واصلت أسعار المستهلك (التضخم) في السودان انفلاتها، بعدما لامست الـ70% على أساس سنوي خلال نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، في ظل استمرار موجة الغلاء بفعل الصعود الكبير لسعر صرف الدولار وعدم قدرة الحكومة على إنهاء المضاربات.
وقال الجهاز المركزي للإحصاء، في بيان له، إن معدلات التضخم بلغت 68.93% الشهر الماضي، مقابل 68.44% على أساس سنوي في أكتوبر/ تشرين الأول، مشيرا إلى أن أكثر السلع التي أثرت على التضخم كانت اللحوم والبصل والزيوت والألبان.
ولفت جهاز الإحصاء إلى أن ولاية "البحر الأحمر" (شرق)، سجلت أعلى معدل للتضخم بين ولايات السودان الـ18، حيث سجلت 98.24% مقابل 97.86 في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
وأجازت الحكومة السودانية في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، حزمة من الإجراءات الاقتصادية، بينها تحديد سعر صرف جديد للجنيه السوداني، بعد إنشاء آلية جديد مستقلة من خارج الحكومة، لتحديد سعر الصرف، تتكون من عدد من مديري المصارف وأصحاب متاجر الصرافة وخبراء اقتصاد.
وأقرت آلية صناع السوق 47.5 جنيها سعرا رسميا للمصارف التجارية والصرافات، لجذب حصيلة الصادرات ومدخرات السودانيين العاملين بالخارج والحد من المضاربات على النقد الأجنبي في السوق السوداء، ليزيد السعر الجديد بنسبة 64% عن آخر سعر رسمي حدده البنك المركزي قبل عمل الآلية الجديدة والبالغ 29 جنيها.
ولم تفلح الإجراءات الحكومية في الحد من السوق السوداء للنقد الأجنبي، ليقفز سعر الدولار وفق متعاملين في سوق الصرف، إلى نحو 65 جنيها أمس، الإثنين.
وأدت الحملات الأمنية لملاحقة تجار العملة في أسواق الخرطوم إلى اختفاء التجار من الأماكن المعتادة بوسط السوق العربي وإلى شح المعروض من الدولار، وأصبحت المعاملات تتم بعيداً عن الأسواق بمقابل أعلى.
ودفع شح النقد الأجنبي ثم المحلي إلى ارتفاع الطلب على النقد اللازم للمعاملات اليومية ولسداد فواتير الواردات السلعية من الخارج.
وفى جولة لـ"العربي الجديد" في أسواق الخرطوم، بلغ سعر اللحوم نحو 180 جنيها للكيلوغرام، وغالون زيت الطعام زنة 36 رطلا نحو 1100 جنيه ورطل اللبن السائل 15 جنيها.
وعزا تجار ارتفاع الأسعار إلى عدم استقرار قيمة الجنيه، مشيرين إلى أن الزيادات وصلت نسبتها إلى 100% في بعض السلع، ما ساهم بصورة كبيرة في ركود الأسواق، لتخطي الأسعار مقدرة المواطن على الشراء واتجاه الكثيرين إلى شراء الاحتياجات الضرورية فقط. ويأتي انفلات معدلات التضخم، بينما تستهدف الحكومة نسبة 19.5% خلال 2018 وفق تقديرات الموازنة.
ورغم اقتراب نسبة التضخم المعلنة من قبل الحكومة من 70% في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، إلا أن خبراء اقتصاد شككوا في شفافية الإعلان الحكومي، مشيرين إلى أن النسب الحقيقية تتخطى هذه المستويات.
وقال محمد الزين، الخبير الاقتصادي: "ليس هنالك سبب يجعل التضخم ينخفض في ظل تدني الإنتاج بسبب الرسوم التي تفرضها الحكومة على المنتجين، وما زال حجم الصادرات ضعيفا، وعدم وجود مصادر أخرى للنقد الأجنبي، كما أن الاستيراد يعتمد بصورة أساسية على السوق الموازية"، متوقعا استمرار الأسعار في الارتفاع خلال الفترة المقبلة.
ورأى فياض حمزة، المحلل المالي، أن المؤشرات الحالية تدل على عدم قدرة الحكومة على دفع الاقتصاد للتعافي، داعيا إلى ضرورة دعم المنتجين وإيقاف جميع أنواع الجبايات والرسوم، خاصة في مرحلة الحصاد المقبلة للخروج من الأزمة الراهنة.
وقال الفاتح عثمان، الخبير الاقتصادي في البيانات الحكومية، موضحا: "هناك مقاييس متعددة ومختلفة للتضخم وفقا للفترة الزمنية وقائمة السلع، فالنسبة السنوية تصل إلى 300% تقريبا للعديد من السلع المستوردة، مثل الأدوات الكهربائية والسيارات والهواتف، وبين 150 و200% بالنسبة للحوم والبيض والألبان والخضروات والخبز، وأكثر من 300% للمكرونة والدقيق والجبن".