خففت المساعي والإجراءات التي سارعت الحكومة المغربية إلى اتحاذها بمدينة طنجة من موجة الاحتجاجات ضد غلاء فواتير الماء والكهرباء، غير أن انتقادات حادة ما زال يوجهها المستهلكون لشركات التدبير في مجال الماء والكهرباء والنظافة والنقل، بسبب عدم احترام بعض القواعد في الخدمات التي تقدمها، بل إن هناك من دعا إلى فك الارتباط مع هذه الشركات.
وتصاعدت الانتقادات حول مستقبل التدبير المفوض بالمغرب، على خلفية الاحتجاجات التي عرفتها مدينة طنجة ضد شركة " أمانديس" التي أُخذ عليها غلاء فواتير الماء والكهرباء، وفي هذا الإطار تباينت ردود الفعل حول أداء هذه الشركات بين جمعيات الأحياء، وحماية المستهلك والأحزاب والبرلمان، والحكومة، وتوزعت المواقف بين داعين لفسخ العقد الذي يربط المجلس المحلي بالشركة وبين قائل بصعوبة ذلك القرار.
وأنجزت شركات التدبير المفوض منذ بداية العمل بهذا النظام استثمارات تصل إلى 4.2 مليارات دولار، وتقدم خدماتها في مجالات توزيع الماء والكهرباء والنقل والنظافة في المغرب لـ 13.4 مليون شخص في ست وأربعين منطقة، وتتيح 35 ألف فرصة عمل.
وكان المجلس الأعلى للحسابات قد أعدّ تقريرا قبل عامين يؤكد فيه أن الاستثمارات التي التزمت بها الشركات لم تنجز إلا ضمن حدود تتراوح بين 20 و43%.
ورأى خبراء أن العلاقة مختلة بين تلك الشركات القوية والمجالس المحلية، التي لا تملك خبرة كبيرة في مجال التدبير المفوض، وتطرق آخرون إلى الغموض الذي يكتنف العقود المبرمة بين الطرفين.
وذهب فريق آخر إلى أن شركات التدبير المفوض تسعى لتوسيع هوامش أرباحها. فقد اعتبر عبد الصمد صدوق، رئيس جمعية محاربة الرشوة بالمغرب، خلال ندوة عقدت مؤخراً، حول موضوع التدبير المفوض، أن هوامش أرباح شركة "ليديك" بالدار البيضاء تصل إلى 17%.
وعندما مثل رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، في الأسبوع قبل الماضي، أمام البرلمان، كان مضطراً لتوضيح رأيه حول مستقبل التدبير المفوض بالمغرب، حيث شدد على أن العقود الدولية معقدة، وأن هذا النوع من العقود له أبعاد اقتصادية وسياسية وقانونية ويصعب فسخها دون تعويضات مالية يفترض الوفاء بها لتلك الشركات، قبل أن يتساءل حول من له القدرة على الحلول محلها بالمغرب، مشددا على أن المباحثات جارية من أجل إعادة النظر في بعض العقود.
اقرأ أيضاً: المغرب يراهن على الطاقة المتجددة لتقليل الاعتماد على الخارج
وانتقد رئيس المجلس الأعلى للحسابات، إدريس جطو، في عرض قدمه الأسبوع الماضي أمام لجنة المراقبة المالية بمجلس النواب، عدم المراجعة الدورية لعقود التدبير المفوض، مشددا على ضعف التتبع والمراقبة في تنفيذ العقود، خاصة في علاقتها مع تلك الشركات التي تتوفر على خبرة قوية.
هذا الرأي يشاطره المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، في تقرير نشر الأسبوع الماضي، حيث لاحظ أن مراجعة العقود التي يفترض أن تنجز كل خمس سنوات، لا تتم إلا بعد عشر سنوات أو أكثر، الأمر الذي يهدد التوازن المالي والاقتصادي للتدبير المفوض.
واعتبر جطو، أن الإدارات المحلية التي تفوت جزءا من تدبير خدماتها لشركات التدبير المفوض، تتحمل المسؤولية في الوضع الحالي، مشددا على أن تفويض تدبير بعض الخدمات مثل الماء والكهرباء والنظافة والنقل، لا يمكن أن يحقق الأهداف المرجوة، إلا إذا تم على قاعدة المنافسة بين عدد كبير من الشركات، التي لا يمكن أن يفوض لإحداها التدبير سوى على أساس موضوعي.
وذهب تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، إلى أن تفويض تدبير المرفق العمومي، الذي يختلف عن الخصخصة، ساهم في إحراز تقدم على مستوى تجهيزات البنيات التحتية، وتطوير الاستثمارات وتحسين جودة الخدمات المقدمة للمواطن.
غير أن التقرير يشير إلى أن هذه القطاعات تعاني من اختلالات ونقائص تتحمل مسؤوليتها الشركات المفوض إليها، بسبب عدم احترام دفاتر التحملات، كما أن ثمة العديد من حالات تنازع المصالح المتصلة بانتشار ظاهرة الشركات العمودي.
ووقف التقرير عند تحول لجنة تتبع عقود التدبير إلى لجنة ضعيفة، ذلك أنها لم تمارس بعض الصلاحيات المخولة لها على الوجه الكامل، خاصة في الجانب المتعلق بفحص مشاريع الصفقات والعقود والاتفاقيات التي يتعين توقيعها، بل إن تلك اللجنة تتخذ قراراتها بالاستناد إلى البيانات التي تقدمها الشركات دون تجشم عناء التأكد من صحتها سواء تعلق الأمر بالاستثمارات أو بالميزانيات أو المراجعات أو التعديلات التعريفية.
وأوصى المجلس بضرورة استفادة كل مواطن من المرافق العمومية بدون أن يعاقب أو يشعر بالدونية بسبب وضعه الاجتماعي أو بسبب مكان إقامته. وشدّد على ضرورة القيام بدراسات حول شكل التدبير الأنسب للمرفق العمومي، ووضع ميثاق للمرافق العمومية بما يحدد مبادئها والآليات الكفيلة باحترامها.
اقرأ أيضاً:
المغرب: احتجاجات بسبب غلاء الماء والكهرباء
المغرب: الاتحادات العمالية تلوّح بالتصعيد