل مثلاً عُليا لمعايير أخلاقية، تحثّ على الانضباط الذاتي والالتزام من الصحافيين السوريين، ويمكن الملتزم بها من الصحافيين أن يحقق علاقة تفاعلية صحيحة مع الجمهور".
وانخرط في إعلام الثورة المئات من الشبان السوريين المتعاطفين مع الحراك في سورية منذ بدايته، منهم من تعرض للاعتقال والقتل بسبب نشاطهم من قبل جهات وقوى مختلفة فاعلة على الأرض، في مقدمتها النظام السوري وفصائل متشددة، وينتسب اليوم معظمهم إلى هيئات تهتم بشؤون الصحافيين كـ "رابطة الصحفيين السوريين" و"نادي الصحفيين السوريين" وغيرها من الهيئات والمنظمات المختصة في الداخل أو بلدان اللجوء، ويرتبط الكثير منهم مع وسائل إعلام محلية أو عربية أو عالمية.
آسيا هشام، لم ينفعها تقديمها للتسجيل في كلية الإعلام بجامعة دمشق مع تفاقم الأوضاع الأمنية في سورية، حيث اضطرت إلى مغادرتها واللجوء إلى لبنان. ومع أنها انتظرت هناك خمسة أعوام عملت خلالها كمديرة لشركة تجارية، إلا أنها استطاعت أن تبلغ شغفها بالإعلام من خلال فرصة تدريب لدى إحدى القنوات المحلية في بيروت.
ومع انتقال آسيا إلى إسطنبول، تعرفت إلى "تلفزيون سوريا" الذي كان قد انطلق حديثاً مع وصولها، فعملت في قسم الرصد ومن ثم إعداد البرامج. ومع تطور إمكانياتها بفعل تراكم الخبرة، تم ترشيحها من قبل إدارة القناة لتكون مذيعة في أحد البرامج الاجتماعية اليومية التي تعرضها القناة، التي تعد واحدة من وسائل الإعلام التلفزيونية التي تأخذ موقفاً إيجابياً من الثورة السورية.
يقول مالك داغستاني، وهو المدير العام لـ "تلفزيون سوريا"، في حديث مع "العربي الجديد"، إن لديهم في تلفزيون سوريا "العديد ممن خاضوا تجربة المواطن الصحافي وتحولوا مع نضج التجربة والخضوع للعديد من الدورات إلى صحافيين حقيقيين، ونحن اليوم نتعامل معهم كصحافيين محترفين. ولولا وصولهم إلى هذا المستوى لما كان لهم الحظ في أن يكونوا جزءا من فريق محترف، والمطلوب منهم كجميع الصحافيين تطوير أدواتهم ومعارفهم على الدوام للمواكبة".
وكان التلفزيون الذي يديره داغستاني قد أطلق مبادرة لتدريب الشباب السوريين من دارسي الإعلام، في عملية لزيادة الخبرة لديهم وتطوير ما يتعلمونه في الكليات والجامعات المختصة. ورداً على سؤال "العربي الجديد" داغستاني عن نية التلفزيون توفير تلك التدريبات لغير الدارسين والهاوين لتلك المهنة، يُشير إلى أن "تلك المبادرة (سوف تتكرر) كانت تجربة لمساعدة الطلبة السوريين دارسي الإعلام في تركيا لتحصيل تدريب عملي، ونحن الآن بصدد دراسة أن يكون في تلفزيون سوريا مركز تدريب إعلامي احترافي".
ورداً على تشكيك البعض في قدرات هذه الشريحة من الصحافيين من غير الدارسين للصحافة والإعلام بأنهم لا يراعون مبادئ وأساسيات المهنة، يوضح داغستاني بأن "مبادئ وأخلاقيات الصحافة تدرَّس في كليات الإعلام، ولكن هذا لا يعني بالضرورة أن يتبعها الصحافي إن لم يمتلك القاعدة الأخلاقية الصلبة لهذا الالتزام. وأنا لا أرى أنه يمكن الربط بين الدراسة الإعلامية وهذا الالتزام، فالصحافة المحلية وحتى العالمية تقدم لنا نماذج لإعلاميين أكاديميين وينتجون موادهم بعقلية الصحافة الصفراء، ثم إن الوسيلة الإعلامية هي من عليها قياس وحتى ضبط هذه الخاصية في الفريق الإعلامي العامل معها".
كثير من المصطلحات التصقت بادئ الأمر بعناصر هذه الشريحة، بدءاً من "شاهد عيان" ومروراً بـ "الناشط الميداني أو الصحافي"، وليس انتهاءً بـ "المواطن الصحافي". لكنّ الحقيقة أنّ بعد نحو تسعة أعوام من العمل والخبرة والممارسة اليومية، العديد من هؤلاء الشبان طرقوا باب الاحترافية ضمن مهنة الصحافة، وبات لهم حضورهم ربما أكثر من عديد خريجي كليات الصحافة والإعلام، ما أوصلهم إلى العمل مع وسائل إعلام محلية وعربية وعالمية، وحصدوا جوائز عالمية كانت بعيدة عن متناول الصحافيين والصحافة السورية طوال عقود مضت.
يقول عمرو الحلبي لـ "العربي الجديد" إنه منذ طفولته كان التلفزيون يجذبه للعمل في أحد مجالاته، سواء من خلال الفن أو الصحافة أو باقي المجالات الأخرى، لكنّ والده كان يقنعه بأن الطريق إلى التلفزيون، سواء بإعلامه أو فنه، يرتبط بمدى قرب الساعي لدخوله بالسلطة والنظام القائم، وهذا ما جعله يركن الفكرة في رأسه جانباً.
ورغم تفوقه أثناء مراحل دراسته بالخطابة واللغة العربية والمسرح وفن الإلقاء، إلا أنه اختار دخول كلية الشريعة لإكمال تعليمه الجامعي بناءً على نصيحة والده، ولصعوبة الطريق إلى مجال الإعلام في سورية.
إلا أن اندلاع الثورة في سورية، فتح الباب أمامه لإعادة فكرة الانخراط في شقها الإعلامي، فبدأ بالخطابة أمام المتظاهرين، ومن ثم توثيق التظاهرات من خلال الفيديو وإرسالها إلى وسائل الإعلام، وكان الأهم استضافته من قبل وسائل إعلام مختلفة كناشط إعلامي للحديث عن التطورات المستمرة، والتقت الرغبة عنده في دخوله مجال الإعلام، بحاجة الثورة إليه وإلى أمثاله من الناشطين ليكونوا الذراع الإعلامية للثورة، ناقلين أخبارها للخارج.
تشكيك الكثير من وسائل الإعلام في رواية "الناشطين"، واعتمادها أحياناً على إرسال طواقم صحافية إلى أماكن الحدث لتغطيتها، دفعا عمرو إلى اتخاذ قراره بأن يصنع من نفسه صحافياً، وأن يطور من أدواته بالتدريب والمتابعة والاستفادة من تجارب المحترفين. ويقول: "هناك عدة أسباب جعلت منا صحافيين محترفين، منها أننا كنا في أخطر بقعة على الأرض، سواء في عموم سورية وحلب تحديداً، الكثير من القنوات والوسائل الإعلامية أرسلت إلينا مراسليها، منهم مَن قُتل، ومنهم مَن أُصيب، ما جعل الكثير من هذه الوسائل تخاف على أطقمها، فولدت مهمة الصحافي المتعاون مع الوكالات أو القنوات، ومن ثم أخذت هذه الوسائل تختار من يناسبها من المتعاونين الذين أثبتوا كفاءتهم للتعاقد معهم بشكل دائم، وبذلك التحقت بقناة الجزيرة منذ منتصف 2013، ولا أزال أعمل معها إلى الآن".
ويولي عمرو أهمية لدراسة الإعلام لمن يريد ممارسة المهنة، لكنه يعطي حيزاً أوسع للخبرة من خلال مراكمتها على أرض الواقع، وصقلها بالتدريب والاحتكاك بأصحاب الخبرة الأكبر والاختصاص، ولذلك التحق بسبع دورات رشحتها إليهم القناة، ضمن مركز التدريب الخاص بها.
وعن التزام الصحافيين الذين أفرزتهم الثورة بمبادئ المهنة وأخلاقياتها، يرى مراسل "الجزيرة" أن "معظم من امتهنوا الإعلام أو مارسوه خلال الثورة، تعرفوا تدريجاً بمبادئ المهنة. في البداية كانت هناك أخطاء، لكن مع الأيام جرى تلافيها، وأصبح لدينا دراية كافية بهذه الأسس والمبادئ الأخلاقية، ولولا ذلك لما حصل العديد منا على جوائز عالمية، وتلك الجوائز شديدة الصرامة في معاييرها في ما يتعلق بأخلاقيات الصحافة ومبادئها قبل كل شيء".
تلك الجوائز العالمية حصد المصور السوري عامر الموهباني على ثلاثة منها، والحديث هنا عن جائزتي "البويّ" و"أتلتنا أميركا" الأميركيتين، وآخرها جائزة "الفارين" الفرنسية لأفضل مصور صحافي شاب حول العالم. رغم أنّه لم يمضِ على دخوله غمار التصوير الصحافي أكثر من سبعة أعوام، إلا أنه تنقل خلالها بين الكثير من وسائل الإعلام المحلية والوكالات العالمية، منها "رويترز" و"فرانس برس" و"الأناضول".
يصف عامر تقديمه مع زملائه، سواء من المصورين أو الصحافيين الذين سلكوا طريقهم في المهنة خلال الثورة، على أنهم ناشطون ميدانيون وليسوا صحافيين من قبل الإعلام المحلي والعربي بـ "التجني والظلم"، مقابل إنصافهم من قبل الإعلام الغربي والعالمي الذي يعتبرهم مصورين أو صحافيين محترفين، يقدمون مادة عالية الجودة. فالإعلام العربي بحسب عامر، "يعتبر حصول المصورين السوريين على هذه الجوائز يأتي تكريماً على ما بُذل في مناطق حروب وخطر. أما الحقيقة فمختلفة تماماً، فهذه الجوائز يتقدم إليها آلاف المصورين حول العالم، معظمهم يشاركون بأعمالهم التي أُنتجَت في مناطق حروب، وهناك لجان تحكيم محايدة والمادة الأكثر تحقيقاً للمعايير هي التي تفوز، بغضّ النظر عن اسم صاحبها أو جنسيته أو مكان إنتاج المادة".
ورغم أن الموهباني التقط أولى صوره بكاميرا نصف احترافية قبل الثورة خلال عمله متطوعاً في قسم التوثيق في إحدى شعب "الهلال الأحمر السوري" كموثق وليس كمصور صحافي، إلا أنه يتفق مع عمرو الحلبي بأن الحاجة لنقل الخبر والصورة بشكل صحيح بعيداً عن الرواية التي كان يقدمها النظام، كان الدافع للاستمرار في هذه الهواية ومن ثم امتهانها والانتقال إلى الاحتراف بعد انطلاق الثورة. وما ساعد عامر على تدرجه في المهنة، عمله مع وكالة "رويترز" منذ عام 2013. أما على الجانب التقني، فكان لمديره الإقليمي داخل الوكالة دور كبير في صقل موهبته، بالإضافة إلى متابعة الدروس التعليمية الكثيرة على منصات التواصل، وأهمها "يوتيوب"، التي استفاد منها، إلى جانب التعليم الذاتي من خلال الممارسة والاستفادة من الأخطاء، وكان للتغذية البصرية التي يعرض نفسه لها يومياً دور كبير في تطوير إمكاناته، ومصدر هذه التغذية ليس الأعمال التي تصدر عمّا يحدث في سورية فقط، بل أعمال عالمية لمصورين عالميين.
أما مهند النجار، فلم تكن تربطه مع الإعلام علاقة، لا من قريب ولا من بعيد، قبيل عام 2011، لكنه اليوم يعمل مراسلاً مع صحيفة "ديرشبيغل" الألمانية في الشأن السوري. فمع وصول التظاهرات إلى منطقته في الريف الشمالي من حلب، عمل على بث صورها مباشرةً لوسائل الإعلام التلفزيونية، ثم وسّع من دائرة نشاطه ليشمل الأحياء الشرقية من حلب وجامعة حلب، حيث غطى العديد من مظاهراتها حين كان طالباً وموظفاً فيها، قبل أن يُفصَل.
مهند خريج كلية العلوم الطبيعية - قسم الكيمياء، بما يحمله هذا الاختصاص من بعد عن العلوم الأدبية والفنية، ومنها الصحافة، تمكن من المشاركة في المشاركة في إعداد فيلم وثائقي حمل عنوان "بلح تعلق تحت قلعة حلب" للمخرج محمد سويد، الذي يتناول تفاصيل الثورة في مدينة حلب وريفها نهاية 2012، ومن ثم أخرج أول أفلامه "الجنود يعودون" الذي عرض على قناة الجزيرة بعد مدة قصيرة، ليكون ذلك مفتاحاً للصحافيين الأجانب الذين قصدوا سورية للتعرف إليه، وبعد التعاون معهم ومساعدتهم في البحث عن المواد والقصص داخل منطقة نشاطه وعمله، وجد طريقه للعمل مع الصحيفة الألمانية التي لا يزال يعمل معها إلى اليوم.
يتحدث مهند لـ "العربي الجديد" عن المعايير المؤهلة للعمل مع الصحافية الغربية والأجنبية والعالمية عموماً، حاصراً إياها بـ "التمسك بمبادئ مهنة الصحافة وقيمها، والتزام الشفافية ونقل الحقيقة والإقرار بالخطأ في حال الوقوع به، إلى جانب التحلي بالإنسانية والحيادية، وهذه معايير شدد على أن ألتزمها كل الصحافيين الغربيين الذين التقيت بهم، وعندما فعلت، قدمت الصحيفة التي كنت متعاوناً معها، عرض عمل لي بشكل رسمي لالتزامي التطبيق".
وفي هذا الجانب، يرى مرشد النايف، الأمين العام لـ "ميثاق شرف للإعلاميين السوريين"، وهو الإطار التنظيمي الذي يمثل مرجعية للعمل الإعلامي المتسم بالبعد الأخلاقي، وقد وقّعته 32 وسيلة إعلام سورية أن "هناك خبرات إعلامية وصحافية سورية أتت من خلفية المواطن الصحافي أو الناشط الثوري الذي تعاطى مع الإعلام بعد اندلاع الثورة. فالبعض تمكن من إنضاج تجربة خاصة به، وصقل ما لديه من موهبة من طريق اتباع دورات تدريب وتأهيل وتطوير للقدرات، إلى أن أصبح صحافياً محترفاً".
لكن النايف يرى أيضاً، أن "المشهد الإعلامي السوري المعارض (الإعلام البديل) ليس بمجمله على هذا النحو، فهناك الكثير من الصحافيين السوريين الذين يتعاطون اليوم مع الإعلام لا يمتلكون أدوات التخصص والمهنية، فنجدهم يبتعدون عن الانضباط الذاتي، ولا يلتزمون البعد الأخلاقي لمهنة الصحافة، وبالتالي هم مشاريع غير ناضجة، بل تسيء إلى المشهد الإعلامي السوري عموماً".
ويشير النايف إلى أنه لهذه الأسباب أُطلِق "ميثاق شرف للإعلاميين السوريين"، فالميثاق بحسبه "يوفر التزاماً بالمعايير الأخلاقية للمهنة، فهو مرجعية كاملة من عدة بنود تحمل مثلاً عُليا لمعايير أخلاقية، تحثّ على الانضباط الذاتي والالتزام من الصحافيين السوريين، ويمكن الملتزم بها من الصحافيين أن يحقق علاقة تفاعلية صحيحة مع الجمهور".
وانخرط في إعلام الثورة المئات من الشبان السوريين المتعاطفين مع الحراك في سورية منذ بدايته، منهم من تعرض للاعتقال والقتل بسبب نشاطهم من قبل جهات وقوى مختلفة فاعلة على الأرض، في مقدمتها النظام السوري وفصائل متشددة، وينتسب اليوم معظمهم إلى هيئات تهتم بشؤون الصحافيين كـ "رابطة الصحفيين السوريين" و"نادي الصحفيين السوريين" وغيرها من الهيئات والمنظمات المختصة في الداخل أو بلدان اللجوء، ويرتبط الكثير منهم مع وسائل إعلام محلية أو عربية أو عالمية.
آسيا هشام، لم ينفعها تقديمها للتسجيل في كلية الإعلام بجامعة دمشق مع تفاقم الأوضاع الأمنية في سورية، حيث اضطرت إلى مغادرتها واللجوء إلى لبنان. ومع أنها انتظرت هناك خمسة أعوام عملت خلالها كمديرة لشركة تجارية، إلا أنها استطاعت أن تبلغ شغفها بالإعلام من خلال فرصة تدريب لدى إحدى القنوات المحلية في بيروت.
ومع انتقال آسيا إلى إسطنبول، تعرفت إلى "تلفزيون سوريا" الذي كان قد انطلق حديثاً مع وصولها، فعملت في قسم الرصد ومن ثم إعداد البرامج. ومع تطور إمكانياتها بفعل تراكم الخبرة، تم ترشيحها من قبل إدارة القناة لتكون مذيعة في أحد البرامج الاجتماعية اليومية التي تعرضها القناة، التي تعد واحدة من وسائل الإعلام التلفزيونية التي تأخذ موقفاً إيجابياً من الثورة السورية.
يقول مالك داغستاني، وهو المدير العام لـ "تلفزيون سوريا"، في حديث مع "العربي الجديد"، إن لديهم في تلفزيون سوريا "العديد ممن خاضوا تجربة المواطن الصحافي وتحولوا مع نضج التجربة والخضوع للعديد من الدورات إلى صحافيين حقيقيين، ونحن اليوم نتعامل معهم كصحافيين محترفين. ولولا وصولهم إلى هذا المستوى لما كان لهم الحظ في أن يكونوا جزءا من فريق محترف، والمطلوب منهم كجميع الصحافيين تطوير أدواتهم ومعارفهم على الدوام للمواكبة".
وكان التلفزيون الذي يديره داغستاني قد أطلق مبادرة لتدريب الشباب السوريين من دارسي الإعلام، في عملية لزيادة الخبرة لديهم وتطوير ما يتعلمونه في الكليات والجامعات المختصة. ورداً على سؤال "العربي الجديد" داغستاني عن نية التلفزيون توفير تلك التدريبات لغير الدارسين والهاوين لتلك المهنة، يُشير إلى أن "تلك المبادرة (سوف تتكرر) كانت تجربة لمساعدة الطلبة السوريين دارسي الإعلام في تركيا لتحصيل تدريب عملي، ونحن الآن بصدد دراسة أن يكون في تلفزيون سوريا مركز تدريب إعلامي احترافي".
ورداً على تشكيك البعض في قدرات هذه الشريحة من الصحافيين من غير الدارسين للصحافة والإعلام بأنهم لا يراعون مبادئ وأساسيات المهنة، يوضح داغستاني بأن "مبادئ وأخلاقيات الصحافة تدرَّس في كليات الإعلام، ولكن هذا لا يعني بالضرورة أن يتبعها الصحافي إن لم يمتلك القاعدة الأخلاقية الصلبة لهذا الالتزام. وأنا لا أرى أنه يمكن الربط بين الدراسة الإعلامية وهذا الالتزام، فالصحافة المحلية وحتى العالمية تقدم لنا نماذج لإعلاميين أكاديميين وينتجون موادهم بعقلية الصحافة الصفراء، ثم إن الوسيلة الإعلامية هي من عليها قياس وحتى ضبط هذه الخاصية في الفريق الإعلامي العامل معها".