ما الذي يجري وراء الكواليس في موضوع النفط؟ هل هنالك اتفاق بين كبار المنتجين في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) على زيادة الإنتاج بمقدار مليون برميل يومياً، كما تم الإعلان عقب اجتماع الدول الأعضاء في المنظمة بالعاصمة النمساوية فيينا يوم الجمعة الماضي، علماً أن بعض المصادر تقول إن إنتاج النفط الفعلي يزيد بمقدار مليوني برميل يومياً عما هو متفق عليه من إنتاج بين دول "أوبك"؟
تبدو "أوبك" واحدة من الجزر في أرخبيل من المنظمات والترتيبات التي تسعى جاهدة إلى التأثير في أسعار النفط، وكميات إنتاجه. وهذه الجزر منها ما هو كبير، ومنها ما هو صغير يختفي إذا ارتفع منسوب المياه. لكن المؤكد أن تأثير منظمة (أوبك) على أسعار النفط العالمية لم يعد كما كان في الماضي، وأنه انحسر بفعل أسباب كثيرة.
في بدايات المنظمة، كان هنالك اتفاق على أن توزيع الحصص يعتمد أساساً على حجم المخزون المثبت، وحجم الإنتاج تاريخياً. ولكن مع الوقت، بدأت الدول الأعضاء في التنافس، ما أضعف من قدرة "أوبك" على أن تؤثر على أسواق النفط، كما كان الحال في النصف الثاني من القرن الماضي.
وإذا عدنا إلى تقرير "أوبك" الشهري (MOMR) الصادر يوم 12 من شهر يونيو/ حزيران الجاري، لاكتشفنا أن إنتاج دول المنظمة يقل عن ثلاثين مليون برميل في اليوم بقليل، بينما يزيد إنتاج دول غير "أوبك" عن سبعة وخمسين مليون برميل يومياً.
ولذلك صار واضحاً أن دول خارج "أوبك"، مثل الولايات المتحدة، وكندا، وروسيا والنرويج، صار لها تأثير كبير على أسعار النفط العالمية.
أما هذا العام، يُظهر هذا التقرير لمنظمة أوبك أن الطلب العالمي على النفط سيزيد قليلاً عما كان عليه في عام 2017، على الرغم من أن توقعات النمو في الدول الأوروبية، واليابان، وروسيا، وكذلك الصين والهند، ستكون أقل من العام الماضي.
أما الشرق الأوسط فإن طلب النفط فيه سوف يتراجع عام 2018، بسبب حزمة الإجراءات التصحيحية التي تبنتها دول المنطقة برفع أسعار المشتقات النفطية، وتخفيض الدعم. والسبب الآخر ليس له علاقة بالنمو، بل بسبب زيادة استثمار دول المنطقة في مصادر الطاقة المتجدّدة، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
من الدول القليلة المتوقع أن يزداد فيها معدل النمو الولايات المتحدة، وتركيا، وربما البرازيل.
لكن هذه المعدلات في النمو قد تضطرب، إذا استمرت أسعار الفوائد على العملات الرئيسية بالارتفاع عالمياً، ما يُحدِث تباطؤاً في الإنفاق على الاستثمار والاستهلاك، وهنالك مخاوف بالطبع من الحرب التجارية التي قد تزداد تفاقماً ولهيباً في ظل عناد الإدارة الأميركية على الاستمرار في سياساتها الحمائية، ورد الدول الشريكة في التجارة مع الولايات المتحدة بإجراءاتٍ مماثلةٍ، كما فعلت كندا والاتحاد الأوروبي والصين.
ومن هنا يثور السؤال الكبير: لماذا تبذل دول أوبك جهوداً للتنسيق فيما بينها (خصوصاً السعودية وإيران)، ومع روسيا لزيادة إنتاج النفط من "أوبك" بمقدار مليون برميل؟
وستقلل كل هذه التطورات على جانبي العرض والطلب من فرص تسويق النفط السائل، وتسهم في الضغط على أسعاره للأسفل.
أما في المدى القصير، فقد أدى تضارب الأنباء عن أسعار النفط من "أوبك"، إلى تخفيض سعره في الأسواق المختلفة، كما حصل يوم الاثنين الماضي، الموافق 25 من شهر يونيو/ حزيران الجاري، وكذلك إلى هبوط أسعار البورصة في الأسواق الأميركية والأوروبية والآسيوية.
وبالطبع تراجع الدولار، والسبب هو المخاوف المترتبة على الحرب التجارية التي بدأت تستعر بين الولايات المتحدة من ناحية، والأسواق الأخرى في الصين، واليابان، والاتحاد الأوروبي، ودول أميركا الشمالية الأخرى (كندا والمكسيك).
ويبدو أن مراقبين ومحللين كثيرين يرون في هذه الأمور كلها جزءاً من حرب اقتصادية شاملة، لا يدري أحد كيف ستنتهي. ولكن من المرجح أنها ستضع الاقتصاد الدولي على حافّة أزمة عميقة جديدة.
لذلك، أرجّح عدم اتفاق دول "أوبك" على زيادة الإنتاج بمليون برميل يومياً رغم الإعلان عن ذلك عقب اجتماع أوبك يوم الجمعة الماضي، أو اتفاق على توزيع هذه الزيادة إن حصلت.