الثنائي الأبرز
تعتبر المجموعة الثانية في البطولة الأفريقية هي الأهم على الإطلاق، نظرا لوجود ثلاثة منتخبات كبيرة، الجزائر وتونس والسنغال، رفقة مجموعة من أبرز نجوم القارة وعلى رأسهم بكل تأكيد الثنائي رياض محرز وساديو ماني. الجزائري هو أفضل لاعب في أفريقيا عن جدارة، والآخر ضمن الثلاثي القدير بالنسبة لترشيحات الكاف خلال عام 2016.
ورغم ترشيح أغلبية المتابعين منتخب الجزائر لفعل شيء في النسخة الحالية، إلا أن الخضر في طريقهم للخروج المبكر من مرحلة المجموعات، رغم وجود كل من محرز، براهيمي، سليماني، بن طالب، وسوداني في قائمة الفريق. وفي المقابل صعد المنتخب السنغالي مبكرا لدور الثمانية، بعد تحقيقه فوزين على حساب تونس وزيمبابوي، ليؤكد رفاق ماني أنهم لن يتنازلوا عن اللقب مع هذه البداية النارية.
محرز لاعب مهاري يتفوق على أي مدافع في موقف 1 ضد 1، بينما ساديو لاعب سريع وقوي في عملية الضغط، ويفضل النقاد النجم الجزائري على حساب منافسه السنغالي، بفضل مهارته ومراوغاته وقدراته التقنية، لكن النزعة الفردية وحدها غير كفاية لفوز منتخب بلاده، بينما يقدم ماني مردودا أفضل مع بلاده بسبب الطريقة الجماعية التي يلعب بها الفريق ككل، ومن هنا يظهر الفارق، لأن السؤال الحقيقي يكمن في المقارنة بين المنتخبات الكبيرة، مع ترك أفضلية النجوم للجماهير بعيدا عن الملعب.
عازف منفرد
صعد منتخب بلجيكا أوروبيا وإعلاميا إلى الساحة الكروية بسرعة الصاروخ، بكم هائل من النجوم التي تلعب في مختلف الدوريات الكبيرة، لكن فشل هذا الفريق بامتياز في كأس العالم 2014 ثم يورو 2016، لتكون أفضل عبارة معبرة عن هذه الحالة، تلك الكلمات التي قالها أريغو ساكي في وقت سابق، "كرة القدم لعبة خاصة بالفرق التي تصل إلى أعظم درجة ممكنة من التناغم، الفرق في الأصل مجموعات، كل مجموعة تجاهد وتصارع حتى تحقق الانسجام الكافي لكي تتحول إلى ما يُسمّى بفريق كروي".
وبالتالي فإن بلجيكا في الأصل مجموعة لم تصل بعد إلى درجة الفريق الجماعي، ويبدو أن الجزائر مؤخرا تسير بقوة نحو نفس المسار، فالفريق الشمال الأفريقي حصل على ترشيحات بالجملة من الجميع، لكنه قدم بداية كارثية في تصفيات كأس العالم 2018، ثم أصبح قاب قوسين أو أدنى من الخروج من دوري المجموعات لبطولة الكان 2017، رغم كل ما يمتلك من عتاد فني ومهاري وإعلامي.
يقول ساكي مرة أخرى وكأنه يصف محاربي الصحراء، يضم كثير من الفرق عازفاً منفرداً، وهناك فرق قليلة جدا لم تضم هذا العازف. أياكس لم يضم عازفاً منفرداً، ميلان لم يضم عازفا منفردا، برشلونة بيب لم يضم عازفا منفردا، هذه الأجيال ضمت لاعبين يلعبون من أجل الفريق، مع الفريق، في كل أنحاء الملعب، خلال كل دقيقة بالمباراة. وبمقارنة هذا التحليل بالحالة الجزائرية الأخيرة سنجد تضادا واضحا، على مستوى الخطة والتخطيط والتجهيز للمباراتين السابقتين.
السقوط الخططي
لا يوجد انفصال بين الدفاع والهجوم، لأن كل عملية تؤثر على الأخرى سواء بالسلب أو الإيجاب، لذلك من المجحف الحديث عن الجزائر ووصفها بالفريق الناري بسبب قوة هجومها كما حدث خلال الفترات الأخيرة، لأن على الجانب الآخر هناك تقصير واضح في خطي الدفاع والوسط، وفشل حقيقي أثناء التحولات والمرتدات، بالإضافة إلى ضعف الارتكاز في تنظيم اللعب، ونقل الهجمة من مناطق بعيدة إلى الثلث الأخير.
لعب ليكنز بخطة قريبة من 4-2-3-1، سوداني على اليسار في المباراة الأولى أمام زيمبابوي، ثم استبعده ضد تونس ليشارك رشيد غزال في العمق ويتمركز ياسين براهيمي تجاه الأطراف، لكن المحصلة النهائية فاشلة على صعيد الأداء ثم النتائج، بسبب التركيبة الخاطئة من الأساس لثنائي المحور، بن طالب وقديورة غير قادران بالمرة على إعطاء رباعي الهجوم الحرية المطلوبة، كذلك الدفاع لا يساعد أبدا على إضفاء التوازن المنشود.
لا يدافع براهيمي ومحرز بشكل جيد، مما يجعل الأمر أصعب على الظهيرين مفتاح وغولام، ولأن رشيد غزال صانع لعب أكثر منه لاعب وسط، فإن الرهان على لاعبين فقط في الارتكاز أمر أدى إلى مزيد من الضعف الدفاعي، بسبب تضاعف المهام المطلوبة من الرباعي الأخير، بين تغطية ورقابة وغلق للفراغات وزوايا التمرير.
هجوم عشوائي
خرجت بعض الآراء لتؤكد أن انخفاض مستوى محرز أمام تونس هو السبب في الخسارة، خصوصا بعد تسجيله هدفين في مباراة زيمبابوي، ومع كامل التقدير لثقافة الأرقام، فإن المنتخب الجزائري أكبر من وضع أسباب النجاح أو الفشل على لاعبا بعينه مهما بلغت قيمته، لذلك يتحمل المدرب والاتحاد الجزائري وحتى اللاعبين كل ما وصلت إليه الأمور مؤخرا.
أثرت ظاهرة تغيير الأجهزة الفنية على الفريق، كذلك شعر البعض بأنهم فوق أي مدير فني، لذلك جاءت تغييرات ليكنز أمام تونس وكأنها موجهة لإرضاء الكل دون تمييز، لدرجة إشراكه كل المهاجمين المتاحين في الدقائق الأخيرة، مع عدم وجود عدد كاف من لاعبي الوسط، بعد دخول كل من سفيان هني وبونجاح على حساب غزالي وبراهيمي، ليلعب البلجيكي بثلاثة مهاجمين دفعة واحدة بالقرب من منطقة الجزاء.
لا تزال للجزائر فرصة في الصعود إلى الدور المقبل، شريطة الفوز على السنغال وعدم تحقيق تونس نتيجة إيجابية ضد زيمبابوي، لكن يحتاج القائمون على الكرة هناك إلى إعادة ترتيب الأمور من الداخل، خصوصا أن الفريق يضم مجموعة عظيمة من المواهب الفردية دون رابط جماعي شامل، بالإضافة إلى الضعف المحوري على مستوى الدفاع وربط الوسط ببقية الخطوط، لذلك الأمر يحتاج إلى تعديل شامل، ليس فقط على المدرب أو بعض اللاعبين، ولكن تجاه المشروع بصفة عامة.