الغلاء المعيشي الجامح الذي طاول أسعارالسلع الاستهلاكية كافة في السودان، أجبر بعض الأسر، وبخاصة محدودة الدخل، على تقليص عدد الوجبات الغذائية اليومية من ثلاث إلى اثنتين فقط عند الفطور والغداء، وإسقاط العشاء من قائمة الميزانية، بينما تكتفي بعض الأسر بوجبة واحدة في اليوم، وأخرى تعتمد في غذائها على الخبز الجاف الذي تمده بها المخابز والأسر الميسورة.
محمد عبدالغني، موظف في أحد دواوين الحكومة ومن محدودي الدخل، اضطرته ظروفه الاقتصادية وغلاء المعيشة والتزاماته تجاه أسرته المكونة من 5 أطفال في مراحل تعليمية مختلفة، إلى تقليل مشترياته من السلع الغذائية الضرورية ووقف شراء الكماليات.
عبدالغني شكا لـ"العربي الجديد" من عدم تناسب دخله مع تكاليف معيشته، وقال إن نفقات أسرته اليومية قفزت من 200 جنيه إلى 300، ومع ذلك فهي لا تغطي كافة الاحتياجات البسيطة الخالية من الرفاهية. وقال إن الأسواق مكتظة بالسلع المحلية والمستوردة، لكن يصعب شراؤها، محذراً من أن استمرار الركود سيقود إلى انهيار اقتصادي.
الصحافي محمد عبدالحميد بات يضطر إلى خفض قائمة مصروفه اليومي وتقليص الأولويات لاعتبارات بررها لـ"العربي الجديد" بارتفاع الأسعار والخدمات بنسب تصل إلى نحو 200% في ظل ثبات المرتب من دون زيادة. في السياق، أشار إلى أن عبوة 36 قطعة بسكويت الشاي ارتفع سعرها من 75 جنيهاً إلى 130.
اقــرأ أيضاً
يسعى عبدالحميد إلى إيجاد مصدر دخل إضافي لتعويض فارق الأسعار، في مقابل تقليص نفقاته الشهرية، وهو أمر يرى أنه لن يجدي في ظل عدم استقرار الأسعار واستمرار ارتفاعها.
عبدالحميد يلخص قائلاً إن "الأمر بات يحتاج إلى تكافل أكبر ومساندة على مستوى الأسر الكبيرة، لضمان توفير لقمة العيش".
التاجر إدريس العوض شكا لـ"العربي الجديد" من تراجع القوة الشرائية واكتفاء عدد كبير من الأسر بشراء الضروريات، وقال إن هذا الوضع أحدث ركودا حادا وشح سيولة في أيدي التجار، لافتا إلى زيادة معروض السلع بشكل مضاعف مقارنة بالطلب عليها، وقال إن وقف استيراد السلع ورهنه بموافقة مكتوبة من بنك السودان المركزي أحدث زيادة كبيرة في الأسعار، وأدى إلى تراجع المنافسة.
وحصر التاجر الحسن السر إبراهيم، أسباب الغلاء بنقاط عدة أجملها في قلة الإنتاج المحلي وانخفاض قيمة الجنيه السوداني مقابل الدولار وتراجع تحويلات المغتربين وانعدام الصادرات المحلية لجلب الدولار من الخارج وفشل السياسات الاقتصادية المتبعة آنيا، وقال لـ"العربي الجديد" إنه ما لم تحل هذه المشكلات فإن الغلاء سيستمر وسيضطر التجار للجوء إلى مهن بديلة بسبب الركود.
البرنامج الحكومي لموازنة العام المالي الحالي أسهم كثيراً في مفاقمة أزمة الغلاء، بزيادته الرسوم والدولار الجمركي الذي رفع تلقائيا أسعار كافة السلع الاستهلاكية المستوردة، كما أن زيادة السعر التأشيري للدولار وزيادة رسوم الخدمات، وغيرها من الإجراءات الاقتصادية التي أقرها البرنامج لا تزال آثارها السالبة تطغى على الشارع السوداني وعلى الأسواق، عبر إحداث ارتفاع متواتر في أسعار السلع الاستهلاكية عزز موقفها ضعف رقابة الجهات المختصة على الأسواق وسيادة الركود الحاد في حركتي البيع والشراء.
مراقبون وصفوا لـ"العربي الجديد" المعالجات التي تنتهجها الحكومة للسيطرة على غلاء المعيشة من خلال افتتاح أسواق ومنافذ بيع مخفضة وتعاونيات بالمؤسسات والوحدات الحكومية، بأنها ضعيفة ولا تسهم في حل المشكلة جذريا.
اقــرأ أيضاً
وفي الوقت ذاته، تسببت زيادة معدل التضخم في فبراير/ شباط المنصرم إلى 54,34% في زيادة أسعار الغذاء، بعدما تراجع الجنيه السوداني إلى مستويات قياسية منخفضة في السوق السوداء في الأشهر الماضية، الأمر الذي دفع البنك المركزي إلى إجراء خفض حاد في قيمة العملة مرتين منذ بداية العام، ليتراجع سعر الصرف الرسمي التأشيري من 6.7 جنيهات إلى 29 جنيها مقابل الدولار.
المدير العام للجهاز المركزي للإحصاء، كرم الله عبدالرحمن، وفي مؤتمره الصحافي الأخير، أرجع ارتفاع التضخم في يناير/ كانون الثاني المنصرم إلى النسبة القياسية 52.37%، إلى الإجراءات الاقتصادية التي طبقتها الحكومة في يناير/ كانون الثاني الماضي.
ونبه إلى أن "هذه أعلى نسبة يسجلها معدل التضخم خلال السنوات الأخيرة"، لافتا الى أن مجموعة الأغذية والمشروبات هي الأكثر تأثيراً على معدل التضخم، إذ بلغت نسبة تأثيرها 56.21% بسبب ارتفاع أسعار الخبز والسكر والشاي والزيوت.
نتائج المسح القومي لميزانية الأسرة والفقر لعامي 2014 و2015، والتي أجراها الجهاز المركزي للإحصاء التابع لمجلس الوزراء، حددت خط الفقر الغذائي بقيمة سلة الغذاء التي تحقق الاحتياجات الأساسية للفرد من السعرات الحرارية، استناداً إلى إحصاءات منظمة "فاو" بمقدار 2110 سعرات حرارية للفرد في اليوم الواحد.
دراسة أعدها المجلس الأعلى للأجور أواخر العام المنصرم كشفت أن تكلفة المعيشة لخمسة أشخاص تبلغ 5800 جنيه شهرياً لتوفير78 سلعة، وأشارت إلى أن التكلفة السنوية لأسرة مكوّنه من 5 أشخاص تبلغ 67 ألف جنيه سوداني.
وكان رئيس اتحاد نقابات عمال السودان يوسف علي عبدالكريم، أشار في الاجتماع الأخير للجنة المركزية للاتحاد، إلى جهود يبذلها الاتحاد لمعالجة أوضاع العاملين، عبر طرح عدد من المشروعات وتحسين الأجور، بما يتماشى مع الغلاء المعيشي وتصاعد أسعار السلع الضرورية.
اقــرأ أيضاً
ولخص عبدالكريم المعالجات في زيادة كمية سلع سلة قوت العامل وزيادة رأسمال بنك العمال ولفت لإتفاق الاتحاد مع جهات داخلية وخارجية، مثل تركيا، لتوفير قوت العاملين عبر شركة "باسقات" وتعميمها لكل الولايات بأسعار زهيدة.
كما أشار إلى تفاهمات مع وزارة المالية للوصول إلى تسعيرة مناسبة للسلع تقل كثيرا عن أسعار السوق، وبرر مضي الاتحاد في معالجة قضية الغلاء المعيشي بعدم قدرة الحكومة على توصيل الرواتب إلى مستوي تكلفة المعيشة.
أما الخبير الإحصائي والمحلل الأكاديمي عبدالله الرمادي، فقد قال لـ"العربي الجديد" إن مشكلة الاقتصاد تكمن في ارتفاع معدلات التضخم، التي قال إنها نتاج لارتفاع معدل الإنفاق الحكومي المترهّل وانخفاض القوى الشرائية للجنيه، والذي يرفع بدوره معدل الأسعار العامة في كافة السلع، ومن ضمنها الدولار، مشيراً إلى خطأ الظن الحكومي (المالية وبنك السودان المركزي) بتبرير ارتفاع التضخم بأنه نتاج زيادة حجم الكتلة النقدية في الاقتصاد.
عبدالغني شكا لـ"العربي الجديد" من عدم تناسب دخله مع تكاليف معيشته، وقال إن نفقات أسرته اليومية قفزت من 200 جنيه إلى 300، ومع ذلك فهي لا تغطي كافة الاحتياجات البسيطة الخالية من الرفاهية. وقال إن الأسواق مكتظة بالسلع المحلية والمستوردة، لكن يصعب شراؤها، محذراً من أن استمرار الركود سيقود إلى انهيار اقتصادي.
الصحافي محمد عبدالحميد بات يضطر إلى خفض قائمة مصروفه اليومي وتقليص الأولويات لاعتبارات بررها لـ"العربي الجديد" بارتفاع الأسعار والخدمات بنسب تصل إلى نحو 200% في ظل ثبات المرتب من دون زيادة. في السياق، أشار إلى أن عبوة 36 قطعة بسكويت الشاي ارتفع سعرها من 75 جنيهاً إلى 130.
يسعى عبدالحميد إلى إيجاد مصدر دخل إضافي لتعويض فارق الأسعار، في مقابل تقليص نفقاته الشهرية، وهو أمر يرى أنه لن يجدي في ظل عدم استقرار الأسعار واستمرار ارتفاعها.
عبدالحميد يلخص قائلاً إن "الأمر بات يحتاج إلى تكافل أكبر ومساندة على مستوى الأسر الكبيرة، لضمان توفير لقمة العيش".
التاجر إدريس العوض شكا لـ"العربي الجديد" من تراجع القوة الشرائية واكتفاء عدد كبير من الأسر بشراء الضروريات، وقال إن هذا الوضع أحدث ركودا حادا وشح سيولة في أيدي التجار، لافتا إلى زيادة معروض السلع بشكل مضاعف مقارنة بالطلب عليها، وقال إن وقف استيراد السلع ورهنه بموافقة مكتوبة من بنك السودان المركزي أحدث زيادة كبيرة في الأسعار، وأدى إلى تراجع المنافسة.
وحصر التاجر الحسن السر إبراهيم، أسباب الغلاء بنقاط عدة أجملها في قلة الإنتاج المحلي وانخفاض قيمة الجنيه السوداني مقابل الدولار وتراجع تحويلات المغتربين وانعدام الصادرات المحلية لجلب الدولار من الخارج وفشل السياسات الاقتصادية المتبعة آنيا، وقال لـ"العربي الجديد" إنه ما لم تحل هذه المشكلات فإن الغلاء سيستمر وسيضطر التجار للجوء إلى مهن بديلة بسبب الركود.
البرنامج الحكومي لموازنة العام المالي الحالي أسهم كثيراً في مفاقمة أزمة الغلاء، بزيادته الرسوم والدولار الجمركي الذي رفع تلقائيا أسعار كافة السلع الاستهلاكية المستوردة، كما أن زيادة السعر التأشيري للدولار وزيادة رسوم الخدمات، وغيرها من الإجراءات الاقتصادية التي أقرها البرنامج لا تزال آثارها السالبة تطغى على الشارع السوداني وعلى الأسواق، عبر إحداث ارتفاع متواتر في أسعار السلع الاستهلاكية عزز موقفها ضعف رقابة الجهات المختصة على الأسواق وسيادة الركود الحاد في حركتي البيع والشراء.
مراقبون وصفوا لـ"العربي الجديد" المعالجات التي تنتهجها الحكومة للسيطرة على غلاء المعيشة من خلال افتتاح أسواق ومنافذ بيع مخفضة وتعاونيات بالمؤسسات والوحدات الحكومية، بأنها ضعيفة ولا تسهم في حل المشكلة جذريا.
وفي الوقت ذاته، تسببت زيادة معدل التضخم في فبراير/ شباط المنصرم إلى 54,34% في زيادة أسعار الغذاء، بعدما تراجع الجنيه السوداني إلى مستويات قياسية منخفضة في السوق السوداء في الأشهر الماضية، الأمر الذي دفع البنك المركزي إلى إجراء خفض حاد في قيمة العملة مرتين منذ بداية العام، ليتراجع سعر الصرف الرسمي التأشيري من 6.7 جنيهات إلى 29 جنيها مقابل الدولار.
المدير العام للجهاز المركزي للإحصاء، كرم الله عبدالرحمن، وفي مؤتمره الصحافي الأخير، أرجع ارتفاع التضخم في يناير/ كانون الثاني المنصرم إلى النسبة القياسية 52.37%، إلى الإجراءات الاقتصادية التي طبقتها الحكومة في يناير/ كانون الثاني الماضي.
ونبه إلى أن "هذه أعلى نسبة يسجلها معدل التضخم خلال السنوات الأخيرة"، لافتا الى أن مجموعة الأغذية والمشروبات هي الأكثر تأثيراً على معدل التضخم، إذ بلغت نسبة تأثيرها 56.21% بسبب ارتفاع أسعار الخبز والسكر والشاي والزيوت.
نتائج المسح القومي لميزانية الأسرة والفقر لعامي 2014 و2015، والتي أجراها الجهاز المركزي للإحصاء التابع لمجلس الوزراء، حددت خط الفقر الغذائي بقيمة سلة الغذاء التي تحقق الاحتياجات الأساسية للفرد من السعرات الحرارية، استناداً إلى إحصاءات منظمة "فاو" بمقدار 2110 سعرات حرارية للفرد في اليوم الواحد.
دراسة أعدها المجلس الأعلى للأجور أواخر العام المنصرم كشفت أن تكلفة المعيشة لخمسة أشخاص تبلغ 5800 جنيه شهرياً لتوفير78 سلعة، وأشارت إلى أن التكلفة السنوية لأسرة مكوّنه من 5 أشخاص تبلغ 67 ألف جنيه سوداني.
وكان رئيس اتحاد نقابات عمال السودان يوسف علي عبدالكريم، أشار في الاجتماع الأخير للجنة المركزية للاتحاد، إلى جهود يبذلها الاتحاد لمعالجة أوضاع العاملين، عبر طرح عدد من المشروعات وتحسين الأجور، بما يتماشى مع الغلاء المعيشي وتصاعد أسعار السلع الضرورية.
ولخص عبدالكريم المعالجات في زيادة كمية سلع سلة قوت العامل وزيادة رأسمال بنك العمال ولفت لإتفاق الاتحاد مع جهات داخلية وخارجية، مثل تركيا، لتوفير قوت العاملين عبر شركة "باسقات" وتعميمها لكل الولايات بأسعار زهيدة.
كما أشار إلى تفاهمات مع وزارة المالية للوصول إلى تسعيرة مناسبة للسلع تقل كثيرا عن أسعار السوق، وبرر مضي الاتحاد في معالجة قضية الغلاء المعيشي بعدم قدرة الحكومة على توصيل الرواتب إلى مستوي تكلفة المعيشة.
أما الخبير الإحصائي والمحلل الأكاديمي عبدالله الرمادي، فقد قال لـ"العربي الجديد" إن مشكلة الاقتصاد تكمن في ارتفاع معدلات التضخم، التي قال إنها نتاج لارتفاع معدل الإنفاق الحكومي المترهّل وانخفاض القوى الشرائية للجنيه، والذي يرفع بدوره معدل الأسعار العامة في كافة السلع، ومن ضمنها الدولار، مشيراً إلى خطأ الظن الحكومي (المالية وبنك السودان المركزي) بتبرير ارتفاع التضخم بأنه نتاج زيادة حجم الكتلة النقدية في الاقتصاد.