وقالت المجموعة الدولية لدعم لبنان، حسب رويترز، إن البلد يواجه انحلالا فوضويا لاقتصاده وعدم استقرار متزايدا ما لم يطبق إصلاحات عاجلة تعطي المؤسسات المالية الدولية الثقة لكي تقدم الدعم.
وقالت مجموعة الدعم في بيان ختامي عقب اجتماع في باريس اليوم الأربعاء "من أجل وقف التدهور الحاد في الاقتصاد... ثمة حاجة عاجلة لتبني حزمة سياسات إصلاح اقتصادي مستدامة وموثوقة وشاملة لاستعادة التوازن والاستقرار المالي."
وحثت المجموعة السلطات اللبنانية إلى اعتماد "ميزانية موثوقة يعول عليها للعام 2020" في غضون أسابيع من تشكيل حكومة جديدة ومكافحة الفساد على نحو أشد صرامة.
وحسب البيان الختامي فإن أعضاء المجموعة أن الحصول على دعم المؤسسات المالية الدولية محوري من أجل مساعدة السلطات على مواصلة جهودها لتطبيق الإصلاحات الاقتصادية الضرورية بشكل تدريجي.
ويعيش لبنان، الذي يكابد أسوأ أزماته الاقتصادية منذ الحرب الأهلية بين 1975 و1990، شللا سياسيا منذ استقالة سعد الحريري من رئاسة الحكومة عقب احتجاجات عارمة ضد النخبة الحاكمة. وهوت عملته الليرة في السوق الموازية واضطرت البنوك إلى فرض قيود على حركة رؤوس الأموال.
كان لبنان نال تعهدات بأكثر من 11 مليار دولار خلال مؤتمر عُقد العام الماضي، شريطة تنفيذ إصلاحات لم يطبقها حتى الآن. وترجع جذور الأزمة الاقتصادية إلى سنوات من الفساد والهدر أوجدت أحد أثقل أعباء الدين العام في العالم.
وانعقد في باريس اليوم الأربعاء اجتماع مخصص لمساعدة لبنان على معالجة الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تهزّ البلاد، وذلك عبر حثّ مسؤوليه السياسيين على الإنصات إلى احتجاجات الشارع، وذلك وسط تأكيدات أن لبنان لن يحصل إلا على شيك فارغ، مع ربط الدعم المالي بالإصلاحات.
وفي أول تعليق على نتائج مؤتمر باريس، قال رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري اليوم الأربعاء إن المؤتمر الذي يحشد الدعم للبنان يُظهر أن المجتمع الدولي أكثر اهتماما بالبلد من بعض اللبنانيين. وأشار بري إنه سيدعو لجلسة برلمانية قريبا لمناقشة ميزانية 2020 وإقرارها.
ونقل النائب علي بزي عن بري قوله للنواب من كتلته البرلمانية "اعتبر أن اجتماع مجموعة الدعم الدولية للبنان إشارة قوية إلى أن المجتمع الدولي يهتم بلبنان واستقراره وأمنه أكثر من بعض اللبنانيين".
وافتُتح اجتماع مجموعة الدعم الدولي التي ترأسها فرنسا بالتشارك مع الأمم المتحدة، صباح اليوم، وأعلن وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، على إثره، أن المجتمع الدولي يشترط أي مساعدة مالية لهذا البلد بتشكيل حكومة إصلاحية.
وقال إن "المعيار الوحيد يجب أن يكون فاعلية هذه الحكومة على صعيد الإصلاحات التي ينتظرها الشعب".
وأضاف: "وحده هذا النهج سيتيح لجميع المشاركين في هذا الاجتماع وسواهم أن يقوموا بتعبئة ليقدموا إلى لبنان كل الدعم الذي يحتاج إليه".
ويشهد لبنان منذ 17 أكتوبر/ تشرين الأول حركة احتجاج شعبية غير مسبوقة، تطالب برحيل مجمل الطبقة السياسية التقليدية التي توصف بأنها فاسدة وغير كفوءة، في ظل أزمة اقتصادية حادة.
وأدت حركة الاحتجاج في 29 أكتوبر إلى استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري، لكن المفاوضات لتشكيل حكومة جديدة تطول وسط استياء المتظاهرين. وقال لودريان في تصريحات سابقة للاجتماع: "إنّها حركة احتجاج مستمرة، وينبغي الإنصات إليها. سنصوغ نداءً قوياً".
وتضم مجموعة الدعم الخاصة بمساعدة لبنان بالأخص الأمم المتحدة والأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي، بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي والجامعة العربية.
من جهتها، شددت الولايات المتحدة التي تتمثّل في الاجتماع بمساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط ديفيد شينكر، على "الحاجة الملحة بالنسبة إلى المسؤولين السياسيين اللبنانيين لتسهيل تشكيل حكومة قادرة على تنفيذ إصلاحات اقتصادية ووضع حدّ لفساد مستشرٍ"، وفق وزارة الخارجية الأميركية.
ويشترط المجتمع الدولي لمنح المساعدة المالية للبنان تنفيذ الإصلاحات، في وقت تتعمق فيه الأزمة الاقتصادية.
وقالت وزارة الخارجية الفرنسية إنّ الهدف "تحديد الشروط اللازمة والإصلاحات التي لا غنى عنها المتوقعة من جانب السلطات اللبنانية حتى يتمكن المجتمع الدولي من مرافقة لبنان".
وأوضح لودريان الثلاثاء لوزير خارجية الاتحاد الأوروبي الجديد جوزيب بوريل، أنّ "هدف الاجتماع حثّ السلطات اللبنانية على إدراك خطورة الموقف ودعوة الشارع".
لا توقعات بمساعدات
ولم يكن لبنان يتوقع تعهدات بمساعدات جديدة خلال المؤتمر، فيما يمر بأزمة اقتصادية هي الأسوأ في لبنان منذ الحرب الأهلية التي دارت رحاها بين عامي 1975 و1990.
ودفعت أزمة السيولة البنوك إلى فرض قيود على رأس المال، وفقدت الليرة اللبنانية ثلث قيمتها. وقال كبير مستشاري رئيس الوزراء في حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري، نديم المنلا لـ"رويترز"، إن اجتماع باريس سيعبّر على الأرجح عن الاستعداد لتقديم الدعم للبنان فور تشكيل حكومة جديدة تلتزم تنفيذ الإصلاحات.
وأضاف: "سيقرون بوجود مشكلة قصيرة الأجل، وإذا ما تشكلت حكومة تستجيب لطموحات الناس، فإن المجتمع الدولي سيكون على الأرجح مستعداً للتدخل وتقديم الدعم، أو دعم إضافي، للبنان". وتابع: "هذا ليس مؤتمراً للتعهد بمساعدات".
وحصل لبنان على تعهدات بمساعدات بأكثر من 11 مليار دولار في مؤتمر عُقد العام الماضي بشرط تنفيذ إصلاحات لم ينفذها. والأزمة الاقتصادية متجذرة نتيجة الفساد وهدر الموارد المستمر منذ سنوات والذي سبّب واحداً من أثقل أعباء الدين العام في العالم.
واعتبر رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري الأربعاء، أن مؤتمر باريس إشارة قوية إلى أن المجتمع الدولي أكثر قلقاً بشأن استقرار لبنان من بعض اللبنانيين. فيما أكد وزير المالية بحكومة تصريف الأعمال في لبنان علي حسن خليل، أن عجز ميزانية 2019 سيكون أكبر بكثير مما كان متوقعاً، بسبب انخفاض مقلق للغاية لإيرادات الدولة، إذ تعاني البلاد من أزمة مالية شديدة. وقال الوزير خليل في تصريحات للصحافيين إن لبنان يواجه صعوبات جمة في تمويل الدولة.
ويُنظر الآن إلى الحريري على أنه المرشح الوحيد لتولي منصب رئاسة الحكومة. وقال إنه لن يقود سوى حكومة من وزراء متخصصين، لأن هذا من وجهة نظره هو السبيل لمعالجة الأزمة الاقتصادية وجذب المساعدات وإرضاء المحتجين الموجودين بالشوارع.
لكن حزب الله وحلفاءه، ومنهم الرئيس ميشال عون، يقولون إن الحكومة ينبغي أن تضمّ ساسة. وقال المنلا: "لنرَ ما سيحدث في الأيام المقبلة، وما إذا كانت الأحزاب السياسية ستتفق على تشكيل... وإلا فقد نحتاج لوقت أطول". ولفت إلى أن الحريري سيكون مستعداً لقبول ساسة في مجلس الوزراء، لكن ينبغي ألّا يكونوا "من وجوه الحكومات السابقة المعتادة المعروفة".
مهمة صعبة
وقال وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود، الثلاثاء، إن استقرار لبنان بالغ الأهمية بالنسبة إلى المملكة. وأضاف أنه لن يستبق الحكم على مؤتمر لدعم لبنان، وأنه سينتظر نتائج هذا المؤتمر.
ورداً على سؤال بشأن المساعدات للبنان، قال الأمير فيصل خلال مؤتمر صحافي بعد قمة لدول الخليج العربية في الرياض، إن شعب لبنان ونظامه السياسي بحاجة إلى إيجاد طريق للمضي قدماً يضمن استقرار لبنان وسيادته.
وبعد سداد سندات بقيمة 1.5 مليار دولار استحقت في الشهر الماضي، يتحول التركيز إلى ما إذا كانت السلطات اللبنانية ستفي بالتزام بقيمة 1.2 مليار دولار في 9 مارس/ آذار.
وقال العديد من الاقتصاديين المحليين، وحتى بعض المسؤولين، إن على البلاد استخدام احتياطياتها المتضائلة لدعم الواردات بدلاً من سداد الديون.
وارتفعت مخاطر ديون البلاد فوق 2500 نقطة أساس الأسبوع الماضي، وهي الأعلى على مستوى العالم بعد الأرجنتين، وفقاً للبيانات التي جمعتها بلومبيرغ. ويطلب بعض الدائنين وثائق تشرح شروط الدفع، بما في ذلك ما يمكن أن يحدث في حالة التخلف عن السداد، وفقاً لمصدر مطلع على الأمر.
وقال المسؤول الذي طلب عدم الكشف عن هويته لوكالة "بلومبيرغ" إن المسؤولين الحكوميين على دراية بالطلبات، لأن المسألة حساسة.
وأكد أندرس فيرغمان، مدير الأموال في لندن لدى "بينيبريدج أنفستمنت"، أن المستثمرين يريدون أن يعرفوا كيف سيجري التحكم في الموارد المالية للبلاد، إذ سيكون من الصعب على السوق التعافي.
ويمكن لبنان أن يتجنب الخراب المالي من خلال تشكيل حكومة تتعهد بالإصلاحات الفورية وتتلقى مساعدات من الحلفاء الدوليين. ويخشى الدبلوماسيون أن يؤدي التخلف عن السداد إلى الفوضى في بلد يقع في قلب منطقة مضطربة.
تحذير من مصير فنزويلا
بالنسبة إلى وزير العمل كميل أبو سليمان، ينبغي للحكومة الجديدة إعلان إعادة الهيكلة قبل استحقاق سندات اليورو في شهر مارس/ آذار، مصحوبة ببرنامج إصلاحي يُفضل أن يكون مدعوماً بقرض من صندوق النقد الدولي.
وقال: "نحن لا نريد أن ينتهي الأمر مثل فنزويلا، حيث أُعطيَت الأولوية للدائنين على حساب الاحتياجات الأساسية". وفي فنزويلا عانى السكان من نقص السلع، بما في ذلك الأدوية، ومع ذلك انتهت الحكومة إلى التخلف عن السداد على أي حال في عام 2017.
وتشمل المقترحات الاقتصادية المطروحة محلياً إصلاح شركة الكهرباء الخاسرة، المملوكة للدولة، ووضع ضوابط رسمية على رأس المال بدلاً من الحدود غير الرسمية لسقف السحب التي تفرضها البنوك، وزيادة الضرائب على الأغنياء.
ويمكن الحكومة أن تُعيد هيكلة ديونها بالعملة المحلية التي يحتفظ بها البنك المركزي والمقرضون المحليون والمؤسسات العامة الأخرى.
وبلغت الديون المحلية 54 مليار دولار في شهر سبتمبر/ أيلول، مع امتلاك البنك المركزي نحو 65% منها.
وانخفض سعر سندات مارس إلى مستوى قياسي بلغ 77 سنتاً في الشهر الماضي، بما يعادل عائداً يزيد على 100%. وقد ارتفع منذ ذلك الحين إلى 86 سنتاً.
وطمأن الرئيس ميشال عون اللبنانيين إلى أن لبنان سيخرج معافىً من الوضع الراهن سياسياً واقتصادياً، داعياً جميع الأطراف إلى إدراك الخطر الذي يتهدد لبنان حالياً.
وفي كلمة له، أكد رئيس الجمهورية أن لبنان يمرّ في مرحلة صعبة نتيجة التراكمات بفعل الديون التي رزح تحتها في ظل اقتصاد غير منتج.
ورأى أن "الحراك الشعبي يرفع مطالب سبق للرئيس عون أن طالب بها وعمل على تحقيقها من خلال اقتراحات قوانين قدمها إلى مجلس النواب عندما كان رئيساً لتكتل الإصلاح والتغيير، ولا سيما تلك التي تتناول مكافحة الفساد ورفع الحصانة ومنع التهرب الضريبي...". ولفت إلى أنه تفهم مطالب المتظاهرين ودعاهم إلى الحوار مراراً، لكنهم لم يتجاوبوا.
وحذر الرئيس عون من الشائعات التي تضرب المجتمع اللبناني وتعمل على إحداث فوضى فيه، خصوصاً من خلال تعميم تهمة الفساد على جميع العاملين في الشأن العام من دون التمييز بين الفاسد الحقيقي وغير الفاسد.
واعتبر أن هذا التعميم أفقد ثقة اللبنانيين بقياداتهم، وأثر سلباً بسمعة لبنان في الخارج. وجدد الدعوة إلى اللبنانيين للكشف عن مكامن الفساد لتسهل أمام المسؤولين عملية المحاسبة.