أجمع أغلب المغتربين العائدين لقضاء عطلهم الصيفية في تونس، هذا العام، على أن ارتفاع الأسعار وكلفة المعيشة كان صادما بالنسبة لهم، مؤكدين على أن الغلاء فاق توقعاتهم وهو ما أثر على حجم نفقاتهم على امتداد هذه الفترة.
وعلى مدى السنوات التي تلت الثورة يناير/كانون الثاني لاحظ المغتربون العائدون إلى تونس تغيرا ملحوظا في كلفة المعيشة، غير أنه لم يبلغ مستوى التذمر الذي بلغه هذا العام.
ويعتبر المغتربون، العائدون من الدول الأوروبية خاصة، أن تطور حجم نفقاتهم المخصصة للعطلة يمكن أن يؤثر على المبالغ التي يخصصونها لبعض الاستثمارات، سواء في شراء العقارات أو تحسينات على مساكنهم وغيرها من النفقات التي تدخل ضمن أعمالهم الصيفية.
وتقول بثينة شقرون، المقيمة منذ أكثر من ثلاثين عاما في مدينة دوسلدورف الألمانية، إنها كانت تخصص مبلغ ألفي يورو تقريبا لقضاء عطلة أسبوعين مع أسرتها المتكونة من أربعة أفراد، معتبرة أن 1500 يورو (5 آلاف دينار) كانت كافية لقضاء أجمل العطل بمعدل إنفاق مرتفع يسمح لها بالإقامة في فنادق جيدة والتنقل وكل ما تتطلبه العطلة.
وتشير بثينة في حديثها مع "العربي الجديد" إلى أنها تجد هذا العام صعوبة في التحكم في نفقاتها، نتيجة ما لمسته من تضخم كبير في الأسعار، معربة عن استغرابها من طريقة التونسيين في إدارة مصاريفهم مقارنة بضعف الرواتب.
وتساءلت المتحدثة: "إذا كانت ألف يورو غير كافية لقضاء أسبوع فكيف لمن يحصل على راتب لا يتجاوز 400 دولار أن يواجه مصاريف شهر كامل؟"
وبحسب بيانات نشرها معهد الإحصاء الحكومي، مطلع الأسبوع الجاري، فقد وصلت نسبة التضخم خلال شهر يوليو/تموز الماضي إلى مستوى 5.6% لأول مرة منذ يونيو/حزيران 2015.
وأرجع المعهد هذا الارتفاع الذي يقدر بنحو 0.8 نقطة، إلى نسبة التضخم بعد استقرارها لشهرين على التوالي في مستوى 4.8%، إلى قرار الحكومة رفع أسعار المحروقات، مما نتج عنه ارتفاع نسبة التضخم في مجموعة النقل إلى 8% مقابل 6.1% خلال شهر يونيو/حزيران، إلى جانب رفع أسعار التبغ والسجائر لتصل نسبة التضخم في هذه المجموعة إلى 12.4% مقابل 0.2% خلال يونيو/حزيران.
كما أشار المعهد إلى الأثر الكبير لتأخير موعد التخفيضات الموسمية للملابس الصيفية بثلاثة أسابيع مقارنة بموعده السنة الماضية، على ارتفاع أسعار مجموعة الملابس التي سجلت نسبة تضخم في حدود 13.3% مقابل 9.3% خلال شهر يونيو/حزيران.
من جهة أخرى، تعود نسبة التضخم المسجلة خلال الشهر الماضي، إلى الزيادة المسجلة في أسعار مجموعة التغذية والمشروبات بنسبة 3.6% بسبب أسعار الزيوت الغذائية التي ارتفعت بنسبة 17.7%.
ولاحظ إلياس زروق، المقيم في سويسرا، تأثير ارتفاع كلفة المعيشة على سلوك التونسيين، مشيرا إلى أن تصرفات لم يكن يراها في تونس بات يلاحظها باستمرار في الأسواق والمساحات الكبرى خلال عطلته هذا العام.
ويقول الياس لـ "العربي الجديد"، إنه لم يتعود أن يرى التونسيين يشترون الخضر والفواكه بكميات صغيرة من المساحات الكبرى، نظرا لما كانت توفره الأسواق من إمكانيات لشراء هذه المواد بكميات كبيرة وأسعار معقولة، مشيرا إلى أن المشهد في تونس بات يقترب كثيرا من المشهد الأوروبي.
وأضاف الياس أن ضغوط المعيشة غيرت سريعا سلوكيات التونسيين، متوقعا تراجعا في مدخرات المغتربين في بلدهم في السنوات القادمة بسبب ارتفاع كلفة المعيشة وأيضا أسعار مختلف أنواع الخدمات، ما قد يحرم الاقتصاد المحلي من هذه العائدات المهمة ويحول وجهة المغتربين لقضاء عطلهم في بلدان أقل كلفة.
وتعد تحويلات المغتربين في هذه الفترة من الروافد المالية المهمة لإنعاش خزينة الدولة، فضلا عن استثماراتهم التي تسعى الحكومة إلى استقطابها والتي كانت محل اهتمام كبير من قبل رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، لدى افتتاحه الاجتماع السنوي للبعثات الدبلوماسية، حيث دعا ممثلي الدبلوماسية التونسية في المهجر إلى مزيد من الاعتناء بالمغتربين ورفع مساهمتهم في الاستثمار الوطني.
ومنذ التعويم الجزئي للدينار التونسي، برزت مخاوف الأوساط الاقتصادية من تداعياته السلبية على تحويلات المغتربين، ما دفع خبراء اقتصاد إلى مطالبة الحكومة بضرورة دعوة المصارف للتحرك سريعاً وتقديم امتيازات لتحفيز العاملين في الخارج على الاستثمار في تونس أو تحويل أموالهم عبر السوق الرسمية.
وقال الخبير الاقتصادي، محمد الجراية، لـ "العربي الجديد" إن المعروف في مثل هذه الأزمات أن المغتربين يحجمون عن تحويل أموالهم إلى تونس والتريث لمراقبة الوضع الاقتصادي، ولا سيما تطور سعر الصرف، في محاولة للاستفادة من انخفاض سعر العملة، أو اللجوء إلى السوق السوداء لإنجاز عمليات التحويل، وهو ما يعد خسارة للاقتصاد المحلي في كل الحالات.
ويشير الجراية، في تصريح سابق، إلى أن السوق السوداء تستفيد أكثر من المصارف في الأزمات وفترات انخفاض الدينار وهو ما يعمق مخاطر تنامي الاقتصاد الموازي الذي أتى على نحو 60% من النشاط الاقتصادي في البلاد.
ويحوّل التونسيون المقيمون خارج البلاد سنوياً أكثر من 4 مليارات دينار (1.6 مليار دولار)، حسب إحصائيات رسمية.
ويبلغ عدد التونسيين المقيمين في الخارج بشكل شرعي 1.2 مليون شخص، وفقاً لإحصائيات حكومية تعود إلى سنة 2012، وهو رقم لم يتطور كثيراً منذ التاريخ المذكور، بحسب مصدر في وزارة الخارجية لـ "العربي الجديد".
ويشهد المناخ الاستثماري بعد الثورة، تزايداً في عدد المبادرات والشركات الناشئة التي يقودها مغتربون تونسيون.
اقــرأ أيضاً
وعلى مدى السنوات التي تلت الثورة يناير/كانون الثاني لاحظ المغتربون العائدون إلى تونس تغيرا ملحوظا في كلفة المعيشة، غير أنه لم يبلغ مستوى التذمر الذي بلغه هذا العام.
ويعتبر المغتربون، العائدون من الدول الأوروبية خاصة، أن تطور حجم نفقاتهم المخصصة للعطلة يمكن أن يؤثر على المبالغ التي يخصصونها لبعض الاستثمارات، سواء في شراء العقارات أو تحسينات على مساكنهم وغيرها من النفقات التي تدخل ضمن أعمالهم الصيفية.
وتقول بثينة شقرون، المقيمة منذ أكثر من ثلاثين عاما في مدينة دوسلدورف الألمانية، إنها كانت تخصص مبلغ ألفي يورو تقريبا لقضاء عطلة أسبوعين مع أسرتها المتكونة من أربعة أفراد، معتبرة أن 1500 يورو (5 آلاف دينار) كانت كافية لقضاء أجمل العطل بمعدل إنفاق مرتفع يسمح لها بالإقامة في فنادق جيدة والتنقل وكل ما تتطلبه العطلة.
وتشير بثينة في حديثها مع "العربي الجديد" إلى أنها تجد هذا العام صعوبة في التحكم في نفقاتها، نتيجة ما لمسته من تضخم كبير في الأسعار، معربة عن استغرابها من طريقة التونسيين في إدارة مصاريفهم مقارنة بضعف الرواتب.
وتساءلت المتحدثة: "إذا كانت ألف يورو غير كافية لقضاء أسبوع فكيف لمن يحصل على راتب لا يتجاوز 400 دولار أن يواجه مصاريف شهر كامل؟"
وبحسب بيانات نشرها معهد الإحصاء الحكومي، مطلع الأسبوع الجاري، فقد وصلت نسبة التضخم خلال شهر يوليو/تموز الماضي إلى مستوى 5.6% لأول مرة منذ يونيو/حزيران 2015.
وأرجع المعهد هذا الارتفاع الذي يقدر بنحو 0.8 نقطة، إلى نسبة التضخم بعد استقرارها لشهرين على التوالي في مستوى 4.8%، إلى قرار الحكومة رفع أسعار المحروقات، مما نتج عنه ارتفاع نسبة التضخم في مجموعة النقل إلى 8% مقابل 6.1% خلال شهر يونيو/حزيران، إلى جانب رفع أسعار التبغ والسجائر لتصل نسبة التضخم في هذه المجموعة إلى 12.4% مقابل 0.2% خلال يونيو/حزيران.
كما أشار المعهد إلى الأثر الكبير لتأخير موعد التخفيضات الموسمية للملابس الصيفية بثلاثة أسابيع مقارنة بموعده السنة الماضية، على ارتفاع أسعار مجموعة الملابس التي سجلت نسبة تضخم في حدود 13.3% مقابل 9.3% خلال شهر يونيو/حزيران.
من جهة أخرى، تعود نسبة التضخم المسجلة خلال الشهر الماضي، إلى الزيادة المسجلة في أسعار مجموعة التغذية والمشروبات بنسبة 3.6% بسبب أسعار الزيوت الغذائية التي ارتفعت بنسبة 17.7%.
ولاحظ إلياس زروق، المقيم في سويسرا، تأثير ارتفاع كلفة المعيشة على سلوك التونسيين، مشيرا إلى أن تصرفات لم يكن يراها في تونس بات يلاحظها باستمرار في الأسواق والمساحات الكبرى خلال عطلته هذا العام.
ويقول الياس لـ "العربي الجديد"، إنه لم يتعود أن يرى التونسيين يشترون الخضر والفواكه بكميات صغيرة من المساحات الكبرى، نظرا لما كانت توفره الأسواق من إمكانيات لشراء هذه المواد بكميات كبيرة وأسعار معقولة، مشيرا إلى أن المشهد في تونس بات يقترب كثيرا من المشهد الأوروبي.
وأضاف الياس أن ضغوط المعيشة غيرت سريعا سلوكيات التونسيين، متوقعا تراجعا في مدخرات المغتربين في بلدهم في السنوات القادمة بسبب ارتفاع كلفة المعيشة وأيضا أسعار مختلف أنواع الخدمات، ما قد يحرم الاقتصاد المحلي من هذه العائدات المهمة ويحول وجهة المغتربين لقضاء عطلهم في بلدان أقل كلفة.
وتعد تحويلات المغتربين في هذه الفترة من الروافد المالية المهمة لإنعاش خزينة الدولة، فضلا عن استثماراتهم التي تسعى الحكومة إلى استقطابها والتي كانت محل اهتمام كبير من قبل رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، لدى افتتاحه الاجتماع السنوي للبعثات الدبلوماسية، حيث دعا ممثلي الدبلوماسية التونسية في المهجر إلى مزيد من الاعتناء بالمغتربين ورفع مساهمتهم في الاستثمار الوطني.
ومنذ التعويم الجزئي للدينار التونسي، برزت مخاوف الأوساط الاقتصادية من تداعياته السلبية على تحويلات المغتربين، ما دفع خبراء اقتصاد إلى مطالبة الحكومة بضرورة دعوة المصارف للتحرك سريعاً وتقديم امتيازات لتحفيز العاملين في الخارج على الاستثمار في تونس أو تحويل أموالهم عبر السوق الرسمية.
وقال الخبير الاقتصادي، محمد الجراية، لـ "العربي الجديد" إن المعروف في مثل هذه الأزمات أن المغتربين يحجمون عن تحويل أموالهم إلى تونس والتريث لمراقبة الوضع الاقتصادي، ولا سيما تطور سعر الصرف، في محاولة للاستفادة من انخفاض سعر العملة، أو اللجوء إلى السوق السوداء لإنجاز عمليات التحويل، وهو ما يعد خسارة للاقتصاد المحلي في كل الحالات.
ويشير الجراية، في تصريح سابق، إلى أن السوق السوداء تستفيد أكثر من المصارف في الأزمات وفترات انخفاض الدينار وهو ما يعمق مخاطر تنامي الاقتصاد الموازي الذي أتى على نحو 60% من النشاط الاقتصادي في البلاد.
ويحوّل التونسيون المقيمون خارج البلاد سنوياً أكثر من 4 مليارات دينار (1.6 مليار دولار)، حسب إحصائيات رسمية.
ويبلغ عدد التونسيين المقيمين في الخارج بشكل شرعي 1.2 مليون شخص، وفقاً لإحصائيات حكومية تعود إلى سنة 2012، وهو رقم لم يتطور كثيراً منذ التاريخ المذكور، بحسب مصدر في وزارة الخارجية لـ "العربي الجديد".
ويشهد المناخ الاستثماري بعد الثورة، تزايداً في عدد المبادرات والشركات الناشئة التي يقودها مغتربون تونسيون.