"لقد كان أصعب موسم لي مع أتليتكو مدريد منذ دخولي النادي كمدرب"، بهذه الكلمات ودع دييغو سيميوني أحداث الشامبيونزليغ، بعد الخروج المرير أمام ريال مدريد في مباراتي نصف نهائي البطولة. ولم يحقق "الروخيبلانكوس" نجاحاً كبيراً خلال الفترة الماضية، بعد خروجه من كأس الملك وابتعاده عن المنافسة في الليغا. وحامت الشكوك حول استمرار الشولو في إسبانيا بعد الخسارة أمام الميرنغي بالبرنابيو أوروبيا، لكنه أكّد استمراره لفترة أخرى رافضاً كل العروض المتاحة من إنتر ميلان وأندية أخرى، كدليل واضح على رغبته في تحقيق شيء مغاير بالفترة المقبلة.
الموسم الماضي
حافظ أتليتكو على قوة دفاعه في البطولة المحلية، وظل الدفاع الأكثر تمييزاً على الإطلاق باستقبال 27 هدفاً فقط خلال 38 مباراة، لكنه عانى بعض الشيء هجوميا أمام الفرق التي تجيد دفاع المنطقة، وتركز على المرتدات ولعبة التحولات. ووجد سيميوني نفسه محاصراً في أكثر من مواجهة، كلما قلده المنافسون بالعودة إلى دفاعهم، وتقليل الفراغات في وبين الخطوط، مع التركيز على استغلال الكرات الثابتة والتمريرات الخاطفة السريعة، كما حدث أمام ريال مدريد أوروبيا في المباراة التي انتهت بثلاثية نظيفة.
لم يصعد لوكاس وفيليبي لويس أبدا للهجوم لإيقاف تحركات مارسيلو وكارفخال، لكن الضعف الدفاعي الواضح من كاراسكو أجبر زميله غريزمان على العودة المستمرة للدعم على الأطراف، ليبتعد الفرنسي عن الثلث الهجومي الأخير، وينشغل بمهام أخرى لا يفهمها جيداً. وكانت هذه المباراة بمثابة الرصاصة التي ضربت تكتيك الأتليتي في مقتل، ليكتشف المدرب الأرجنتيني ضعف أجنحته على مستوى الارتداد للخلف، وحاجته إلى لاعب جديد هجومياً على مقربة من غريزمان، حتى يتفرغ الفرنسي لدوره الرئيسي ولا يتم إرهاقه بالمهام الدفاعية المعقدة.
يجدر الإشارة أيضا إلى ضعف العائد الفني للنجوم الجدد في التشكيلة، فالفرنسي غاميرو ظهر بمستوى غير ثابت طوال الموسم، ليتألق في بعض المباريات الصغيرة ويغيب تماما أثناء الحسم، بالإضافة لانخفاض مستوى كاراسكو مقارنة بموسمه الاستثنائي في 2015/ 2016. وأجبرت هذه العيوب الإدارة الفنية للنادي على التحرك فوراً، رغم أنف عقوبة الفيفا بإيقافهم عن إبرام أي تعاقدات خلال الميركاتو الحالي، ليسير في النهاية على خطى برشلونة سابقا، بالتعاقد مع اللاعبين وإشراكهم رسميا بعد انتهاء الإيقاف، كحالتي أردا توران وأليكس فيدال مع لويس إنريكي.
نجم إشبيلية
أعلن أتليتكو أولاً عن إنهاء الصفقة الأولى، بالتعاقد مع فيتولو، الجناح الدولي لإشبيلية، وقد تم دفع قيمة الشرط الجزائي كاملاً بعقد، والتي بلغت ما يقارب 36 مليون يورو، ليصبح ثالث أغلى صفقة في تاريخ النادي بعد فالكاو وجاكسون مارتينيز. فيكتور ماتشين بيريز أو "فيتولو" هو الجناح الصريح داخل الملعب، من خلال قدرته على ملء الفراغات يمينا ويسارا، مع قدرته على لعب دور لاعب الوسط المتقدم بالعمق، نتيجة أرقامه المميزة دفاعياً وهجومياً، أي أنه من المفضلين عند سيميوني الذي يحب اللاعب صاحب الأداء البدني الفعال طوال التسعين دقيقة.
يقول أوناي إيمري، مدرب باريس الحالي ومدرب فيتولو السابق في إشبيلية، "ما يميز فيتولو أنه يخدم الفريق أولاً، ويوظف موهبته الفردية داخل بوتقة اللعب الجماعي، لذلك يلعب مع أي مدرب أساسياً، أما لاعب مثل ديولوفيو، ربما يمتاز بموهبة أعلى، لكنه لا يضحي للفريق، ويلعب بأسلوب جمالي زائد عن الحد، وهذا هو الفارق الرئيسي بين النموذجين". وقام الجناح القوي بدور صانع اللعب على الرواق، يستلم الكرة أمام الظهير بعيدا عن العمق، ويمرر بشكل طولي تجاه المهاجمين، أو يقطع بطريقة قطرية من الطرف إلى داخل الملعب.
يعاني الفريق الثاني في العاصمة الإسبانية من قلة الإبداع على الطرفين، مع الميل إلى الاختراق من العمق، نتيجة تحول كوكي وساؤول باستمرار إلى قلب الوسط لدعم ثنائي الارتكاز. ويستطيع فيتولو تعديل المسار خططياً، بالجمع بين الشق البدني والجمالي في آن واحد، وهذا ما لم يجده أبداً غايتان وفشل كاراسكو في استعادته، وبالتالي فاز أتليتكو بلاعب ممتاز، يسجل ويصنع ويمرر، مع إمكانية المراوغة والعرقلة على حد سواء، ليقدم النسخة شبه المكتملة من الجناح الحديث في البطولة الإسبانية.
هدية كونتي
رفض أنطونيو كونتي استمرار دييغو كوستا مع تشيلسي بعد موسم خيالي للاعب على كافة المستويات، وجاء قرار المدرب الإيطالي غريباً بعض الشيء، لأن المهاجم الإسباني من أصل برازيلي لعب دوراً رئيسياً في فوز الفريق اللندني ببطولة الدوري الإنكليزي، بعد تشكيله ثنائية رائعة رفقة البلجيكي هازارد، ونجاحه في حسم أكثر من مباراة معقدة، نتيجة شخصيته القوية وجرأته التي تضمن له التغلب على أعتى وأشرس المدافعين.
أثبت كوستا بالأرقام أنه المهاجم المناسب لكل الدوريات الكبيرة، سريع وقوي ومشاغب، يجيد التسجيل بالقدمين والرأس، يمرر على الأرض وفي الهواء، يستطيع اللعب بمفرده كمهاجم صريح أو بجوار لاعب آخر، ويتألق في مختلف الخطط والرسومات، بداية من 4-4-2 إلى 4-2-3-1 ونهاية بـ 3-4-2-1. ويمتاز دييغو بميزة غير متاحة كثيراً، ألا وهي الخبث الكروي في طريقة هروبه من الرقابة، وذكائه في الحصول على مخالفات من مناطق خطيرة داخل المستطيل الأخضر، وعلى الرغم من عنفه غير المبرر في بعض الأحيان، إلا أنه ارتكب مخالفات بنسبة 31 % فقط، وحصل على أخطاء من الخصوم بنسبة 69 % خلال 35 مباراة بالبريمييرليغ.
مهاجم المنتخب الإسباني سيعود في الأغلب إلى ناديه القديم، خصوصاً بعد ظهوره في فيديو عبر إحدى وسائل التواصل الاجتماعي مرتدياً قميص أتليتكو مدريد. وتشير المصادر المقربة من النادي إلى اقتراب حسم الصفقة، مع إعارته لمدة ستة أشهر إلى نادٍ آخر كحالة فيتولو، أو السماح له بالتدريب فقط حتى يناير/ كانون الثاني. وفي حالة العودة الرسمية إلى مدريد من جديد، يمكن لسيميوني اللعب بتكتيكه المفضل 4-4-2 مع ثنائي هجومي لا يشق له غبار، كوستا في الأمام وخلفه غريزمان، للضرب السريع بالمرتدات ووضع كل الضغط على دفاع الفرق الأخرى. في كل الأحوال تمثل هذه الصفقة شهادة حياة جديدة لأتليتكو مدريد، بعد حالة من الفشل مع مهاجمين سابقين كجاكسون مارتينيز ولوسيانو فييتو وحتى غاميرو.
الصفقة الأهم
مع فيتولو ودييغو كوستا، يتحسّن وضع دييغو سيميوني كثيراً، لكنه لا يزال في أمس الحاجة إلى تدعيمات أخرى على مستوى الأظهرة والوسط، بعد اعتزال تياغو مينديز وكبر سن غابي وكثرة إصابات أوغستو. ويعرف المتابع الجيد لأتليتكو أن منطقة الارتكاز لا تعاني وحدها، لأن مركز الظهير الأيمن أيضاً به بعض العيوب، لغياب خوانفران في بعض فترات الحسم، وعدم قدرة البديل فرسالجكو على تقديم الإضافة المرجوة، بإيجاز هناك قصور في بعض الأماكن الأخرى رغم صلابة الدفاع كأرقام وإحصاءات.
يفكر سيميوني في التعاقد مع كريتشوفياك لاعب باريس سان جيرمان، بسبب قلة مشاركات البولندي في فرنسا، وتألقه السابق مع إشبيلية في الليغا والدوري الأوروبي. وعلى الرغم من الإمكانات الكبيرة لهذا اللاعب، إلا أن الأرجنتيني يجب أن يتجه إلى خيار آخر، بمحاولة التعاقد مع البرازيلي فابينيو نجم موناكو بأي ثمن، لأنه سيحل له مشكلتين وليس مشكلة واحدة، بقدرته على شغل منطقة الارتكاز مع خلفيته كظهير أيمن سابق.
بدأ فابينيو كظهير أيمن، وتألق فيما بعد في الوسط ونجح في إثبات نفسه كأحد أفضل لاعبي الارتكاز، بسبب تسديداته القوية من مسافات بعيدة، وافتكاكه الكرات في نصف ملعبه، مع توغله في القنوات الشاغرة من أجل صناعة الخطورة، سواء في العمق أو على الطرفين بالتبادل مع الظهيرين. وفي حالة إقناعه باللعب مع أتليتكو مدريد، يمكن للشولو توظيفه بجوار غابي في العمق، وإعطاء كوكي وساؤول الفرصة للتحرر على الأطراف، أو كظهير صريح في بعض المباريات التي يغيب عنها لاعب الرواق، ما يجعل الطرق متاحة أمام منافسة عملاقي الكرة في إسبانيا والعالم.