تواجه منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك) تحديات كبرى خلال الفترة المقبلة وسط زيادة كبيرة متوقعة في الانتاج العالمي من النفط وأحتمالات هبوط الاسعار بأكثر من 20% أو أكثر عن مستوياتها الحالية التي تتراوح بين 100 و110 دولارات لخام القياس البريطاني (برنت). وذلك حسب توقعات عدد من كبار خبراء النفط في العالم. وتشير توقعات هؤلاء الخبراء الى أن المعروض العالمي من النفط ربما يصل الى أكثر من 100 مليون برميل يومياً خلال السنوات المقبلة، مقابل معدل الاستهلاك عالمي من النفط ربما يتراوح بين 89 و90 مليون برميل يومياً.
ولاحظت البروفسور ميغان ال سوليفان استاذة الشؤون الدولية وجيوبوليتكس النفط في جامعة هارفارد الاميركية في دراسة صدرت أخيراً، أن معظم هذه الزيادة في المعروض النفطي ستأتي الى الاسواق من خارج دول منظمة "أوبك" ، كما لاحظت كذلك أن نسبة كبيرة من النفط ستنتج في الولايات المتحدة الاميركية بسبب ثورة النفط الصخري والثورة التقنية التي رفعت الانتاج من آبار النفط التقليدي. وبالتالي تقول سوليفان إن "أوبك" لن تستطيع في المستقبل السيطرة على الاسعار كما كانت تفعل في السابق. ويذكر أن منظمة" أوبك" وعلى رأسها السعودية كانت تتحكم في أسعار النفط عبر آلية العرض والطلب وبما تملكه السعودية من طاقة انتاج فائضة كانت تستخدمها عند الضرورة.
وعادة ما تقوم منظمة "أوبك" بتحديد حصص انتاج أعضائها وفقاً لآلية تحقق السعر الذي تستهدفه لبرميل النفط. وتلعب السعودية صاحبة أكبر طاقة انتاجية (12.6 مليون برميل يوميا) وصاحبة أكبر طاقة فائضة ( 2.6 مليون برميل يوميا) دور المنتج المرن في وزن الطلب والعرض بالسوق النفطي العالمي .فحينما تنخفض الاسعار عن السعر الذي تستهدفه "أوبك" لسعر برميل النفط تقوم السعودية بخفض الانتاج لتقلل المعروض النفطي حتى تسمح للاسعار بالارتفاع الى المستوى المستهدف. وحينما ترتفع الاسعار الى مستويات ربما تضر بالطلب في المستقبل تقوم السعودية بضخ المزيد من الانتاج في الاسواق. عبر هذه الالية كانت السعودية وشقيقاتها في "أوبك" تسيطر على أسعار النفط. ولكن الخبيرة سوليفان تقول إن الزيادة في المعروض النفطي مستقبلاً ستأتي من مصادر خارج " أوبك" لا تستطيع السعودية أو منظمة " أوبك" السيطرة عليها، مثلما كانت تفعل في السابق ، خاصة الانتاج النفطي الفائض الذي سيدخل سوق الامداد النفطي من الولايات المتحدة الاميركية. وبالتالي لن تتمكن منظمة" أوبك" في المستقبل من السيطرة على معادلة العرض والطلب كما كانت تحدد سعر النفط في السابق .
ويذكر أن سعر العقود الآجلة لمزيج النفط الخام برنت تراجع في بورصة لندن أمس الاثنين، في حين ارتفع الخام الأميركي قليلا في تعاملات متقلبة بعد بيانات ضيعفة بشأن القطاع الصناعي في الصين والاضطرابات السياسية في ليبيا. وانخفض خام برنت الى حوالى 106 دولارات للبرميل فيما سجل خام غرب تكساس، الخام الاميركي سعر 99.66 دولاراً للبرميل. وهو ما يعني أن اسواق الطاقة مرتاحة رغم الاضطراب السياسي الذي يملأ العالم وحالة المجهول التي تسيطر على مستقبل الصراع الغربي الروسي في أوكرانيا.
من جانبه يقول الخبير ليونارد موغيري الزميل بمعهد "بلفور انستتيوت" التابع لجامعة هارفارد الاميركية إن العالم مقبل على وفرة من النفط وسط الاستثمارات الضخمة في اكتشاف واستخراج النفط التي يقدرها مصرف "باركليز كابيتال" البريطاني بحوالى 500 مليار دولار في العام الماضي.
ويشير الخبير موغيري الذي يعمل كذلك في منصب كبير المدراء في شركة "ايني الايطالية" ومؤلف كتاب " ثورة النفط المقبلة"، الى أن العالم سيشهد زيادة كبيرة في المعروض النفطي خلال السنوات المقبلة وربما ترتفع طاقة الانتاج العالمية الى أكثر من مائة مليون برميل يومياً مقارنة مع طلب عالمي لن يرتفع كثيراً وسط انخفاض معدلات النمو في الاقتصادات الناشئة وعلى رأسها الصين. وهذا يعني أن الطاقة الفائضة ربما تصل الى حوالى 10 مللايين برميل يومياً أو ربما تصل الى 20 مليون برميل اذا استخدمت دول المنطقة العربية التقنيات الاميركية في زيادة الانتاج من الآبار النفطية القديمة.
ويشير موغيري في هذا الصدد الى عدة عوامل ستؤدي الى زيادة الطاقة الانتاجية أهمها. أولاً: الارتفاع الكبير في انتاج الولايات المتحدة من النفط التقليدي وغير التقليدي مثل النفط الصخري وسوائل الغاز والوقود العضوي. ويقدر موغيري أن يرتفع انتاج الولايات المتحدة من النفط بأنواعه المختلفة بمقدار 5 ملايين برميل يومياً الى 16 مليون برميل يومياً بحلول العام 2017. والعامل الثاني: ارتفاع انتاج النفط العراقي الى أكثر من 2.3 مليون برميل يومياً الى حوالى 3.5 مليون برميل يومياً خلال السنوات المقبلة. والعامل الثالث: احتمال عودة الاستقرار الى ليبيا التي تنتج حالياً حوالى 150 الف برميل يومياً فقط بسبب سيطرة العصابات المسلحة والمليشيات على آبار ومنشآت النفط وتمنع الشركات والحكومة المركزية في ليبيا من تسيير الصناعة النفطية. ومن المحتمل ان يرتفع انتاج النفط الليبي الى 1.63 مليون برميل يومياً مع عودة الاستقرار الى ليبيا، وهو المستوى الذي كانت تنتجه ليبيا قبل الثورة الليبية. أما العامل الرابع والاخير فهو الانفراجة الاخيرة في العلاقات الاميركية ـ الايرانية واحتمال نجاح مفاوضات " 5+1" الجارية في فييناغ بخصوص البرنامج النووي. واذا نجحت هذه المفاوضات، ولو جزئياً، فإن الحظر الاميركي والاوروبي على النفط الايراني سيرفع، وربما تتمكن ايران من تصدير حوالى 3.5 مليون برميل يومياً من النفط.