ازدادت في السنوات الماضية أسعار العقارات في مصر بشكل مبالغ فيه، في الوقت الذي اتجه تركيز الدولة ومؤسساتها لقطاع العقارات والاستثمار العقاري والسياحي، بجانب دخول القوات المسلحة بقوة إلى هذا المجال، وأصبح هذا النوع من الاستثمار هو الشغل الشاغل للحكومة، وكثيرا ما نلاحظ أن الدولة هي التي تضارب في العقارات وتنافس القطاع الخاص، بل وأحيانا تزايد عليه في ذلك المجال.
بعض التحليلات الاقتصادية تحذر من اقتراب حدوث فقاعة عقارية في مصر، في حين أن الردود الحكومية والمطبوعات الاقتصادية القريبة من دوائر السلطة تنفي حدوث ذلك مطلقا، بالإضافة إلى التهم الجاهزة لمواجهة أي نقاشات مثل الأخبار الكاذبة وزعزعة الاستقرار.
ولمحاولة فهم وتحليل ما يحدث في السوق العقاري في مصر يجب أولا التعرض لبعض النقاط، فبداية يجب تعريف ما هي "الفقاعة العقارية" ولماذا تحدث وكيف تحدث وما هي نتائجها وكيف يمكن تجنبها؟
الفقاعة والمضاربات
يمكن القول إن الفقاعة العقارية تحدث عندما تزداد أسعار العقارات زيادة مضطردة بناءً على زيادة الطلب ومحدودية العرض، وتحدث كذلك بسبب المضاربات على العقارات أو الاعتماد على القروض بشكل أساسي، وفي أحيان أخرى يكون العرض أقل من الطلب ثم يبدأ العرض في الازدياد ويبدأ المضاربون في رفع الأسعار نتيجة زيادة الطلب، أو تحدث تدخلات جشعة أو غير مدروسة، ثم يبدأ التشبع والاستقرار إلى أن يحدث الهبوط الحاد والمفاجئ في الأسعار.
هناك دراسات عديدة تتحدث عن أسباب الفقاعات العقارية، لكن أيضا هناك من يقول إنه مع استقرار الاقتصاد وارتفاع معدلات النمو يزداد الطلب على العقارات بشكل تراتبي، ثم تقوم البنوك بتسهيل القروض العقارية فيصبح بعض الأفراد والشركات أكثر ميلا لاتخاذ قرارات غير مدروسة بالاستثمار العقاري والمضاربة عن طريق الاقتراض، ثم إعادة البيع قبل سداد القرض والحصول على مكسب وهمي.
وتزداد الأسعار بشكل مبالغ فيه بسبب زيادة الطلب على عقارات جديدة، ما يتسبب في حدوث تلك الفقاعة بعد العجز عن السداد، فيحدث إحجام مرة أخرى عن الشراء، فتنهار الأسواق العقارية ويخسر البعض منازلهم ومدخراتهم، ويؤثر ذلك على الاقتصاد ككل نتيجة اتساع دائرة التأثر والتأثير في القطاع العقاري، مثل القطاع المصرفي والبورصة وكل المهن المرتبطة بقطاع العقارات.
وتكمن المشكلة الرئيسية في صعوبة التنبؤ بالفقاعة قبل حدوثها، ويطلق عليها اسم فقاعة لأنها تنفجر فجأة، ولا يتم اكتشاف وجودها إلا بعد حدوثها بالفعل، وغالبا ما تكون المؤشرات تتحدث عن قوة الاقتصاد وصلابة الأرقام قبل حدوث الفقاعة.
وفي الوقت الحالي تلاحظ زيادة الأسعار رغم زيادة المعروض في الوقت نفسه، ما أدى إلى انخفاض الطلب مرة أخرى والبطء في الشراء هذا العام بشكل طفيف، وهو ما دفع المستثمرين إلى تقديم تنازلات أكبر عن طريق تقليل المقدم المطلوب وزيادة فترات السداد والتقسيط.
مصر ليست أميركا
ورغم ذلك، فهناك نفي رسمي وشبه رسمي لإمكانية حدوث فقاعة عقارية في مصر، فسوق العقارات لا يعتمد بالأساس على القروض البنكية كما كان الحال في الولايات المتحدة إبان الأزمة الشهيرة عام 2008، فشراء العقارات في مصر يعتمد بنسبة أكبر على المدخرات الفردية والعائلية أو التمويل الذاتي وليس على القروض البنكية، كما أن نسبة المضاربة لا تذكر.
بالإضافة إلى أن زيادة الأسعار في سوق العقارات بهذا الشكل ترتبط بارتفاع أسعار الأراضي المطروحة للبيع ومواد البناء والوقود والرواتب والعمالة، وكذلك كل ما ترتب على تحرير سعر الصرف في نوفمبر 2016، فليست هناك زيادة مبالغ فيها أو ناتجة عن مضاربات وقروض بنكية كما حدث في الولايات المتحدة ودبي، وربما يحدث تباطؤ في حركة إعادة بيع العقارات ولكن ليس هبوطا أو فقاعة كما يتوقع المتشائمون.
أما الفريق المتخوف من إمكانية حدوث الفقاعة فينقسم إلى عدة آراء ودرجات في التخوف أو التحفظات، فهناك فريق يرى أن ما يحدث منذ سنوات من اعتماد الاقتصاد المصري على الاستثمار العقاري والسياحي بشكل أساسي، سيقود حتما إلى حالة من الهبوط الحاد والانهيار الاقتصادي بعد وصول السوق لدرجة التشبع وزيادة العرض عن الطلب، وهو ما سيؤدي بدوره إلى الخسارة على عدة مستويات، فهناك شركات المقاولات التي سوف تفلس وتغلق أبوابها بسبب العجز عن دفع القروض البنكية.
كما سيتم تسريح مئات الآلاف من العمال والفنيين والمهندسين العاملين في مجالات التشييد والبناء، بالإضافة لخسارة العديد من الأفراد والأسر لاستثماراتهم الصغيرة بعد الانخفاض الحاد في أسعار العقارات بعد الانفجار المفاجئ للفقاعة.
وهناك آراء أقل تشاؤما، ترى أن مصر مقدمة على فقاعة عقارية، لكنها تختلف عن تلك التي حدثت في الولايات المتحدة ودبي عامي 2007 و2008، فقطاع الإنشاءات والعقارات في مصر يعتمد على التمويل الذاتي وليس على القروض البنكية في المقام الأول، ولا يعتمد بنسبة كبيرة على المضاربة في البورصة، ولذلك فزيادة أسعار العقارات لها ما يبررها بسبب ارتفاع أسعار الخامات والوقود والأراضي المطروحة للبيع.
التشبع قادم
لكن بسبب ارتفاع الأسعار والمبالغة بسبب ارتفاع العرض عن الطلب، وبسبب التوسع في إقامة المدن الجديدة وزيادة المطروح نتيجة لذلك، فستكون هناك نقطة من التشبع يتبعها تباطؤ وصعوبة في إعادة البيع، مع استقرار في الأسعار أو هبوط بشكل طفيف وليس حادا.
وقد تتبع ذلك خسارة طفيفة للمستثمرين الصغار والعائلات والأفراد العاملين في قطاع الاستثمار العقاري، بسبب صعوبة إعادة البيع وتشبع السوق لعدة سنوات، فقطاع العقارات يعتبر هو الوسيلة أو الوعاء الأكثر أمانا للاستثمار والادخار والمحافظة على قيمة المدخرات، في ظل تذبذب الأسواق وأسعار الذهب وتدني الفائدة على الادخار في البنوك والتي تراوح ما بين 6% و10%، لكن بشكل عام لا يرى هذا الفريق أن الخسارة المُحتملة ستكون خسارة ضخمة أو واسعة إن حدث ذلك الكساد أو انفجرت الفقاعة.
كذلك الحديث عن تلك الأخبار التي تواترت في بداية العام الحالي وتم نشرها في بعض الصحف المصرية، حول بداية تحفظ البنوك على قرارات إعطاء القروض للشركات العقارية، خاصة "للكومباوندات"، خوفا من التعثر في السداد في حالة حدوث تباطؤ للسوق. ففي بداية عام 2018 تم فرض شروط أكثر من شروط عام 2008، خاصة بعد زيادة التسهيلات والقروض الممنوحة لشركات التنمية العقارية منذ عام 2013 حتى نهاية 2017.
كما لوحظ أيضا التشدد في شروط منح القروض للأفراد لتمويل شراء وحدات سكنية للأسباب نفسها، وهو ما اعتبره البعض إجراءات احترازية تعكس وجود بعض القلق لدى المسؤولين عن السياسات الاقتصادية من إمكانية حدوث فقاعة عقارية إن تم التوسع في إقراض الشركات الاستثمارية الكبرى التي تعمل في مجالات الإنشاءات والاستثمار العقاري.
الأكثر أمانا للاستثمار
لكن بشكل عام سيظل الاستثمار العقاري هو الشكل الأكثر قبولا وأمانا للاستثمار، بالنسبة للأسرة، وكذلك بالنسبة للمصريين بالخارج بهدف حماية أموالهم من آثار التضخم وتآكل المدخرات، وهناك كذلك إقبال ملحوظ للاستثمارات الخليجية للعمل في المجال العقاري والسياحي في مصر.
لكن إن كان هذا من دواعي الطمأنينة والتفاؤل من قبل السلطة وواضعي السياسات الاقتصادية، فإنه في المقابل مقلق للكثير من خبراء الاقتصاد، لأسباب لها وجاهتها، فخطر الفقاعة العقارية قائم للأسباب نفسها التي تسوقها السلطة للتفاؤل، لكن الابتعاد عن الخطر يتطلب وجود بدائل أخرى، مثل إشراك القطاع الخاص في المشروعات الموجهة للإسكان المتوسط وإسكان محدودي الدخل، بجانب أن تكون الدولة هي الضابط للسوق وليس المضارب كما هو الحال الآن.
تبقى النقطة الأهم من وجهة نظري، وهي أن الاستثمار العقاري والسياحي قد يدعم النمو الاقتصادي ويساعد على تدفق رؤوس الأموال وتوفير نسبة من فرص العمالة المرتبطة بتلك المشروعات، لكن الانهيار سيكون مؤلماً لقطاعات عديدة، خصوصا في ظل عدم وجود بدائل أخرى في مصر.
كما أن النمو الاقتصادي، إن تحقق رغم كل هذا الاحتكار والفساد والفشل الإداري، لا يعني التنمية والنهضة، فهذا له متطلبات أخرى لتحقيقه، مثل تنمية الفرد والاهتمام بالتعليم والبحث العلمي، والاهتمام بالإنتاج والتصنيع والزراعة، وقبل ذلك كله تحقيق العدل، فالتنمية والنهضة لا يتحققان بالتوسع في بناء تلك الغابات الإسمنتية القبيحة.