انتقل الحارس التشيلي كلاوديو برافو إلى مانشستر سيتي الإنكليزي قادماً من برشلونة، في صفقة اعتبرها الجميع الأفضل لغوارديولا حتى الآن. لكن وراء هذه الصفقة قصة طويلة بدأت مع الهولندي يوهان كرويف وانتهت مع لويس إنريكي، مدرب برشلونة.
قرر بيب غوارديولا التعاقد مع برافو والإطاحة بجو هارت لأنه يحتاج إلى حارس يعرف كيفية تحريك الكرة بأقدامه ويمكنه المساعدة في بناء الهجمات بشكل صحيح، وبعد النجاح الكبير الذي حققه برافو مع منتخب التشيلي وبرشلونة أصبح مطلباً لأندية كبيرة، وطبعاً غوارديولا عرف كيفية خطفه لأنه أحد أبناء مدرسة يوهان كرويف.
كرويف وصناعة الحراس
"لم أعرف أي شيء عن كرة القدم إلى حين التقيت بكرويف"، غوارديولا قال هذه الجملة يوماً ما عندما كان لاعباً في خط وسط فريق الأحلام برشلونة. حتى أن المدرب الإسباني اقتبس الكثير من كرويف (خلق المساحة، توزيع الكرة، انتشار اللاعبين وغيرها)، كل هذه الأمور أصبحت العناصر الرئيسية في الكرة الحديثة.
وكرويف من المدربين الذين يعشقون بداية الهجمة من الخلف، وعندما طلب من مدرب حراس هولندا رينوس مايكلز أن يختار الحارس يان جونبلود على يان فان بيفيرين الأفضل في الحراسة خلال بطولة كأس العالم 1974، كان المثال الأول على ثقافة الحارس "اللاعب".
يعتقد كرويف أن قدرة حارس المرمى في توزيع الكرات هي أفضل من تصديه لها. وهي الفلسفة التي بدأها في أياكس عندما منح الحارس سستانلي مينزو فرصة المشاركة مع الفريق الأول فقط لأنه يملك مهارات فنية داخل منطقة الجزاء، وآنذاك كان مدرب الحراس فرانس هوك.
نظام هوك
فرانس هوك هو واحد من أفضل مدربي حراس المرمى في العالم، حتى أنه ألّف كتابا عن كيفية صناعة حارس مرمى. ويعتقد هوك أنه يوجد نوعان من حراس المرمى "Type R" و"Type A"، واحد يتصرف وفقاً للحدث والآخر يشارك في الأحداث.
وحتى الحارس الهولندي الشهير فان دير سار يمنح هوك الميدالية الذهبية: "هو أول مدرب يربط حارس المرمى بالمدافعين ولاعبي خط الوسط". وهناك الكثير من الحراس الذين صنعهم هوك الذي كانت تربطه علاقة مُميزة مع أحد مدربي الحراس في تشيلي وهو خوليو رودريغيز.
التقى هوك مع رودريغيز في منتصف التسعينيات، هوك كان يعمل مع أياكس تحت إشراف لويس فان غال، ورودريغيز يعمل مع حراس مرمى ناشئين في فريق كولو كولو. وكان رودريغيز يتابع فيديوهات لحراسة المرمى من إنتاج هوك.
وعندما تقابل الرجلان طلب هوك من رودريغيز أن يحضر له عدة ورشات عمل في هولندا عن حراسة المرمى. وفعلاً حضر إحدى المحاضرات واتضح لرودريغز أنه بالنسبة لهوك حارس المرمى مثل أي لاعب في الملعب، يجب أن يملك قدرات جيدة في تحريك الكرة وميزة التمرير بدقة ومساندة خط الدفاع بالإضافة إلى التصدي للكرات.
نقل رودريغيز هذه الأفكار إلى حراسه الناشئين، ومن بين هؤلاء كلاوديو برافو الذي كان يبلغ في العام 1996، 13 سنة فقط، ومنذ ذلك الحين لفت برافو الأنظار بطريقة لعبه وأدائه على أرض الملعب. وعندها أيقن رودريغيز أن برافو هو من نوعية حراس "Type A" الذين يشاركون في صناعة الأحداث ولا ينتظرونها.
وعندما أصبح برافو في صفوف الفريق الأول لكولو كولو أصبح من طينة الحراس المُميزين في كل شيء. ثم ذهب برافو في مخيم تحضيري مع كولو كولو إلى إسبانيا، وفي ذلك اليوم أرسل ريال سوسييداد كشافين لمراقبة برافو عن كثب بعد أن أرسل وكيل أعماله فيديو لهم عن قدراته المُميزة.
والرجل الذي طلب التعاقد مع برافو مقابل 800 ألف دولار آنذاك كان المدير الرياضي لريال سوسييداد خوسيه ماري باكيرو. باكيرو هو أحد عناصر فريق الأحلام الذي لعب تحت قيادة يوهان كرويف ولعب إلى جانب غوارديولا في ملعب "ويمبلي" في نهائي أبطال أوروبا 1992.
باكيرو توقع الكثير من حارس المرمى، لكن جُل ما لفته في برافو هو قدرته الرائعة على تحريك القدمين. وحتى أن باكيرو وصف برافو بأنه قادر على تحريك الكرة مثل رونالدو كومان، وهو أحد أفضل المدافعين في العالم في تلك الحقبة الذهبية.
عانى برافو في الموسم الأول مع ريال سوسييداد بسبب سقوط الفريق إلى الدرجة الثانية لأول مرة في تاريخه منذ 40 سنة. وعندما جاء المدرب كريس كولمان اختار الحارس أسيير ريسغو وترك برافو على مقاعد الاحتياط، وهو الأمر الذي يؤكد أن حراسة المرمى ليست فقط في تحريك القدمين بل أكثر من ذلك.
برشلونة وتشيلي
"ستخسر مباريات كثيرة في حال اخترت حارس مرمى لا يعرف ضبط الإيقاع والتحكم بالكرة، وفي حال مرر كرة خاطئة فعندها تقع الكارثة"، يقول غوارديولا لموقع "سكاي سبورتس". وتأتي أفكار غوارديولا التدريبية في معظمها من فترة تواجده مع المدرب الهولندي يوهان كرويف، لكن هناك شخصا آخر تأثر به غوارديولا هو خوان مانويل ليلو.
ليلو كان مدرباً ناجحاً ويملك فكرا كرويا رائعا، وهو الذي أصبح مساعداً لخورخي سامباولي في منتخب التشيلي في عام 2014 بطلب خاص من سامباولي. وليلو صنع المجد مع تشلسي وكان أحد أهم الأشخاص الذين ساعدوا في التتويج مرتين ببطولة كوبا أميركا.
ولم يستفد برافو من ليلو فقط في تشيلي بل كان المدرب الذي قاد ريال سوسييداد في موسم 2008-2009، وعندها أصبح برافو الحارس الأول بالنسبة للمدرب ليلو. ويقول ليلو عن برافو: "هو حارس يتصدى للكرات بشكل رائع وفي الوقت نفسه هو لاعب يعرف كيفية تمرير الكرات بأفضل طريقة ممكنة".
وفي العام 2014 حصل برافو على فرصة الانضمام إلى برشلونة بوجود المدرب لويس إنريكي. ويعتقد ليلو أن برشلونة والمنتخب التشيلي إن كان بقيادة مارسيلو بييلسا أو سامباولي يريدون حارساً يساهم في صناعة الهجمات ويمرر بشكل دقيق.
لويس إنريكي لاعب آخر من جيل يوهان كرويف وزميل لغوارديولا في برشلونة 1992، نوه بقدرات برافو المُميزة، خصوصاً في صناعة الهجمات والمشاركة مع زملائه في خط الدفاع وخط الوسط.
في موسم 2015 – 2016، أصبح برافو أكثر حراس المرمى تمريراً في الدوري الإسباني والأقل صناعة لتمريرات طويلة في المباريات بين جميع حراس "الليغا". حتى أن برافو سجل 100% في تمريراته في خمس مناسبات، وفقاً لموقع "أوبتا" للإحصاءات الرياضية، جو هارت نجح في فعل ذلك مرتين فقط.
من ساعات التدريب تحت إشراف خوليو رودريغيز وتعلّم نظام فرانس هوك مروراً بتجربته الأوروبية تحت قيادة باكيرو وليلو ومسيرته الدولية المُميزة مع بييلسا وسامباولي وصولاً إلى حقبة ذهبية مع لويس إنريكي في برشلونة، كل هذه المؤشرات قادت إلى هنا، برافو عمل مع فكر غوارديولا سابقاً والآن هو حارس مرماه بعد حوالي 50 سنة.