ومن المفترض أن يتم التوقيع على تلك العريضة من قبل مئات الشخصيات الفلسطينية التي تمثل مؤسسات وشخصيات عامة وأعضاء لجنة تنفيذية في منظمة التحرير الفلسطينية وأعضاء مجلس تشريعي (برلمان) وشخصيات فصائلية ومنظمات المجتمع المدني. لكن تلك العريضة اكتفى المشرفون عليها بأن توجه داخليا فقط إلى الرئيس ورئيس الوزراء، ولم يتم طرحها على مستوى الشارع الفلسطيني، بل تم الاكتفاء بأن يوقّع عليها شخصيات ذات بُعد تمثيلي من شخصيات وازنة.
وقال مدير مؤسسة الحق الفلسطينية، شعوان جبارين، وهي إحدى المؤسسات المشرفة على العريضة، في حديث لـ"العربي الجديد"، على هامش مؤتمر صحافي عُقد في رام الله اليوم الأحد، إن "الوثيقة موجهة داخليا فقط، لكنها قد تنشر وتصل إلى البعثات الدولية التي ستعلم بها وسيكون لها موقف"، مشددًا على أن أبرز المطالب في العريضة هو إلغاء قانون الجرائم الإلكترونية الذي أقر أخيرا، وأن ترفق مع هذه العريضة شروح حول خروق القانون الحالي، وأسباب الاعتراض عليه والمطالبة بإلغائه، حيث إن هذا المطلب قانوني يهدف إلى احترام حرية التعبير في فلسطين.
وأكد جبارين أن فلسطين بحاجة إلى قانون عصري يعالج الجرائم الإلكترونية. ولكن ما وضع أخيرا، كقانون يعالج تلك الجرائم، هو كارثة على موضوع حرية التعبير، ولا يمكن له أن يحل كل المشاكل التي يواجهها الفضاء الإلكتروني، وبالتالي يجب إلغاؤه، والعمل على إيجاد قانون يحترم القانون الأساسي الفلسطيني والقوانين والمعاهدات الدولية التي وقّعت عليها فلسطين.
شعوان جبارين لفت، في كلمة له خلال المؤتمر، إلى أن عام 2017 شهد تدهورا وتراجعا في قضية الحريات العامة، منها التعذيب وسوء المعاملة والاعتقال التعسفي أو الاعتقال على ذمة المحافظين.
وأكد جبارين أنه أصبح في ظل قانون الجرائم الإلكترونية بدلا من أن يتم تركيز كل الجهد على قضايا انتهاكات الاحتلال أصبح التركيز حول أمور داخلية.
وتابع: "تلقينا إشارات إيجابية من الحكومة والنائب العام، لكن الممارسة على الأرض عكس ذلك، نلقي أملا كبيرا على إيجاد قانون عصري، نحن نختلف، ولكننا لا نرفض من أجل الرفض، انضمام فلسطين للمعاهدات والقوانين الدولية يعني الالتزام، ويجب أن لا يكون شكليا".
وشدد جبارين على أنه لا بدّ من إلغاء هذا القانون، وأنه بالاستناد إلى القانون الأساسي الفلسطيني "فنحن جاهزون لموضوع قانون جديد". لافتا إلى أن المقرر الخاص للأمم المتحدة أعطى الحكومة الفلسطينية 60 يوما للرد على هذا القانون، وأن رد الحكومة سوف ينشر على الموقع الرسمي للأمم المتحدة.
من جانبه، قال عصام بكر، ممثلا عن القوى الوطنية والإسلامية الفلسطينية، في حديثه إلى "العربي الجديد"، إن "القوى الفلسطينية تولي اهتماما كبيرا لهذه القضية، فهي جزء من لجنة التنسيق التي تتابع القانون، حيث ستقام عديد الفعاليات للضغط على صناع القرار من أجل التراجع عن القانون الذي يؤثر على الحريات العامة، ونحن جزء داعم وأساسي لذلك".
وشدد بكر على أن هذا القانون يتعارض مع منظومة القوانين الدولية، فيجب إعادة النظر فيه، وتطويره، وأن تتمتع القوانين بشيء من الشفافية فيما يتعلق بالحريات العامة المكفولة بالقانون الأساسي الفلسطيني، وأن لا تثقل تلك القوانين كاهل المواطنين.
ولفت بكر، في كلمة له خلال المؤتمر، إلى أنه يجب احترام الحريات العامة في معالجة القضايا الداخلية، وأن عدم احترام الحريات العامة من شأنه أن يشوّه صورة النضال الفلسطيني أمام العالم.
في حين، قالت ماجدة المصري، من اللجنة التنسيقية لشبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية، في كلمة لها خلال المؤتمر، إن "من المؤسف جدا أن الإجراءات الأخيرة طاولت إغلاق 30 موقعا إلكترونيا، وهناك انتهاكات لصحافيين أو حتى رفع حصانة نيابية أو منع كتب من الصدور، وهي بصيغة أو بأخرى ارتكزت إلى قانون الإلكترونية، وهو ما زاد القلق وجعل لجنة التنسيق تطلق عريضة تطالب فيه بإلغاء القانون، والتي وقّعت عليها مئات المؤسسات والشخصيات الاعتبارية والسياسية، وسترسل للرئيس الفلسطيني ورئيس الوزراء الفلسطيني".
ولفتت المصري إلى أن قانون الجرائم الإلكترونية الحالي يتضمن مواد تتعارض مع وثيقة الاستقلال، وكذلك مواد تتناقض مع القانون الأساسي الفلسطيني، بأنه لا مساس بحرية الرأي، ولكل إنسان الحق في التعبير عن رأيه، مع مراعاة أحكام القانون، وكذلك يتعارض القانون مع ما نص عليه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بأنه لأي شخص اعتناق الآراء من دون مضايقة ونقلها للآخرين بأية وسيلة، لذا كانت رسالة المقرر الخاص للأمم المتحدة في هذا الموضوع هامة جدا، والمفترض أن تكون ضاغطة، وأن الضغط الجماهيري كذلك استنادا للعريضة مهم جدا حول إلغاء القانون قبل مضي 60 يوما.
ونوهت المصري إلى أنه بعدما تبيّن أن القانون فيه من التضييق على حرية الرأي وزعزعة السلم الأهلي، فإننا "نطالب بإلغاء هذا القرار بقانون، وإبطال كافة الإجراءات الإدارية المترتبة على تنفيذه، وإيجاد آليات بديلة لمكافحة الجريمة التي ارتكبت عبر استخدام التكنولوجيا الحديثة".