كلنا سنموت، الهدف ليس أن نعيش إلى الأبد، لكن أن نخلق شيئا يستمر، ودع عشاق ومتابعو كرة القدم الأسطورة الهولندية يوهان كرويف بعد وفاته على إثر صراع مع المرض، واستقبل جميع مشجعي اللعبة خبر وفاة يوهان بمزيج من الحزن والألم، بسبب الشعبية القياسية التي يتمتع بها صاحب الباع الطويل في ملاعب المستديرة.
كرويف أقرب إلى الفيلسوف، لأنه قام بتغيير خارطة التكتيك، وأضاف الكثير إلى أياكس، مع تحويله لبرشلونة من مجرد فريق مميز إلى أحد أعظم الأندية في تاريخ اللعبة.
وهذا ما يجعل هذا الرجل مختلفا عن البقية، مع انتشار صورة شهيرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لأحد المدونين الهولنديين، تؤكد تميز هذا الرجل عن البقية، لأن القيمة التي أضافها ستظل مستمرة إلى الأبد، فالفلسفة باقية لا تموت، مهما مرت السنوات وتغيرت الحقب.
لاعب أسطوري
يرشح الكثيرون الثلاثي مارادونا، بيليه، وكرويف كأشهر اللاعبين في القرن العشرين، بسبب تفوقهم في فترات زمنية متباعدة، وجمعهم بين الإنجازات المحلية والدولية. ومع المقارنات المستمرة بين دييغو والجوهرة السوداء، يأتي الطائر الهولندي كالرقم 3 في قائمة المجد، رفقة فان باستن، زيدان، دي ستيفانو، بوشكاش، رونالدو الظاهرة، سقراط، وفالدانو، والبقية.
لكن ما يميز الهولندي الكبير عن كل هؤلاء، أنه فهم كرة القدم بنفس قدر تألقه وإبداعه، هو صاحب مقولة "كرة القدم تُلعب بالعقل، بينما القدم مجرد أداة مساعدة للترجمة"، ويتفق معه في الجانب الفلسفي للرياضة، كل من سقراط وجورجي فالدانو، وبالتالي يمتاز الثلاثي بمعرفة كبيرة وقدرة غير طبيعية على شرح معاني وأدوات كرة القدم.
لذلك ليس غريبا أبدا من تسمية سقراط بفيلسوف البرازيل، وعمل فالدانو المستمر في الجانبين الخططي والرياضي خلال تاريخه الطويل مع ريال مدريد، جنباً لجنب مع كرويف، الرجل الذي قاد برشلونة إلى أول بطولة أوروبية للأندية أبطال الدوري في تاريخ الكتلان عام 1992.
مدير ومدرب
يستحق كرويف أن يوضع مع الكبار، فيرغسون، لوبانوفيسكي، مورينيو، أنشيلوتي، كلوف، ميتشيلز، فهو المدير الفني الذي قاد أياكس لبطولة الدوري مرتين، مع لقب لكأس الاتحاد الأوروبي، كذلك حقق مع برشلونة بطولة الدوري في 4 سنوات متتالية، كإنجاز لم يتكرر في تاريخ المارد الكتالوني، بالإضافة إلى كأس الأبطال الأوروبية.
وفاز أيضاً بعدد لا بأس به من الكؤوس المحلية والقارية والدولية، مما جعله يتوج بلقب أفضل مدير فني في العام خلال بداية التسعينيات، ويستحق يوهان لقب "مدير" لأنه كان بارعاً في إعطاء التعليمات، ورسم السياسة العامة للفريق، والتحكم في كل شيء داخل النادي، مثله مثل فيرغسون مع اليونايتد، وأنشيلوتي ومورينيو مع الفرق التي قاموا بتدريبها، فهؤلاء لا يقومون بتغيير الكثير من الخطط والتكتيكات، ويعتمدون على قوالب معينة لفترات ليست بالقصيرة.
ويتحول كرويف بكل أريحية من منصب المدير إلى "الكوتش" أو المدرب الذي يخترع طرقا خططية كل فترة، وينتهج أسلوبا مغايرا عن البقية، ويكون قريبا بشدة من لاعبيه، في الأمور الخاصة بتطويرهم الفني، كأنه مدرس مع تلاميذه، ويتفق في هذا المبدأ مع ساكي، غوارديولا، فينغر، تيلي سانتانا، فان غال، وهيلينو هيريرا.
والدليل ابتكاره فكرة اللعب بأكبر مجموعة من لاعبي في الوسط في تشكيلة واحدة، من خلال خطة 3-4-3 التي نجح بها برشلونة وتفوق من خلالها على طريقة 3-5-2، الأشهر في تلك الفترة، هو باختصار الرجل الذي جمع بين منصبي المدير الفني والمدرب في نفس الفريق.
فيلسوف
"بطريقة أو بأخرى، سأظل خالدا"، يصف كرويف نفسه بهذه المقولة، التي تؤكد بعد بصيرته وقوة ملاحظاته، فيما يتعلق بالأمور الخفية في كرة القدم، لينضم في هذا المجال إلى جانب مارسيلو بييلسا، ريكاردو لافولبي، جورجي فالدانو، جيمي هوغان، وكل هؤلاء المدربين الذين قاموا بوضع مبادئ كروية راديكالية، بعيداً عن لغة الألقاب وأرقام التاريخ.
يُذكر المدرب الفائز بالبطولات في كتب التاريخ، بينما يتم تخليد المدرب المبتكر في كتب كرة القدم، لأنه يؤسس فلسفة خاصة به، يتفق أو يختلف عليها الجمهور، لكنها تظل كحالة نقاشية مستمرة في كافة العصور، ويوهان كرويف الوحيد الذي اجتمع بكل هؤلاء، ونجح في كافة القوالب المختلفة.
ليس هذا فقط، بل وضع حجر الأساس لبرشلونة لابورتا، بعد نصيحته الثمينة للإدارة برفض جوزيه مورينيو والتعاقد مع غوارديولا، ليحقق الفريق بطولات بالجملة خلال الألفية الجديدة، ليتفق مع بيكنباور في هذا المجال، حيث أن الألماني أيضاً عمل كمستشار رياضي في بايرن ميونخ.
نتيجة لكل هذه الصفات الرائعة، يستحق يوهان كرويف أن يكون أعظم من ارتبط بكرة القدم في التاريخ، لأنه نجح كلاعب، مدرب، مدير فني، مستشار، وفيلسوف، لن تنساه أبدا هذه اللعبة.
اقرأ أيضاً:في يوم ميلاده...كيف أصبح مانويل نوير عملاقاً في الحراسة