في 2 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، دخل الصحافي السعودي، جمال خاشقجي، قنصلية بلاده في مدينة إسطنبول، حيث انتظره أكثر من اثني عشر عميلا سعوديا مدرّبين قتلوه، وقطّعوا جسده بوحشية، ثم هربوا من تركيا.
جريمة اغتيال خاشقجي شغلت العالم كلّه، وعوّل عليها صحافيون عرب وأجانب ببدء حقبة جديدة تضمن حقهم في قول الحقيقة والتعبير عن آرائهم. لكن "اليوم العالمي لحرية الصحافة" يحلّ اليوم وسط تراجع التفاؤل إزاء مستقبل العاملين في هذا القطاع، وإمكانية ضمان سلامتهم وحرية ممارستهم للمهنة. فهل كان الاتكال على قضية خاشقجي مبالغاً فيه؟ وماذا يميز هذه الجريمة عن أخرى تلاحق الصحافيين يومياً وتسلبهم حريتهم أو حياتهم؟
لا بدّ من الإشارة إلى أن خاشقجي استفاد من ارتباطاته الغربية؛ فالصحافي السعودي كان مقيماً في الولايات المتحدة الأميركية، وكاتباً في صحيفة "واشنطن بوست" المرموقة، ومقرباً من النخبة المثقفة في العاصمة الأميركية. كما أن أبناءه الثلاثة يحملون الجنسية الأميركية التي كان يسعى بدوره إلى الحصول عليها.
هذه الامتيازات كلها سلطت الضوء على جريمة خاشقجي، ومنحت في الوقت نفسه منبراً إلى مآس أخرى، أبرزها حرب اليمن التي تقودها أيضاً المملكة العربية السعودية. وهكذا تولى الإعلام العالمي، خلال أكثر من 6 أشهر، وعلى رأسه صحيفة "واشنطن بوست"، الإضاءة على حملات القمع وإسكات أصوات المعارضين التي عبّدت الطريق أمام صعود ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان.
اقــرأ أيضاً
لكن ماذا تغير فعلاً؟ بعد أيام من مقتل خاشقجي، قالت صحيفة "ميرور" البريطانية إن الصحافي السعودي، تركي بن عبد العزيز الجاسر، قتل في السجون السعودية تحت التعذيب، لأنه أنشأ حساباً سرياً على موقع "تويتر" كشف فيه عن انتهاكات حقوق الإنسان من قبل المسؤولين وأفراد العائلة الحاكمة في المملكة العربية السعودية. لم نعرف أي تفاصيل أخرى إضافية عما حصل.
المستثمرون الأجانب الذين قاطعوا المملكة في أعقاب الجريمة الوحشية عادوا إليها، في إبريل/نيسان الماضي، لجمع سندات قيمتها 12 مليار دولار أميركي مقدمة من شركة النفط الحكومية "أرامكو"، مما يشير إلى أن الصدّ الغربي للسعودية لم يدم طويلاً، وأن الحماسة لنصرة الصحافيين وحقوقهم مؤقتة وتحكمها الأجواء العامة.
حملة اعتقالات الكتاب والمثقفين، في إبريل/نيسان الماضي، أكدت أن المملكة مستمرة في تنفيذ مشروع ولي العهد محمد بن سلمان بعدم السماح ببقاء أي شخص غير موالٍ له تماماً خارج السجن. وقد طاولت هذه الحملة الكاتب والباحث ثمر المرزوقي وزوجته خديجة الحربي، والطبيب والباحث بدر الإبراهيم ومحمد الصادق، وفهد أبا الخيل وعبد الله الدحيلان ومقبل الصقار ويزيد الفيفي، بالإضافة إلى صلاح الحيدر، نجل الناشطة النسوية المفرج عنها أخيراً عزيزة اليوسف، ويحمل الحيدر بالإضافة إلى الإبراهيم الجنسيتين الأميركية والسعودية.
وفي السياق نفسه، أكدت منظمة "مراسلون بلا حدود" أخيراً أن المناطق "الآمنة" للصحافيين تصبح نادرة. وقالت المنظّمة، في تقريرها للعام 2019، إنّ "وتيرة الكراهية ضد الصحافيين قد تصاعدت إلى درجة جعلتها تبلغ حد العنف، الأمر الذي أدى إلى تنامي الشعور بالخوف".
واعتبرت "مراسلون بلا حدود" أن "جريمة اغتيال الصحافي والكاتب السعودي جمال خاشقجي، بدم بارد، داخل قنصلية بلاده في تركيا، في شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، كانت رسالة فظيعة إلى الصحافيين والمراسلين في جميع أنحاء العالم، وليس فقط داخل حدود المملكة العربية السعودية. علماً أن العديد من الصحافيين في المنطقة استسلموا للرقابة الذاتية أو توقفوا عن الكتابة، خوفًا على حياتهم".
جريمة اغتيال خاشقجي شغلت العالم كلّه، وعوّل عليها صحافيون عرب وأجانب ببدء حقبة جديدة تضمن حقهم في قول الحقيقة والتعبير عن آرائهم. لكن "اليوم العالمي لحرية الصحافة" يحلّ اليوم وسط تراجع التفاؤل إزاء مستقبل العاملين في هذا القطاع، وإمكانية ضمان سلامتهم وحرية ممارستهم للمهنة. فهل كان الاتكال على قضية خاشقجي مبالغاً فيه؟ وماذا يميز هذه الجريمة عن أخرى تلاحق الصحافيين يومياً وتسلبهم حريتهم أو حياتهم؟
لا بدّ من الإشارة إلى أن خاشقجي استفاد من ارتباطاته الغربية؛ فالصحافي السعودي كان مقيماً في الولايات المتحدة الأميركية، وكاتباً في صحيفة "واشنطن بوست" المرموقة، ومقرباً من النخبة المثقفة في العاصمة الأميركية. كما أن أبناءه الثلاثة يحملون الجنسية الأميركية التي كان يسعى بدوره إلى الحصول عليها.
هذه الامتيازات كلها سلطت الضوء على جريمة خاشقجي، ومنحت في الوقت نفسه منبراً إلى مآس أخرى، أبرزها حرب اليمن التي تقودها أيضاً المملكة العربية السعودية. وهكذا تولى الإعلام العالمي، خلال أكثر من 6 أشهر، وعلى رأسه صحيفة "واشنطن بوست"، الإضاءة على حملات القمع وإسكات أصوات المعارضين التي عبّدت الطريق أمام صعود ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان.
وبدت الصحافة العالمية في حملتها هذه كأنها لا تدافع عن زميل فقط، بل تحاول إلى حد ما مراجعة نفسها والتكفير عن ذنبها، بعدما شاركت هي نفسها في الترويج للأمير "الشاب" و"خطواته الإصلاحية". فالانبهار الإعلامي الأميركي والأوروبي الذي رافق صعود ولي العهد تزعزع حين شنّ النظام السعودي حملة اعتقالات كبرى، في سبتمبر/أيلول عام 2017، طاولت أكاديميين واقتصاديين وكتّاباً وصحافيين وشعراء وروائيين ومفكرين ودعاة إسلاميين، بالرغم من أن منابر عدة وضعته في إطار "مكافحة الفساد". لكنه انهار كاملاً بعد تصفية خاشقجي.
لكن ماذا تغير فعلاً؟ بعد أيام من مقتل خاشقجي، قالت صحيفة "ميرور" البريطانية إن الصحافي السعودي، تركي بن عبد العزيز الجاسر، قتل في السجون السعودية تحت التعذيب، لأنه أنشأ حساباً سرياً على موقع "تويتر" كشف فيه عن انتهاكات حقوق الإنسان من قبل المسؤولين وأفراد العائلة الحاكمة في المملكة العربية السعودية. لم نعرف أي تفاصيل أخرى إضافية عما حصل.
المستثمرون الأجانب الذين قاطعوا المملكة في أعقاب الجريمة الوحشية عادوا إليها، في إبريل/نيسان الماضي، لجمع سندات قيمتها 12 مليار دولار أميركي مقدمة من شركة النفط الحكومية "أرامكو"، مما يشير إلى أن الصدّ الغربي للسعودية لم يدم طويلاً، وأن الحماسة لنصرة الصحافيين وحقوقهم مؤقتة وتحكمها الأجواء العامة.
حملة اعتقالات الكتاب والمثقفين، في إبريل/نيسان الماضي، أكدت أن المملكة مستمرة في تنفيذ مشروع ولي العهد محمد بن سلمان بعدم السماح ببقاء أي شخص غير موالٍ له تماماً خارج السجن. وقد طاولت هذه الحملة الكاتب والباحث ثمر المرزوقي وزوجته خديجة الحربي، والطبيب والباحث بدر الإبراهيم ومحمد الصادق، وفهد أبا الخيل وعبد الله الدحيلان ومقبل الصقار ويزيد الفيفي، بالإضافة إلى صلاح الحيدر، نجل الناشطة النسوية المفرج عنها أخيراً عزيزة اليوسف، ويحمل الحيدر بالإضافة إلى الإبراهيم الجنسيتين الأميركية والسعودية.
وكانت صحيفة "ذا غارديان" البريطانية حصلت على تقرير رسمي سعودي مسرّب، في 31 مارس/آذار الماضي، أكد تعرّض المعتقلين السياسيين في المملكة لمعاملة سيئة وتعذيبهم أثناء احتجازهم، بما في ذلك تعرّضهم لجروح وحرقهم وإصابتهم بكدمات. ومن بين المعتقلين المذكورين في الوثيقة أربعة صحافيين: زهير كتبي، والكاتبة هتون الفاسي، والمذيع فهد السنيدي، وعادل بنيمة.
وفي السياق نفسه، أكدت منظمة "مراسلون بلا حدود" أخيراً أن المناطق "الآمنة" للصحافيين تصبح نادرة. وقالت المنظّمة، في تقريرها للعام 2019، إنّ "وتيرة الكراهية ضد الصحافيين قد تصاعدت إلى درجة جعلتها تبلغ حد العنف، الأمر الذي أدى إلى تنامي الشعور بالخوف".
واعتبرت "مراسلون بلا حدود" أن "جريمة اغتيال الصحافي والكاتب السعودي جمال خاشقجي، بدم بارد، داخل قنصلية بلاده في تركيا، في شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، كانت رسالة فظيعة إلى الصحافيين والمراسلين في جميع أنحاء العالم، وليس فقط داخل حدود المملكة العربية السعودية. علماً أن العديد من الصحافيين في المنطقة استسلموا للرقابة الذاتية أو توقفوا عن الكتابة، خوفًا على حياتهم".