قال لي أحد المشاركين في مؤتمر "أستانة" الذي أطلقته روسيا الاتحادية أخيراً، للقاء المعارضة السورية، ووفد بشار الأسد، من أجل تثبيت وقف إطلاق النار، إن "كل ما يدور وراء الكواليس اقتصادي، وربما كعكة إعادة إعمار سورية الآن، هي أكثر ما يتفق حوله الرعاة وأكثر ما يختلفون عليه في آن واحد".
ومنذ ذلك الحديث، بتُّ أربط كل ما يخرج عن نظام الأسد، سواء من تصريحات أو محاولات إغراء لبقاء الأسد على كرسي الوراثة، بقضية إعادة إعمار سورية.
وأحاول أن أتصور شكل الهيمنة واقتسام النفوذ، على جغرافيا صغيرة لا تتجاوز 185 ألف كيلومتر مربع، لكنها تصل آسيا بأوروبا، وربما عبر ممر إجباري لتركيا، ودول الشرق الأوسط، ولما لهذه النعمة الإلهية من ميزات، إن بدأت بنقل الغاز، ولا تنتهي بتقليل تكاليف نقل البضائع والتبادل التجاري بين القارتين.
هذا إن استبعدتُ "إسرائيل" عن المعادلة، والتي لها الدور الأكبر، بعد سرقة الغاز العربي، ومحاولاتها الحثيثة لتوطيد العلاقات مع تركيا، ومحاولات دول كثيرة بما فيها روسيا، المستفيد الأكبر، من منع وصول الغاز القطري لتركيا، ليمرر إلى القارة العجوز.
قصارى القول: ركز رئيس حكومة بشار الأسد خلال استعراضه، خسائر المعركة الكونية التي شنها العالم ضد رئيسه بشار الأسد، على خسائر محددة دون التطرق لما هو أكبر وأعظم وأفدح.
فعلى سبيل الذكر، لم يأتِ على ذكر الإنسان، إن لجهة عدد القتلى أوالمعاقين، الذين ناهزوا مليون فرد، ولا إلى المهاجرين والمهجرين الذين يقدرون بنصف سكان سورية.
وهو -الإنسان- رأس المال الحقيقي لكل بلد، حامل التنمية وكلّ ما عداه محمول.
وأيضاً، لم يأتِ عماد خميس على ذكر خسائر الهدم والخراب، التي أحدثتها الآلة العسكرية، للأسد وشركائه خلال الحرب، ولم يذكر أيضاً هروب رؤوس الأموال والصناعيين، كما لم يذكر حجم خسائر القطاع الخاص، رغم الاعتراف المسبق أن 80% من المنشآت الخاصة هدمتها الحرب.
بل استعرض وباستفاضة، كل ما يثير شهية المتربصين ويجعل من مقايضة كرسي الأسد بكعكة الإعمار، موضع نقاش على الأقل. وقال: "إن النفط بعد أن كان يرفد خزينة الدولة بمبلغ 3 مليارات دولار، أصبحت البلاد تستورده حالياً، وبعد أن كان إنتاج الغاز 25 ألف طن لمحطات التوليد، أصبح الإنتاج 5 آلاف طن".
طبعاً لم يفت رئيس حكومة بشار الأسد، أن يشير إلى القطاع الزراعي، فلطالما كان ضمن الاتفاقات التي وقعها مع طهران أخيراً، ليذكر أن كميات القمح المعدة للتصدير قبل الحرب كانت تتجاوز مليوني طن، بينما نستورد الآن نحو 1.5 مليون طن بقيمة 400 مليون دولار.
خلاصة القول: إن لم نأت على ماهية مناسبة الطرح لرئيس الحكومة، ولم نربطه بالاتفاقات التي وقعتها حكومة الأسد أخيراً مع إيران، ومحاولات تبرير منح طهران ثروات ومقدرات سورية، فهل يحق لنا، ومن قبيل الفضول أن نسأل عن علاقة تقدير الخسائر بما بدأ يقال عن استعداد الدول والشركات الكبرى لحجز مكانها على خارطة إعادة إعمار سورية.
والأهم والأوجع، هل ستسمح المعارضة السورية والدول المؤيدة لثورة السوريين، أن يبيع الأسد سورية مرتين؟