يفرض مسلحون ينادون بانفصال جنوب اليمن رسوما مالية على الشماليين عند مئات نقاط التفتيش التي يسيطرون عليها، وذلك مقابل السماح لهم بالتوجه إلى المحافظات الجنوبية أو مطار عدن، الذي بات المنفذ الجوي الوحيد لليمنيين بعد إغلاق مطار صنعاء.
وبذلك باتت الحواجز الأمنية أو ما يعرف محلياً بـ"نقاط التفتيش"، مورداً مالياً مهماً في مناطق السيطرة المختلفة، فالإتاوات يجري جمعها من خلال ابتزاز شاحنات التجار أو المسافرين وسيارات النقل الداخلي بين المدن.
وفي ظل غياب الدولة، تتفاوت الرسوم التي تفرضها القوات المسيطرة على هذه المنافذ، فالمبالغ تُحدد وفق الأهواء، أما عقوبات الامتناع عن الدفع فتبدأ من عدم السماح بالمرور وتنتهي بحجز المركبة أو الشاحنة ولا يُفرج عنها إلا بعد دفع فدية مالية.
وإن كانت النقاط بدأت ممارسة الابتزاز لتدبير مصاريف أفرادها، فإنها تحولت لاحقاً إلى مورد ثابت ومصدر دخل تقدر عائداته اليومية بملايين الريالات، وباتت أموال النقاط تعوض توقف موارد أخرى، ويمكنها تمويل أنشطة الجماعات المختلفة.
وبحسب تقديرات لمصادر محلية تحدثت لـ "العربي الجديد"، فإن نقاط تفتيش المسافرين على الطرقات الرئيسية تبلغ نحو 550 نقطة تفتيش منها 300 نقطة تفتيش تابعة للحوثيين، والبقية تتبع جماعات مسلحة انفصالية في مناطق السلطة الشرعية.
وتدر حواجز النفتيش لما يسمى "المقاومة الجنوبية" نحو 50 مليون ريال يوميا (132 ألف دولار) بمتوسط 200 ألف ريال لكل حاجز أمني (530 دولارا)، وفق مصادر محلية.
وخلقت محاولات اليمنيين لتجنب ابتزاز نقاط التفتيش، سوقاً رائجاً لشركات نقل الركاب والشاحنات أيضا التي غيرت مسارها إلى مناطق بديلة من المسارات التقليدية، لترتفع التكاليف التي يتحملها المواطنون.
ويقوم مسلحو "المقاومة الجنوبية" بمنع الشماليين من دخول عدن، من خلال الفرز بالبطاقة الشخصية وأوراق إثبات الهوية، ويتم إنزال عشرات المسافرين في نقطة "سناح" بمحافظة الضالع (115 كيلومترا شمال عدن)، ونقطة الحبيلين بمحافظة لحج (75 كيلومترا شمال عدن).
وتبلغ المسافة بين صنعاء وعدن نحو 363 كيلومتراً، لكن نقاط الانفصاليين تقوم بإنزال عشرات المسافرين يومياً من على حافلات النقل البري الجماعي، بعد قطعهم مسافة 200 كيلومتر من صنعاء إلى مدينة الضالع، التي كانت جغرافيا ضمن جنوب اليمن قبل الوحدة بين شطري البلاد.
وقال مسافر يدعى أحمد ثابت، إن "حافلة النقل الجماعي خرجت من صنعاء باتجاه عدن وفيها 53 راكباً، وعندما وصلت إلى مدينة عدن كان عدد ركابها قد انخفض إلى 18 راكباً فقط ، بقية الركاب وعددهم 35 تم منعهم من دخول المدينة الجنوبية وإنزالهم في نقطة تفتيش سناح بمحافظة الضالع".
ويضع المسلحون الانفصاليون في نقاط التفتيش شروطاً للسماح بعبور المسافرين الشماليين إلى عدن، منها أن يحمل كل مسافر جواز السفر ويقدم صورة من تذكرة السفر عبر مطار عدن وغرضه من السفر إلى الخارج، ويمنعون دخول عدن للزيارة أو للعمل.
ورغم ذلك فإن عشرات المسافرين يتعرضون للتعسف، رغم قيامهم بحمل كل الأوراق الثبوتية التي تؤكد سفرهم إلى الخارج، ويتم ابتزازهم لدفع المال، أو منعهم، وفق مصادر لـ"العربي الجديد".
ولا يزال مطار صنعاء مغلقاً منذ منتصف أغسطس/ آب 2016، من قبل قوات التحالف الذي تقوده السعودية والذي يفرض حظراً جوياً على اليمن منذ بدء العمليات العسكرية في مارس/ آذار 2015.
ويخدم مطار صنعاء ملايين اليمنيين في مناطق وسط وشمال وغرب البلاد، التي تتميز بكثافة مرتفعة من السكان الذين يشكلون ما يزيد عن 65% من إجمالي عدد السكان البالغ 26 مليون نسمة.
وقالت مصادر محلية لـ"العربي الجديد" إن تجارة تهريب المسافرين داخليا باتت تدر أموالا طائلة يومياً ويديرها انفصاليون في الجنوب.
أحمد الزريقي، موظف حكومي، من مواليد عدن ولديه منزل في منطقة التواهي ونشأ فيها وعاش لسنوات، قبل أن ينتقل مع أسرته بعد الوحدة إلى العاصمة صنعاء، وتخرج من جامعتها ويعمل في إحدى المؤسسات الحكومية فيها ويحمل بطاقة صادرة من صنعاء، ولهذا السبب تم منعه من دخول عدن وإنزاله في نقطة تفتيش بمنطقة "الحبيلين" بمحافظة لحج.
وقال الزريقي لـ"العربي الجديد" "تم إنزال عشرات المسافرين من حافلة للنقل البري في نقطة تفتيش الحبيلين بمديرية يافع، وهي منطقة تفتقر إلى الخدمات وليس بها فنادق، لكن فيها مطاعم صغيرة وتجارة تزدهر لتهريب المسافرين".
وأضاف "توجهت إلى مطعم لتناول العشاء وبيدي حقيبة السفر، وكنت قررت العودة إلى صنعاء قبل أن يقترب مني أحد الأشخاص ويخبرني بإمكانية تهريبي إلى عدن مقابل سبعة آلاف ريال (18 دولارا)، وكنت دفعت قيمة تذكرة الرحلة من عدن إلى صنعاء بقيمة خمسة آلاف ريال (13 دولاراً).
ويقطع المهربون طرقا وعرة بعيداً عن نقاط التفتيش في رحلة شاقة تستغرق 10 ساعات، فيما لا تستغرق الرحلة ساعتين عبر الطريق الرئيسي إلى عدن.
وقال محمد الآنسي: "كنت أحمل كل وثائق إثبات الهوية وتذكرة السفر، لكنهم أنزلوني من الحافلة ورفضوا السماح بدخولي، وقد تمكنت من الوصول إلى عدن بزي عسكري وبمبلغ 5 آلاف ريال".
وبالنسبة للمسافرين بسياراتهم الخاصة، فان معظمهم يتمكن من عبور نقاط التفتيش التابعة للمسلحين الانفصاليين ودخول عدن بعد دفع مبالغ مالية تتراوح بين 500 و1000 ريال في نقاط التفتيش الأمنية من الضالع إلى عدن، وعددها نحو 50 نقطة تفتيش.
وانعكس التهريب إيجاباً على عمل شركات النقل البري الداخلي، التي بدأت في تسيير رحلات من صنعاء إلى منطقة الراهدة بمحافظة تعز على الحدود السابقة بين شطري البلاد، وهي طريق أخرى للوصول إلى عدن غير طريق الضالع التي يسيطر عليها المسلحون الانفصاليون.
وقال ماجد الشرعبي، موظف حكومي، إن كثيراً من المسافرين بدأوا في تحويل طريق سفرهم إلى عدن عن طريق الراهدة، لكن تصبح التكلفة مضاعفة، وتستغرق يومين بعد أن كانت الرحلة إلى عدن تستغرق 6 ساعات فقط.
وقال الشرعبي لـ"العربي الجديد": "سافرت مع حافلة النقل البري التي تقل كثيرا من المسافرين إلى منطقة الراهدة على الحدود مع الجنوب وبسعر خمسة آلاف للتذكرة، وهناك أقمت في فندق متواضع حتى الصباح حين بدأت أبحث عن مهربين للوصول إلى عدن، وقد وجدت سيارة قديمة تقوم بتهريب المسافرين عبر طرق وعرة وجبلية حتى الوصول إلى مدخل مدينة عدن، حيث ندفع 500 ريال لكل راكب من أجل العبور".