ليس بعيداً عن البحر الميت، الذي يخلو من أية مقومات للحياة البحرية، يمارس المهندس سامر جبارين (32 عاماً) عمله في تطوير مشروع استزراع الأسماك، الفريد في الأراضي الفلسطينية المحتلة، تلبية لحاجة السوق المحلية من الأسماك الطازجة.
جبارين، الذي يعمل وزميل آخر له في المشروع، ويتبع للمشروع العربي الإنشائي، في مدينة أريحا، التي تعتبر أخفض نقطة في العالم عن مستوى سطح البحر، وسط منطقة الأغوار، شرقي الضفة الغربية، وجد فرصة توفير الأسماك الطازجة بأسعار منافسة، في سوق شهد ارتفاعاً كبيراً في أسعارها، بسبب صعوبات الاستيراد من غزة.
وتبدأ أسعار أصناف من الأسماك الطازجة في السوق الفلسطينية، من 12 دولاراً للكلغ، وترتفع لتتجاوز 70 دولاراً لأصناف أخرى، ويتم استيراد غالبيتها العظمى من صيادي أسماك فلسطينيي الداخل (أراضي 48)، أو من الأسواق الإسرائيلية.
يقول جبارين: "اليوم يمكنني القول إن المشروع قد نجح فعلياً.. خاصة مع عدم توفر بحر في مناطق السلطة الفلسطينية، باستثناء قطاع غزة، الذي نجد صعوبة في استيراد الأسماك منه بسبب الحصار الإسرائيلي على القطاع.. لكن اليوم بات لدينا أسماك طازجة".
ويضيف، في تصريحات لوكالة "الأناضول": "بدأنا مشروع الاستزراع السمكي عام 2011، وأنتجنا قرابة 10 أطنان من سمك (المشط)، في ظروف استثنائية وبطرق بدائية ويدوية، ونطمح بتطوير المشروع، لإنتاج كميات أكبر وأنواع جديدة تلبي حاجة السوق".
وأسماك المشط، أو كما يطلق عليها حول العالم "البلطي"، من أصناف الأسماك القادرة على تحمّل ارتفاع أو انخفاض كثافة وملوحة المياه التي تعيش فيها، ولها قدرة على التكيّف مع أقسى الظروف داخل البحر.
واقفاً بالقرب من بركة مخصصة لذكور سمك "المشط النيل"، يتحدث جبارين عن سبب اختيار أصناف محددة من السمك: "تم استزراع سمك المشط النيلي، والمشط الأحمر، لما لهذا النوع من خصائص هامة، كونه يعد مغذياً أساسياً خالياً من الدهون، إضافة إلى قدرته على العيش في ظروف صعبة".
اقرأ أيضاً: صيادو غزة يواجهون اعتداءات الاحتلال ويطالبون بحماية دولية
وداخل مساحة المشروع، يُفرز السمك في برك خاصة، مزوّدة بأجهزة أوكسجين ومضخات وظيفتها تغيير المياه، بينما يتم فصل السمك في البرك وفقاً لنوعها وجنسها وعمرها، "على أن نعاود خلط الأسماك الذكور مع الإناث في موسم التزاوج، في ظروف خاصة وبدرجة حرارة مدروسة، بعدها يتم فصلها"، بحسب جبارين.
وتتوفر في مدينة أريحا الواقعة في الأغوار الفلسطينية (230م تحت مستوى سطح البحر)، على الحدود مع الأردن، مياه بدرجة ملوحة تناسب تربية الأسماك.
وافتتح جبارين، إلى جوار مشروعه أخيراً، بركاً خاصة لتربية السمك وبيعها للمستهلك بشكل مباشر: "تم تطوير المشروع، وبتنا نربي السمك حتى يصبح جاهزاً للبيع إلى المستهلك".
ويتابع: "إلى هنا يأتي المستهلك ويشتري السمك المستزرع من البرك بشكل مباشر. ولأن الضفة الغربية تفتقر لوجود البحر، فإن نسبة عالية من الأسماك المباعة في السوق المحلي ليست طازجة. هنا يجد المستهلك السمك الطازج".
ومنذ سنوات مضت، انتشرت في الضفة الغربية عدة مشاريع لتربية الأسماك، بتمويل أجنبي، في ظل افتقار السوق الفلسطيني للأسماك الطازجة. وعادة ما يشتري المزارع الفلسطيني صغار السمك من السوق الإسرائيلية لتربيتها.
وتربية الأسماك تعني شراء الأسماك الصغيرة وتربيتها في برك مائية إلى حين وصولها لحجم وعمر معيّن تمهيداً لبيعها، بينما الاستزراع السمكي، يتمثل في تربية ذكور وإناث الأسماك، وتزاوجهما، وتفقيس بيوض جديدة بهدف التكاثر، ثم تربيتها وبيعها عند سن ووزن معينين.
وقال رئيس جمعية الثروة السمكية في مدينة أريحا، جودة اسعيد، إن "الفكرة جاءت لحاجة السوق الفلسطينية للأسماك، ولعدم وجود شواطئ للضفة الغربية على البحار".
وأضاف: "الفكرة نجحت، وهناك إقبال كبير على المنتج من المستهلك الفلسطيني"، مشيراً إلى أن كمية استيراد الضفة الغربية من الأسماك تبلغ 6 آلاف طن سنوياً.
اقرأ أيضاً:
صيادو غزة يحتجون ضد انتهاكات إسرائيل
إسرائيل تصادر شباك الرزق لصيادي غزة