أقدمت الحكومة الأردنية، الأسبوع الماضي، على خفض أسعار الكهرباء إلى عدة قطاعات اقتصادية تشمل مجالات إنتاجية وتجارية وخدمية، وسط ترقب لانعكاس هذا القرار على أسعار السلع والخدمات في الأردن، إلا أن جمعية حماية المستهلك ترى أن المستثمرين وحدهم هم من يستفيدون من هذا الخفض، بينما لن يلمس المواطنون أثر ذلك، سواء من ناحية الأسعار أو جودة السلع والخدمات.
ويسترجع الاقتصاديون عدم استجابة تجار الملابس لقرار تخفيض الجمارك والضرائب على المنتجات المستوردة، العام الماضي 2015، حيث ظلت الأسعار في ارتفاع، ما اضطر الحكومة بعد دراسات للسوق إلى إلغاء القرار بعد عدة أشهر من اتخاذه.
في المقابل، يرى ممثلون لقطاعات اقتصادية مستفيدة من قرار خفض أسعار الكهرباء، أن خفض التعرفة على النحو الذي جاء من قبل الحكومة، لن يؤدي إلى انخفاض أسعار السلع والخدمات، كون التخفيض مسّ صناعات كبيرة، ولم يتم شمول الصناعات الصغيرة والمتوسطة.
وبحسب قرار مجلس الوزراء الأردني، تم تخفيض التعرفة الكهربائية على قطاع الصناعات التعدينية الاستخراجية من 264 فلسا لكل كيلو واط/ ساعة إلى 237 فلسا، بنسبة 10.2% بالنسبة للتزود النهاري. (الدينار يحوي ألف فلس).
كما تم تخفيض التعرفة على الصناعات الكبرى من 133 فلسا إلى 124، بنسبة 6.8%، ومن 266 فلسا إلى 256 فلسا بنسبة 3.8% للمشتركين الاعتياديين الذين يبلغ استهلاكهم ألف كيلو واط، ويشمل ذلك المباني العامة والمستشفيات والنوادي والجمعيات الخيرية.
وتقرر كذلك خفض تعرفة الكهرباء للقطاع التجاري بنسبة تتراوح بين 3.3% و7% حسب فترة التزود، وقطاع الاتصالات بنسبة 9% و10.5% تبعا لكمية الاستهلاك.
ويقول محمد عبيدات، رئيس الجمعية الوطنية لحماية المستهلك، إن القطاعات المستفيدة من قرار الحكومة خفض تعرفة الكهرباء، مطالبة بتخفيض أسعار سلعها وخدماتها، والتركيز أكثر على عناصر الجودة، لافتا إلى ضرورة انعكاس القرار على السوق، ما يصب في مصلحة تلك القطاعات ويرفع الطلب على منتجاتها.
ويضيف عبيدات، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أنه من خلال تجارب سابقة، فإن القطاع الخاص لا يتفاعل مع قرارات تخفيض الأسعار، والتي يبقي عليها مرتفعة بعكس مبادرات لرفع الأسعار مباشرة عند ارتفاعها.
ويتابع أنه على الحكومة، خاصة الجهات الرقابية، إجراء دراسات للكلف التشغيلية للقطاعات الاقتصادية وتحديد مدى انعكاس انخفاض تعرفة الكهرباء على أسعار السلع والخدمات المباعة في السوق.
ويقول رئيس الجمعية الوطنية لحماية المستهلك "العديد من القرارات التي اتخذتها الحكومة كانت تصب في صالح القطاع الخاص، من دون حول أو قوة للمواطن الذي أصبح مجبراً فقط على توفير المداخيل المادية للاستمرار في المعيشة مع ثبات الدخل منذ سنوات".
ويشير إلى أنه لم يطرأ أي تغيير على الدخول، حتى أصبحت لا تغطي 60% من متطلبات الحياة المعيشية الأساسية والبسيطة للعيش الكريم.
ويضيف "ما نراه من حالات في الوضع الاقتصادي جاء نتيجة القرارات الارتجالية والعشوائية، غير المبنية على دراسات علمية ولا تأخذ ردود فعل المواطنين".
ويلفت عبيدات إلى أن للجمعية رصدا يوميا لأسعار مختلف السلع والخدمات، وتراقب عن كثب مدى التخفيض الذي سيطرأ على السلع والخدمات، وفي حال عدم وجود تخفيضات عليها، سيتم التعامل مع كل ملف بشكل منفصل، وصولا إلى إطلاع الرأي العام على نتائجه، واتخاذ الإجراءات اللازمة للحفاظ على حقوق ومكتسبات المستهلك وحمايته بكل السبل والطرق التي كفلها القانون.
وتزايد اعتماد الأردنيين على الاقتراض من البنوك والمؤسسات المالية لتلبية احتياجاتهم الأساسية، نتيجة ارتفاع تكاليف المعيشة وزيادة الأسعار التي شهدها الأردن، خلال السنوات الخمس الأخيرة، وثبات الأجور والرواتب، الأمر الذي أثقل المواطنين بأعباء إضافية.
ووفقاً لبيانات البنك المركزي الأردني المنشورة مؤخراً، فإن مديونية الأفراد ارتفعت لدى البنوك والمؤسسات المالية من 12.4 مليار دولار في نهاية عام 2014 إلى 13.67 مليار دولار، في نهاية عام 2015، وبنسبة نمو بلغت 10.5%.
في المقابل، يقول عيسى حيدر مراد، رئيس غرفة تجارة عمان، إن قرار خفض تعرفة الكهرباء إيجابي ويخدم القطاع التجاري ويحقق مطالبه بتخفيض كلف التشغيل وتعزيز تنافسيته، مشيرا إلى أن القرار جاء بعد مباحثات ما بين القطاعين العام والخاص.
ويضيف مراد، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "أسعار السلع في الأردن منخفضة حاليا وتباع غالبيتها بنسبة تقل بما يتراوح بين 20% و25% عن كلفها الحقيقية، بسبب تراجع المبيعات بشكل كبير منذ عدة أشهر".
ويشير إلى أن الظروف المحيطة بالأردن ساهمت في انخفاض أسعار السلع، حيث يتعذر حاليا التصدير وإعادة التصدير إلى دول أخرى بسبب إغلاق الحدود مع كل من العراق وسورية.
ويتابع أن هناك تكدساً في حجم البضائع داخل الأردن، بسبب تراجع القدرات الشرائية للمواطنين، وضعف الطلب على السلع، لافتاً إلى الركود في بعض القطاعات التجارية، مثل السيارات والأجهزة الكهربائية وغيرها.
ومن جانبه، يقول فتحي الجغبير، عضو غرفة صناعة عمان، إن تخفيض تعرفة الكهرباء على القطاع الصناعي شمل فقط الصناعات الاستخراجية، ولم يشمل الصناعات الصغيرة والمتوسطة، التي تشمل أكثر من 95% من إجمالي المنشآت العاملة في الصناعة في الأردن.
ويرى الجغبير، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن أسعار السلع الصناعية المنتجة محلياً لن تنخفض، كونها غير مشمولة بتخفيض تعرفة الكهرباء.
ويقول "على الحكومة إعادة النظر في أسعار الكهرباء على الصناعات الصغيرة والمتوسطة، التي تعاني من تحديات كبيرة وبعضها توقف عن العمل وأخرى في طريقها إلى الإغلاق".
ويرجح مصدر مسؤول في وزارة السياحة الأردنية، ألا تقوم الفنادق بتخفيض أسعارها بعد إعادة النظر في تعرفة الكهرباء، حيث ستبقى الأسعار كما هي الآن.
ويقول المصدر لـ"العربي الجديد" إن الحكومة اتخذت سابقاً قرارات مهمة لصالح القطاع السياحي، وخاصة المنشآت الفندقية، كتخفيض بدلات الإيواء (النزل) وغيرها، لكن لم ينعكس ذلك على الأسعار، معتبرا أن مثل هذه الإجراءات تخدم القطاع الخاص ولا يستفيد منها المواطن أو السائح.
وبحسب حسام عايش، الخبير الاقتصادي، فإن "تخفيض تعرفة الكهرباء بحد ذاته خطوة إيجابية ويعبر عن إدراك الحكومة حجم التحديات التي تعاني منها مختلف القطاعات الاقتصادية، ولكنه غير كاف لتحريك عجلة الاقتصاد وتخفيض أسعار السلع والخدمات في السوق المحلي".
ويقول عايش إن الأوضاع المعيشية في الأردن في تراجع مستمر منذ أكثر من 5 سنوات، حيث شهدت الأسعار ارتفاعاً كبيراً، قابلها ثبات الرواتب والأجور التي لم تطرأ عليها زيادات منذ عدة سنوات، ما أضعف القدرات الشرائية للمواطنين وارتفعت تبعا لذلك معدلات الفقر.
ويشير إلى أهمية أن تصاحب مثل هذه القرارات، إجراءات من قبل الجهات الرقابية ممثلة في وزارة الصناعة والتجارة، لقياس مدى انعكاس التخفيضات على الكهرباء والرسوم الأخرى على السوق، وفيما إذا استفاد منها المواطن أم لا.
ويقول إن هذه القرارات تبقى قاصرة عن تحقيق أهدافها ما لم تنعكس على السوق ويلمس أثرها المواطن، وتساهم في تنشيط الحركة التجارية وزيادة الإقبال على السلع والخدمات.
وأعلنت الحكومة مؤخراً عزمها اتخاذ مزيد من الإجراءات الهادفة إلى تطوير الوضع الاقتصادي، وتمكين الاقتصاد من مواجهة التحديات، حيث ينتظر اتخاذ قرار بتخفيض الضريبة العامة على المبيعات التي تبلغ حاليا 16% على كافة السلع، وكذلك تخفيض الرسوم الجمركية.