يبدو أن رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، معجبة بأسلوب الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في التعامل مع الصحافيين، إذ تواجه فعلياً اتهامات بتحولها إلى ترامب آخر من قبل صحافيين في المملكة المتحدة وحول العالم، بسبب مواقف عدة لم تُفسر إلا بمحاولة استبعاد الصحافيين والتعامل معهم بوصفهم "الأعداء"، بل وصل الأمر في إحدى المرّات إلى احتجازهم في غرفة مغلقة.
في مقالة كتبها الصحافي، ستيفين دي فور، في "ذا غارديان" البريطانية، الجمعة، بعنوان "أنا صحافي أجنبي مُستبعد من قبل تيريزا ماي. إنها تتصرف مثل ترامب"، أشار دي فور إلى أنه طوال عمله في تغطية الحملات السياسية لأكثر من عشرين عاماً "مصدوم اليوم من ازدراء حزب المحافظين للصحافيين، ولم يتوقع حدوث مثل هذا الأمر في أوروبا على الإطلاق".
وتحدث دي فور في مقالته عن محاولته الحصول من مسؤولين في حزب المحافظين عن تفاصيل حول تنقلات ماي في الحملة الانتخابية طوال أسبوع كامل، لكنه لم يحصل على أي جواب. وقال "لم يردّ الحزب على رسائلي الإلكترونية، وقالوا عبر الهاتف ما قالوه سابقاً: نحن مشغولون جداً الآن، لكن سيتواصل معك أحد ما قريباً".
محاولات الحزب لتجاهل الصحافي دفعته إلى الضغط أكثر، خاصة بعد سماعه من صحافيين بريطانيين كثيرين عن صعوبة وصولهم إلى معلومات حول حملة ماي إلا بشح وبشكل منقطع، علماً أن شكاوى عدة أطلقها صحافيون من التنظيم المُحكم للحملة، إذ لا إذ لا يوجد أي نقاش مع المعارضين، ويتم اختيار جمهورها ومؤيديها في إطلالاتها بدقة.
اللافت أن الردّ الذي حصل عليه دي فور أخيراً، بعد عشرات الاتصالات الهاتفية والرسائل عبر البريد الإلكتروني، جاء فيه أنه "لدينا حدود بما يتعلق بعدد الصحافيين الذين نستطيع استيعابهم خلال الزيارات، ولدينا الكثير من الطلبات من وسائل إعلامية في المملكة المتحدة وحول العالم". الجواب قد يبدو منطقياً، لكنه ليس كذلك.
إذ اعتبر الصحافي أن "الادعاء بأن تيريزا ماي تُحاصر من قبل جحافل المصورين والصحافيين من حول العالم ليس صحيحاً. الضجة الإعلامية انحصرت في العام الماضي خلال الاستفتاء على خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي (بريكست)، لكن الآن الإعلام مشغول بفرنسا وألمانيا وجنون البيت الأبيض. أخبار المملكة المتحدة مهمّة، لكنها ليس الأهم"، لافتاً إلى أن إعلاميين معينين من وسائل إعلام وطنية وحدهم يتتبعون مسار حملة ماي، ويكتفون بنشر صور لها خلال تنقلاتها.
وقارن دي فور أسلوب التعامل مع الصحافيين في حملات سياسية عدة، بينها حملة المرشح الجمهوري السابق في الانتخابات الرئاسية الأميركية، ميت رومني، وحملة الرئيس الفرنسي الجديد، إيمانويل ماكرون، بأسلوب تعاطي حملة ماي مع الصحافيين، مؤكداً أن "الجميع اتبعوا المسار الديمقراطي في التعامل مع الصحافيين، باستثناء دونالد ترامب وتيريزا ماي".
مقالة الصحافي المخضرم تعيدنا إلى مطلع شهر مايو/أيار الحالي، حين ادعى صحافيون محليون أنهم احتجزوا داخل غرفة من قبل مساعدي رئيسة وزراء بريطانيا، تيريزا ماي، خلال زيارتها لمصنع، ضمن الحملة الانتخابية لحزب المحافظين الذي تنتمي إليه.
Twitter Post
|
وقال الصحافيون العاملون في موقع Cornwall Live الإخباري حينها إنهم أُدخلوا غرفة وأغلق عليهم بابها أثناء زيارة ماي لمصنع في مدينة هيلستون، ومُنعوا من التصوير. وأشاروا إلى أن ماي التقت بممثلي المصنع في الطابق الأرضي، لكن صحافيي الموقع تركوا بعيداً، وأبلغوا بأنه سيسمح لهم لاحقا بتوجيه الأسئلة في غرفة منفصلة، إلا أن مساعدي ماي من مكتبها الصحافي رفضوا قيام الصحافيين بتصوير رئيسة الوزراء وتسجيل حوار معها.
وتابعوا "بعد أن غطينا العديد من السياسيين رفيعي المستوى والزيارات الملكية على مر السنين، نرى أن مستوى التحكم بوسائل الإعلام هنا أعلى مما رأيناه سابقاً، لا يُسمح لنا حتى برؤيتها خلال زيارتها لمبنى".
وردت حينها متحدثة باسم حزب المحافظين موضحة "أنه لم يكن ممكناً قبول طلب استُلم صباح الزيارة من إحدى المؤسسات الإعلامية بإضافة كاميرتها إلى مجموعة الكاميرات المصرح بها"، وأكدت أن "صحافيي المؤسسة أجروا مقابلة مع رئيسة الوزراء ورافقوها خلال الجولة في المصنع، نافية ادعاء الصحافيين باحتجازهم في غرفة".
ولا يقتصر الأمر عند هذا الحدّ، إذ دان "الاتحاد الوطني للصحافيين" موقف ماي إزاء تعامل البيت الأبيض في عهد ترامب مع الصحافيين، وبينهم صحافيون في "هيئة الإذاعة البريطانية" (بي بي سي)، في مارس/آذار الماضي. ووصف الاتحاد موقف ماي بـ "التهرب الكامل"، وطالبها بالدفاع عن الصحافة الحرة، وخاصة الصحافيين البريطانيين المُستهدفين من قبل إدارة ترامب.
وكان ترامب استبعد إعلاميين كثيرين عن البيت الأبيض، وبينهم عاملون في صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية وشبكة "سي إن إن" الأميركية بالإضافة إلى "ذا غارديان" و"بي بي سي" البريطانيتين، واصفاً إياها بـ "الأخبار الزائفة". وعندما سُألت الحكومة البريطانية عن احتمال إثارة هذه النقطة من قبل ماي أثناء زيارة ترامب إلى المملكة المتحدة، حاول الناطق باسمها التهرب من الإجابة، واكتفى بالقول إن "العلاقة بين البيت الأبيض والصحافة مسألة تخصهما".