يفتتح الأربعيني، حسان مهدي، يومه بوضع خطة لثلاثة أبناء من أسرته للانتشار في الشوارع والحارات القريبة من سكنهم في شارع هايل شمال شرق صنعاء، إذ يتجهون إلى مناطق محددة لتجميع المواد المعدنية والبلاستيكية ثم الذهاب بها إلى الورش والمعامل المتخصصة بإعادة تدويرها.
عمل يومي شاق يستقطب أعدادا غفيرة من مختلف الفئات العمرية والاجتماعية في اليمن ممن وجدوا أنفسهم على رصيف البطالة بسبب الحرب الدائرة وتقطعت بهم السبل وكانت هذه المهنة ملاذهم الأخير لكسب ما تيسر لتوفير متطلبات حياتهم المعيشية اليومية.
يقول مهدي، الذي كان يعمل في إحدى الشركات الخاصة، لـ "العربي الجديد" إن الشركة التي كان يعمل بها قامت منذ ثلاث سنوات بتسريحه مع عدد كبير من الموظفين والعاملين فيها ولم يجد عملا في أي مكان، الأمر الذي أضطره لالتقاط رزقه من الشوارع والحارات والعمارات السكنية عبر البحث عن المواد والزجاجات المعدنية والبلاستيكية وتجميعها وبيعها ليشتري بثمنها طعاماً لأسرته المكونة من ستة أفراد.
أما حميد علوي، (39 عاماً)، نازح في صنعاء من محافظة حجة شمال اليمن، فيتحدث لـ "العربي الجديد" عن هذا العمل الذي تحول إلى مهنة كونها كانت خيارا أساسيا للنازحين في الداخل من المناطق التي تشهد حربا ومواجهات عسكرية إلى المناطق المستقرة، إذ لا تقبلهم أي جهة تجارية أو مهنية وحرفية للعمل فيها.
ويصل متوسط ما يحصل عليه حميد نحو (1500) ريال في اليوم (الدولار يساوي 590 ريالا) وهو مبلغ ضئيل للغاية، لكنه أفضل من العدم كما يقول حميد.
وهناك من يحصل على أقل من هذا المبلغ مثل عبد القوي الشاعر، الذي بالكاد يستطيع جمع كمية تصل تكلفتها إلى نحو 800 ريال وفي بعض الأحيان تصل إلى ألف ريال.
ويوضح الشاعر في حديثة لـ "العربي الجديد"، أن الورش العاملة في إعادة التدوير تشتري منهم هذه المواد بسعر 70 ريالا فقط للكيلو غرام منها.
هذه هي الصورة في صنعاء وعدن وتعز وعدد من المدن والمناطق اليمنية التي ألحقت بها الحرب أضرارا بالغة.
وحسب تقارير رسمية، فقد نحو مليون موظف مدني يعيلون نحو 6 ملايين فرد رواتبهم منذ ثلاث سنوات، كما وجد نحو 1.5 مليون عامل في الشركات والقطاع الخاص أنفسهم فجأة على رصيف البطالة مع توقف الكثير من الأعمال وتسريح عدد كبير من العاملين، الأمر الذي فاقم نسب الفقر والبطالة في اليمن وخلق أكبر أزمة إنسانية في العالم، حسب تصنيف الأمم المتحدة.
في هذا الخصوص، توجد في اليمن ثلاثة مصانع كبيرة فقط في إعادة التدوير، اثنان منها في عدن جنوب اليمن ومصنع تم إنشاؤه مؤخراً في صنعاء (شمالاً).
ويؤكد جمال قايد، تاجر خردة ومالك ورشة للمواد المعدنية والبلاستيكية، أن هناك توسعا كبيرا وانتشارا لهذا النوع من الأعمال بالتوازي مع محدودية رؤوس الأموال المستثمرة والعاملة في هذا الجانب، إضافة إلى نقص كبير في الآلات والمعدات والمواد المستخدمة في إعادة التدوير وصقل المواد المعدنية والبلاستيكية.
ويعمل في صنعاء نحو 700 مشغل لكبس المعادن وفرم البلاستيك، ونفس العدد في عدن ومختلف المناطق اليمنية، لكن العاصمة المؤقتة لا تزال كما يقول قايد لـ"العربي الجديد"، المركز الرئيسي في استقطاب أغلب الكميات المجمعة من المواد البلاستيكية والمعدنية.
ويعاني اليمن من صراع عسكري خلق موجة نزوح داخلية كبيرة، إذ تقدر الأمم المتحدة من فقدوا مصدر رزقهم بنحو 17 مليون يمني، أصبحوا ضمن نطاق الفقر في البلاد وبحاجة ماسة للمساعدات الإغاثية.
ومع ارتفاع أعداد العاملين في هذا المجال، قامت منظمات أهلية بتصميم وتنفيذ برامج تأهيل وتدريب وتمويل لهذه النوعية من المشاريع الصغيرة تمهيدا لتحويلها إلى ورش كبيرة لإعادة التدوير لمخلفات البلاستيك والمواد المعدنية، حسب شادي الحدقي، مسؤول في منظمة عدن الأهلية العاملة في التنمية البشرية والمساعدات الإغاثية.
ويفسر الحدقي في حديثة لـ "العربي الجديد" أن الكثير من الناس فقدوا أعمالهم ووظائفهم بسبب الحرب ومنهم من تشرد من بيته ومنطقته وأصبح بلا عائل وبلا دخل، وأفضل وسيلة لمساعدتهم الأخذ بيدهم ومساعدتهم على الاندماج في الحياة الجديدة القاسية التي أجبروا عليها وتأهيلهم لاكتساب مهنة أو حرفة معينة.
ويتفق مراد منصور، الباحث الاقتصادي، مع هذا الطرح في عملية التأهيل والتدريب وتمويل مشاريع خاصة بإعادة التدوير.
وأكد منصور لـ "العربي الجديد"، أن مثل هذه المهن عرضة للابتزاز وشراء المواد منهم بثمن بخس وتبديد مجهودهم الشاق.