أضحى التضييق الحكومي على مئات السلع المستوردة في الجزائر يزعج التجار والمستهلكين على حد سواء، فبينما تتمسك الحكومة بهذه الإجراءات للحد من استنزاف موارد النقد الأجنبي، يؤكد مستوردون أن من شأن ذلك خلق ندرة في الكثير من السلع ويرفع الأسعار في وقت يعاني فيه المستهلكون من تراجع القدرة الشرائية، لاسيما بعد الزيادات التي فرضتها الحكومة على أسعار الوقود وبعض الضرائب.
وبدءاً من مطلع يناير/كانون الثاني الجاري، منعت الحكومة استيراد أكثر من ألف سلعة، كما وسعت قائمة السلع المسموح باستيرادها والتي تخضع للضريبة على الاستهلاك المقدرة بنسبة 30% من سعر المنتج.
وتضم قائمة السلع الممنوع استيرادها الجبن النهائي، ومواد الحليب، الفواكه الجافة، الفواكه الطازجة ما عدا الموز، الخضر الطازجة ما عدا الثوم، اللحوم ما عدا البعض منها، مشتقّات الذرة، محضرات اللحوم، محضرات الأسماك، شراب الغلوكوز، مواد صنع الحلويات، المعجنات الغذائية، مشتقات الحبوب، الخضر المعلّبة، الطماطم المحضّرة، المربى، العصائر، المعدّات الغذائية، المياه المعدنية، المعطرات.
كما تضم القائمة، المواد البلاستيكية النهائية ونصف النهائية، الحقائب، الرخام والغرانيت النهائي، الخزف النهائي، البلور والزجاج، الأسلاك والكابلات، الجرارات الزراعية، الكراسي والأثاث، الإسمنت، المواد الكهرومنزلية كالمكيفات وآلات غسل الملابس، الهواتف النقالة، بالإضافة إلى السيارات والحافلات والشاحنات.
ودافع سعيد جلاب، مدير التجارة الخارجية في وزارة التجارة عن الإجرءات الحكومية في حديث لـ"العربي الجديد"، قائلا إن "الحكومة قررت العمل بخطة جديدة تعتمد على رفع الرسوم الضريبية والجمركية على السلع لتقليص الواردات من جهة ورفع عائدات الجباية لصالح الخزينة العمومية وحماية الإنتاج المحلي، بدلاً من استعمال رخص الاستيراد التي أثبتت فشلها".
وأضاف جلاب أن "منع استيراد هذه المواد يبقى مؤقتا وهو إجراء معمول به دوليا ولا يضع الجزائر في حالة تناقض مع الاتفاقيات التجارية والاقتصادية التي أبرمتها مع دول أجنبية أو تكتلات دولية".
وتابع أن نحو 1% من الرسوم الجمركية المطبقة على كل عملية استيراد، ستحول إلى الصندوق الوطني للتقاعد الذي يعاني من عجز مالي كبير.
مخاوف التجار
وبما أن لائحة المنتجات والسلع الممنوعة من الاستيراد بدخول 2018 تحمل أنواعا تنتج في الجزائر بكميات لا تغطي احتياجات السوق، وبعضها لا ينتج أصلا في البلاد، أبدى تجار جملة، الحلقة الثانية في سلسلة البيع، بعد المستوردين امتعاضا من هذه القرارات، التي أدخلت تجارتهم "غرفة الإنعاش" لقرابة 24 شهراً، أي منذ بداية العمل برخص الاستيراد في سنة 2015، على حد وصف بعضهم.
في شارع "الحميز" المشهور ببيع الآلات والأجهزة الإلكترونية في الضاحية الشرقية من العاصمة الجزائرية، أكد التجار أن الأسعار قفزت بما يقرب 30% في الأيام الأخيرة، حيث أثرت الإشاعات على العرض وزادت من تفشي ظاهرة المضاربة.
يقول التاجر جمال الدين روبال، إن سعر آلة غسل الملابس على سبيل المثال من نوع "ال جي" سعة 8 كيلوغرامات ارتفع من 50 ألف دينار (442 دولارا) إلى 80 ألف دينار (707 دولارات) ، وليست متوفرة الآن لأن منع استيراد الأجهزة الإلكترونية دخل حيز التنفيذ شهر سبتمبر/أيلول 2017، حيث لم تسلم رخص الاستيراد منذ ذلك الشهر إلى غاية إلغائها نهائيا نهاية الشهر الماضي.
وأضاف جمال الدين في حديث لـ"العربي الجديد" أن " المنتجات المصنعة محلياً لا يمكنها أن تعوض المستوردة لا من حيث النوع أو الكمية، ولا يمكننا الاعتماد عليها لأنها متوفرة في نقاط البيع الرسمية للمنتجين، وبالتالي أنا متخوف من نفاد ما أعرضه من سلعة وأدخل في حالة إفلاس بطيء".
أما في شارع "المنظر الجميل" المشهور بتجار بيع المواد الغذائية بالجملة، فالأجواء لا تختلف كثيراً، تذمر من الحاضر وتخوف من المستقبل لدى التجار، الذين يخشون من أن تصبح الأسعار مع مرور الأيام خارج نطاق قدرة المواطن الشرائية، بفعل تراجع العرض.
فحسب التاجر علي كسوري فإن "ما يوجد من سلع غذائية يغطي الطلب لمدة لا تتعدى 90 يوما"، مضيفا أن " الكثير من السلع الممنوعة من الاستيراد لا تنتج محليا كالفطر مثلا والتونة المعلبة والحبوب الجافة، وسنقع في ندرة حقيقة بدءا من شهر مارس/آذار المقبل، وحتى وقوع الندرة نرى أن الأسعار ارتفعت بين 10 دنانير إلى 300 دينار حسب المنتج".
ورأى التاجر الجزائري أنه "إذا تمسكت الحكومة بقرار المنع فتعود الجزائر 30 سنة الى الوراء وسيعيش المواطن نفس المشاهد التي كانت الطوابير الطويلة هي الوسيلة التي يتم بها اقتناء المواد الغذائية".
حلول قاتمة
بالنسبة للخبراء فإن منع استيراد أكثر من ألف منتج وإخضاعها مستقبلا لرسوم جمركية مرتفعة في حال رفع الحظر عن استيرادها، يبقى سلاحا ذا حدين، اقتصاديا يمكن أن يوفر للبلاد بعضاً من العملة الصعبة، أما اجتماعياً فسيكون له أثر سلبي على جيوب المواطنين الذين أنهكهم غلاء المعيشة.
وكان رئيس الحكومة أحمد أويحيى قد قال في تصريحات يوم السبت الماضي، إن بلاده تعاني من أزمة مالية خانقة نتيجة تدهور أسعار النفط ونقص الموارد المالية.
لكن فرحات علي، الخبير الاقتصادي، توقع أن تشهد أسعار المنتجات قفزات كبيرة، وذلك لتقليص الكميات المستوردة وكذلك لزيادة الرسوم الجمركية المطبقة عليها.
وقال علي، إن السوق الجزائرية ستعيش اضطراباً كبيراً هذه السنة بسبب تمسك الحكومة بمنع استيراد أكثر من 1000 منتج، على غرار سوق الهواتف النقالة والأجهزة الإلكترونية التي تمونها عمليات الاستيراد بنحو 70% من احتياجات السوق.
ومن جانبه، قال الطاهر بلنوار، رئيس الجمعية الجزائرية للتجار والحرفيين إن "منع استيراد أي منتج يجب أن يقابله منتج أخر محلي يحمل نفس النوعية والسعر وبنفس الكمية حتى لا يحدث اضطراب في السوق، وهو ما لم يحدث حيث نجد الكثير من السلع التي لا تنتج محليا وتستهلك كثيرا كالفواكه والخضر الطازجة والمجففة والمعلبة بالإضافة إلى اللحوم المجمدة التي أصبحت في السنوات الأخيرة ملاذ الجزائريين بعد ارتفاع أسعار اللحوم المحلية".
وتوقع بلنوار أن يشهد الربع الثاني من السنة الحالية بداية ظهور بوادر ندرة العديد من السلع في الأسواق ما سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار.
وأبدى مواطنون في مقابلات مع "العربي الجديد" قلقهم من تراجع قدرتهم الشرائية في ظل تصاعد الأسعار، لاسيما من محدودي الدخل في البلاد.
اقــرأ أيضاً
وبدءاً من مطلع يناير/كانون الثاني الجاري، منعت الحكومة استيراد أكثر من ألف سلعة، كما وسعت قائمة السلع المسموح باستيرادها والتي تخضع للضريبة على الاستهلاك المقدرة بنسبة 30% من سعر المنتج.
وتضم قائمة السلع الممنوع استيرادها الجبن النهائي، ومواد الحليب، الفواكه الجافة، الفواكه الطازجة ما عدا الموز، الخضر الطازجة ما عدا الثوم، اللحوم ما عدا البعض منها، مشتقّات الذرة، محضرات اللحوم، محضرات الأسماك، شراب الغلوكوز، مواد صنع الحلويات، المعجنات الغذائية، مشتقات الحبوب، الخضر المعلّبة، الطماطم المحضّرة، المربى، العصائر، المعدّات الغذائية، المياه المعدنية، المعطرات.
كما تضم القائمة، المواد البلاستيكية النهائية ونصف النهائية، الحقائب، الرخام والغرانيت النهائي، الخزف النهائي، البلور والزجاج، الأسلاك والكابلات، الجرارات الزراعية، الكراسي والأثاث، الإسمنت، المواد الكهرومنزلية كالمكيفات وآلات غسل الملابس، الهواتف النقالة، بالإضافة إلى السيارات والحافلات والشاحنات.
ودافع سعيد جلاب، مدير التجارة الخارجية في وزارة التجارة عن الإجرءات الحكومية في حديث لـ"العربي الجديد"، قائلا إن "الحكومة قررت العمل بخطة جديدة تعتمد على رفع الرسوم الضريبية والجمركية على السلع لتقليص الواردات من جهة ورفع عائدات الجباية لصالح الخزينة العمومية وحماية الإنتاج المحلي، بدلاً من استعمال رخص الاستيراد التي أثبتت فشلها".
وأضاف جلاب أن "منع استيراد هذه المواد يبقى مؤقتا وهو إجراء معمول به دوليا ولا يضع الجزائر في حالة تناقض مع الاتفاقيات التجارية والاقتصادية التي أبرمتها مع دول أجنبية أو تكتلات دولية".
وتابع أن نحو 1% من الرسوم الجمركية المطبقة على كل عملية استيراد، ستحول إلى الصندوق الوطني للتقاعد الذي يعاني من عجز مالي كبير.
مخاوف التجار
وبما أن لائحة المنتجات والسلع الممنوعة من الاستيراد بدخول 2018 تحمل أنواعا تنتج في الجزائر بكميات لا تغطي احتياجات السوق، وبعضها لا ينتج أصلا في البلاد، أبدى تجار جملة، الحلقة الثانية في سلسلة البيع، بعد المستوردين امتعاضا من هذه القرارات، التي أدخلت تجارتهم "غرفة الإنعاش" لقرابة 24 شهراً، أي منذ بداية العمل برخص الاستيراد في سنة 2015، على حد وصف بعضهم.
في شارع "الحميز" المشهور ببيع الآلات والأجهزة الإلكترونية في الضاحية الشرقية من العاصمة الجزائرية، أكد التجار أن الأسعار قفزت بما يقرب 30% في الأيام الأخيرة، حيث أثرت الإشاعات على العرض وزادت من تفشي ظاهرة المضاربة.
يقول التاجر جمال الدين روبال، إن سعر آلة غسل الملابس على سبيل المثال من نوع "ال جي" سعة 8 كيلوغرامات ارتفع من 50 ألف دينار (442 دولارا) إلى 80 ألف دينار (707 دولارات) ، وليست متوفرة الآن لأن منع استيراد الأجهزة الإلكترونية دخل حيز التنفيذ شهر سبتمبر/أيلول 2017، حيث لم تسلم رخص الاستيراد منذ ذلك الشهر إلى غاية إلغائها نهائيا نهاية الشهر الماضي.
وأضاف جمال الدين في حديث لـ"العربي الجديد" أن " المنتجات المصنعة محلياً لا يمكنها أن تعوض المستوردة لا من حيث النوع أو الكمية، ولا يمكننا الاعتماد عليها لأنها متوفرة في نقاط البيع الرسمية للمنتجين، وبالتالي أنا متخوف من نفاد ما أعرضه من سلعة وأدخل في حالة إفلاس بطيء".
أما في شارع "المنظر الجميل" المشهور بتجار بيع المواد الغذائية بالجملة، فالأجواء لا تختلف كثيراً، تذمر من الحاضر وتخوف من المستقبل لدى التجار، الذين يخشون من أن تصبح الأسعار مع مرور الأيام خارج نطاق قدرة المواطن الشرائية، بفعل تراجع العرض.
فحسب التاجر علي كسوري فإن "ما يوجد من سلع غذائية يغطي الطلب لمدة لا تتعدى 90 يوما"، مضيفا أن " الكثير من السلع الممنوعة من الاستيراد لا تنتج محليا كالفطر مثلا والتونة المعلبة والحبوب الجافة، وسنقع في ندرة حقيقة بدءا من شهر مارس/آذار المقبل، وحتى وقوع الندرة نرى أن الأسعار ارتفعت بين 10 دنانير إلى 300 دينار حسب المنتج".
ورأى التاجر الجزائري أنه "إذا تمسكت الحكومة بقرار المنع فتعود الجزائر 30 سنة الى الوراء وسيعيش المواطن نفس المشاهد التي كانت الطوابير الطويلة هي الوسيلة التي يتم بها اقتناء المواد الغذائية".
حلول قاتمة
بالنسبة للخبراء فإن منع استيراد أكثر من ألف منتج وإخضاعها مستقبلا لرسوم جمركية مرتفعة في حال رفع الحظر عن استيرادها، يبقى سلاحا ذا حدين، اقتصاديا يمكن أن يوفر للبلاد بعضاً من العملة الصعبة، أما اجتماعياً فسيكون له أثر سلبي على جيوب المواطنين الذين أنهكهم غلاء المعيشة.
وكان رئيس الحكومة أحمد أويحيى قد قال في تصريحات يوم السبت الماضي، إن بلاده تعاني من أزمة مالية خانقة نتيجة تدهور أسعار النفط ونقص الموارد المالية.
لكن فرحات علي، الخبير الاقتصادي، توقع أن تشهد أسعار المنتجات قفزات كبيرة، وذلك لتقليص الكميات المستوردة وكذلك لزيادة الرسوم الجمركية المطبقة عليها.
وقال علي، إن السوق الجزائرية ستعيش اضطراباً كبيراً هذه السنة بسبب تمسك الحكومة بمنع استيراد أكثر من 1000 منتج، على غرار سوق الهواتف النقالة والأجهزة الإلكترونية التي تمونها عمليات الاستيراد بنحو 70% من احتياجات السوق.
ومن جانبه، قال الطاهر بلنوار، رئيس الجمعية الجزائرية للتجار والحرفيين إن "منع استيراد أي منتج يجب أن يقابله منتج أخر محلي يحمل نفس النوعية والسعر وبنفس الكمية حتى لا يحدث اضطراب في السوق، وهو ما لم يحدث حيث نجد الكثير من السلع التي لا تنتج محليا وتستهلك كثيرا كالفواكه والخضر الطازجة والمجففة والمعلبة بالإضافة إلى اللحوم المجمدة التي أصبحت في السنوات الأخيرة ملاذ الجزائريين بعد ارتفاع أسعار اللحوم المحلية".
وتوقع بلنوار أن يشهد الربع الثاني من السنة الحالية بداية ظهور بوادر ندرة العديد من السلع في الأسواق ما سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار.
وأبدى مواطنون في مقابلات مع "العربي الجديد" قلقهم من تراجع قدرتهم الشرائية في ظل تصاعد الأسعار، لاسيما من محدودي الدخل في البلاد.