تتزايد المخاطر الاقتصادية، التي يتعرض لها لبنان، بينما يتسع الغضب الشعبي، جراء تواصل التدهور المعيشي، في حين أصبح البلد أقرب للأزمة المالية من أي وقت مضى، على الأقل منذ فترة الثمانينيات التي شهدت دماراً مروعاً في الحرب الأهلية.
وشهد العديد من المناطق تظاهرات وقطع طرق، أمس السبت، وذلك لليوم الثالث على التوالي، احتجاجاً على فشل السلطات في إدارة الأزمة الاقتصادية وفرض المزيد من الضرائب، في وقت تبادلت القوى السياسية الاتهامات بالمسؤولية عن تدهور الوضع.
ويبدو أن الخروج من المأزق الحالي لن يكون سهلاً، إذ تواجه الحكومة مأزقاً كبيراً في الحصول على دعم خارجي لاسيما من أوروبا في ظل الإخفاقات في تحقيق إصلاحات اقتصادية ومواجهة الفساد، فضلا عن التوقعات بعدم تقديم الحلفاء الخليجيين على رأسهم السعودية والإمارات دعماً مالياً في محاولة لتقويض نفوذ حزب الله.
كما أنه لا يمكن لحكومة سعد الحريري، مع اتساع الغضب الشعبي، المضي قدما في فرض المزيد من الضرائب لتحقيق موارد مالية.
وسارعت الحكومة بالفعل، يوم الخميس الماضي، إلى إلغاء خطة بعد ساعات من إعلانها كانت تقضي فرض رسوم على المكالمات الصوتية عبر تطبيقات مثل واتساب.
لكن بخلاف هذه الرسوم، جرى الإعلان عن زيادة الضريبة على القيمة المضافة (على السلع) ستُطبق على مرحلتين، الأولى بنسبة 2 في المائة عام 2021 وبنسبة مماثلة إضافية عام 2022، لتصبح نسبة الضريبة الإجمالية المطبقة 15 بالمائة، إضافة إلى زيادة الحسومات من المعاشات التقاعدية، إضافة إلى بحث زيادة نسبة 3 في المائة على صفيحة البنزين.
ويأتي هذا بعد إقرار سلة كبيرة من الضرائب في موازنة العام الجاري 2019، طاولت الاستهلاك والمعاشات التقاعدية ومكتسبات الموظفين، والسلع وغيرها، وسبقتها نحو 27 ضريبة تم إقرارها من ضمن موازنة 2017.
وزادت التوجهات الحكومية من غضب المواطنين، الذين يعانون من تردي الخدمات وعلى رأسها الكهرباء، فضلاً عن الغلاء المتواصل.
وفي بلد يقوم على أسس طائفية ربما يكون انتشار الاحتجاجات على نطاق واسع على غير المعتاد علامة على تزايد الغضب من الساسة الذين شاركوا في دفع لبنان إلى هذه الأزمة.
وقال فادي عيسى (51 عاماً) الذي شارك في الاحتجاجات لرويترز: "ما بقى فينا نتحمل في ظل السلطة الفاسدة. أولادنا ما عندهم مستقبل... ما بدنا استقالة فقط بدنا محاسبة وبدهم يرجعوا المصاري يللي سرقوها ولازم يصير تغيير والشعب هو الذي يستطيع أن يغير".
وتصاعدت وتيرة المطالبات باستقالة حكومة الحريري. لكن الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، قال في كلمة على الهواء مباشرة، أمس السبت، إن جماعته لا تؤيد استقالة الحكومة الحالية، باعتبار أنها لا تتحمل وحدها مسؤولية ما آلت إليه الأمور.
وأضاف نصر الله أن البلاد أمامها وقت ضيق لحل الأزمة الاقتصادية، مشيراً إلى أن الاحتجاجات المستمرة تظهر أن الطريق للخروج من هذه الأزمة ليس بفرض ضرائب ورسوم جديدة على الفقراء وذوي الدخل المحدود. وتابع: "عند فرض ضرائب جديدة على الفقراء سننزل إلى الشارع".
وقال: "اليوم الوضع المالي والاقتصادي هو ليس وليد الساعة وليس وليد السنة ولا الثلاث سنوات ولا وليد العهد الجديد ولا الحكومة الحالية وإنما هو نتيجة تراكم عبر سنوات طويلة".
وقال: "لذلك نحن نقول لتستمر هذه الحكومة ولكن بروح جديدة وبمنهجية جديدة بأخذ العبرة مما جرى في هذه اليومين على مستوى الانفجار الشعبي". وخاطب المتظاهرين قائلاً "نحن نحترم خياركم بالتظاهر ونقدر صرختكم وتظاهركم واحتجاجكم... رسالة هذين اليومين مهمة جداً ويجب أن يستوعبها المسؤولون أن الشعب اللبناني لم يعد يطيق أي ضرائب جديدة".
وشهد اللبنانيون في سبتمبر/ أيلول الماضي تراجع سعر صرف الليرة أمام الدولار، واستمر التراجع إلى 1700 ليرة أمام الدولار، في حين أن السعر الرسمي 1507، وتم الإعلان عن شح في الدولارات، ما أدى إلى تشديد المصارف في تأمين السيولة الدولارية للمواطنين، في حين كان الوزراء يفضحون بعضهم بقضايا فساد دسمة، كان أبرزها ملفا الاتصالات والكهرباء.
وبدأت المخاوف تتسلل إلى قلوب المواطنين، يذكرون مرحلة التسعينيات، حين انهارت الليرة إلى 3000 أمام الدولار، وحين خسر اللبنانيون تعويضاتهم وودائعهم وامتص التضخم قدراتهم الشرائية.
وفي وقت سابق من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، قررت مؤسسة موديز للتصنيفات الائتمانية العالمية، وضع تصنيف لبنان (سي.ايه.ايه1) قيد المراجعة تمهيداً لتخفيضه، وقدرت أن المصرف المركزي الذي تدخل لتغطية مدفوعات الديون الحكومية بقيت لديه احتياطيات قابلة للاستخدام تتراوح بين 6 و10 مليارات دولار فقط للحفاظ على الاستقرار.
وتبلغ قيمة الديون التي يحين أجل سدادها بنهاية العام المقبل نحو 6.5 مليارات دولار، فيما قال المصرف المركزي إن الاحتياطي النقدي في 15 أكتوبر/ تشرين الأول بلغ 38.1 مليار دولار.
ونقلت رويترز عن مسؤول لم تكشف عن اسمه، أن لبنان لديه احتياطيات حقيقية تبلغ 10 مليارات دولار فقط، مضيفاً أن "الوضع في غاية التردي و(أمام لبنان) خمسة أشهر لتصحيح الوضع وإلا سيحدث انهيار في فبراير/ شباط المقبل".
ويواجه لبنان إذا لم يحصل على دعم مالي من الخارج احتمال تخفيض قيمة العملة، أو حتى التخلف عن سداد ديونه في غضون أشهر قليلة، ما يزيد من فرص تعرضه للإفلاس.
وفي سبتمبر/ أيلول الماضي غادر الحريري باريس دون تعهد بالحصول على سيولة فورية بعد أن زار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. وبالمثل عاد هذا الشهر من أبوظبي خاوي الوفاض بعد أن التقى ولي العهد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان.
ويقول مصرفيون واقتصاديون إن لبنان يحتاج إلى 10 مليارات دولار على الأقل لإنقاذ الوضع المالي.