بدأت الحكومة بتنفيذ إجراءات إضافية للوفاء بالتزاماتها تجاه صندوق النقد الدولي، والتي تستهدف تخفيض عجز الموازنة من خلال تقليص حجم الإنفاق، وسط مخاوف من انحدار كبير في مستويات المعيشة، وتزايد الضغوطات على سوق العمل، إلى جانب ارتفاع المشكلات الاجتماعية.
وتتضمن تلك الإجراءات، بحسب ما أعلنت الحكومة أخيرا، إحالة عدد كبير من العاملين في القطاع العام إلى التقاعد المبكر، الذين سيتقاضون رواتب من المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي، التي يشترك فيها العاملون في الحكومة والقطاع الخاص.
واتخذ مجلس الوزراء مؤخرا قرارا بإحالة كل من بلغت خدمته الوظيفية 30 عاما إلى التقاعد، حتى وإن كان عمره دون 60 عاما، وذلك اعتبارا من بداية مارس/آذار المقبل، ما يعني تسريح آلاف العاملين في الجهاز الحكومي ومنحهم رواتب تقاعدية ضئيلة.
وتدرس الحكومة، بحسب ما قاله مسؤول أردني لـ"العربي الجديد"، التدرج في تطبيق القرار ليشمل من خدم في الحكومة 25 عاما. وأكد المسؤول، الذي رفض ذكر اسمه، أنه في المقابل ستكون هناك تعيينات بديلة في الحدود الضيقة جدا، وبالتالي بقاء معدلات البطالة على ارتفاعها، بل وزيادتها خلال الفترة المقبلة.
ويحظر قانون الضمان الاجتماعي في الأردن على كل من يحال إلى التقاعد المبكر وهو في سن دون 60 عاما، العمل مرة أخرى في أي وظيفة في الحكومة أو القطاع الخاص.
ووقّع الأردن اتفاقاً جديداً مع صندوق النقد الدولي على قرض قيمته 1.3 مليار دولار على 4 سنوات، وسط مخاوف في الشارع من موجة غلاء جديدة ستضرب الأسواق مع بدء تطبيق البرنامج الإصلاحي الجديد.
وقال وزير المالية محمد العسعس، إن الحكومة توصلت للبرنامج الجديد مع الصندوق بعد أشهر من المفاوضات، وإن المخصصات المالية ستكون بتكلفة 3% وستُسدّد على 10 سنوات.
إلى ذلك، قال رئيس المرصد العمالي الأردني، أحمد عوض، لـ"العربي الجديد"، إن الخطة التي بدأت الحكومة بتطبيقها، بإحالة أعداد كبيرة من العاملين في القطاع الحكومي إلى التقاعد، سينجم عنها الكثير من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية، وأهمها تراجع الأوضاع المعيشية، كون هؤلاء العاملين ستنخفض عوائدهم الشهرية، إضافة إلى أن القانون يمنعهم من العمل مرة أخرى.
وأضاف عوض أن الحكومة لن تقوم بتعيينات بديلة مقابل العدد الذي تمت إحالته إلى التقاعد أو الاستغناء عنه، ما يعني بقاء معدل البطالة على ارتفاع، والذي بلغ، بحسب آخر إحصائيات حكومية، 19.2%، واحتمال ارتفاعه خلال الفترة المقبلة، إضافة إلى أن سوق العمل سيعاني من ارتفاع الطلب على الوظائف، في الوقت الذي تراجعت فيه قدرة الاقتصاد على توليد فرص العمل.
وقال إنه على الحكومة التريث في تطبيق قرار تقاعد موظفيها ودراسة كافة الأبعاد المرتبطة به، حتى لا تكون هناك تبعات كبيرة على الاقتصاد بشكل عام، ومن ذلك إمكانية خسارة كفاءات وظيفية وتراكمية.
وقال رئيس الوزراء، عمر الرزاز، في تصريحات صحافية سابقة: "ندرك أن الهاجس الأهم لدى المواطن وكل أسرة أردنية هو التشغيل، ونحن في الحكومة نضع اللمسات الأخيرة على آلية لتمكين المؤسسات العامة والخاصة والبلديات من استحداث فرص عمل حقيقية يستفيد منها الشباب".
من جهته، أكد الخبير الاقتصادي مازن مرجي، لـ"العربي الجديد"، أن صندوق النقد الدولي يضغط على الحكومة منذ سنوات طويلة لأجل تخفيض النفقات الجارية، وأهم بند فيها تقليص أعداد العاملين في الجهاز الحكومي، على اعتبار أن الأزمة المالية والاقتصادية في الأردن مردّها إلى رواتب العاملين، وهذا أساس خاطئ.
وأضاف مرجي أن الأعباء المعيشية ستزيد، حيث إن انخفاض الأجور والرواتب التقاعدية سيؤدي إلى إضعاف القدرات الشرائية وارتفاع نسبة الفقر بين الشرائح متدنية الدخل في الأردن.
وقال إن الحل الأمثل يتمثل في استغلال الكوادر البشرية المتوفرة في الحكومة على نحو أفضل وتشغيلها، وخلق طاقات إبداعية في كل مجال.
وأشار مرجي إلى أن صندوق النقد لديه اشتراطات أخرى على الحكومة، في سياق برنامج الإصلاح الاقتصادي الجديد، ومن ذلك زيادة شريحة دافعي الضرائب من محدودي ومنخفضي الدخل، وإلغاء الدعم عن الكهرباء والمياه وغيرها.
وكانت الحكومة اتخذت، على مدى العامين الماضيين، سلسلة إجراءات تمثلت في رفع الضرائب والرسوم على عدد كبير من السلع، وكذلك تطبيق قانون ضريبة الدخل الجديد.