واصلت تكاليف المعيشة ارتفاعها في سورية خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري، بالتزامن مع ارتفاع أسعار المحروقات والسلع الغذائية، وتراجع سعر صرف الليرة، ما فاقم من معاناة الأسر، وزاد من معدلات الفقر في البلد، الذي تعتصره الحرب منذ نحو ثماني سنوات.
وكشف مؤشر تكاليف المعيشة الصادر عن هيئة حماية المستهلك في دمشق، يوم السبت الماضي، عن ارتفاع تكاليف معيشة الأسرة المكونة من خمسة أشخاص بالعاصمة، إلى 325 ألف ليرة (591 دولارا)، تمثل حصة الغذاء الضروري والمشروبات منها، نحو 112 ألف ليرة، بينما تشهد الأجور ثباتاً عند عتبة 40 ألف ليرة منذ نحو ثلاث سنوات.
وأشار المؤشر إلى ارتفاع تكاليف الغذاء من خضروات وفواكه ولحوم ودجاج وزيوت، فيما حمل رئيس مجلس الوزراء بحكومة بشار الأسد، عماد خميس، خلال لقائه ممثلين عن الإعلام الخاص بسورية، من أسماهم بتجار الأزمة، مسؤولية ارتفاع الأسعار.
لكن الخبير الاقتصادي السوري، علي الشامي، قال إن تراجع سعر صرف الليرة أمام الدولار الأميركي والعملات الأجنبية الرئيسية، منذ بداية العام الجاري إلى نحو 550 ليرة للدولار، وارتفاع أسعار المحروقات والمواد الغذائية، أعاد نسبة الفقر إلى أكثر من 80% خلال العام الجاري، بعد التحسن النسبي الذي طرأ على حياة السوريين العام الماضي 2018.
وخسرت الليرة السورية نحو 15 في المائة من قيمتها خلال الأشهر الخمسة الأخيرة. إذ لم يزد سعر صرف الدولار نهاية أيلول/سبتمبر الماضي، عن 463 ليرة، قبل أن تبدأ سلسلة التهاوي منذ أكتوبر/تشرين الأول 2018 لتودع الليرة العام الماضي بخسائر أوصلت سعر الدولار إلى نحو 501 ليرة.
وأضاف الشامي لـ"العربي الجديد" أن تصميم النظام السوري على تثبيت الرواتب والأجور، عند عتبة 40 ألف ليرة، زاد من تكاليف معيشة الأسرة، مشيرا إلى أن تكاليف معيشة السوريين، ارتفعت وفق سلة الاستهلاك المعتمدة رسمياً والمكونة من ثماني حاجات أساسية، بنحو 15 ألف ليرة منذ مطلع العام الجاري، أي بنسبة 5 في المائة.
وتابع: "إذا ما تم قياس تكاليف المعيشة مقارنة بمنتصف العام الماضي، فإن الارتفاع يزيد عن 10 في المائة"، لافتا إلى أن مكونات الغذاء الضرورية نالت الحصة الأكبر من الارتفاع.
وكانت تكاليف معيشة الأسرة قد بلغت 310 آلاف ليرة بنهاية العام الماضي 2018، مرتفعة بمقدار خمسة آلاف ليرة عن نهاية 2017، وفق بيانات المؤشر الصادرة في يناير/كانون الثاني الماضي.
وقال الشامي إن ارتفاع أسعار المازوت، وبيعه بأسعار مختلفة خارج رقابة وسيطرة الحكومة، أدى أيضا إلى ارتفاع معظم السلع والمواد بالسوق، على اعتبار المازوت مادة أساسية في تكاليف الصناعة والزراعة.
وبدأ تهاوي سعر الليرة، مع اندلاع الثورة السورية عام 2011، حينها لم يزد سعر صرف الدولار عن 45 ليرة، لتبدأ بعد ذلك التاريخ في الانجراف لتصل إلى القاع نهاية 2016 بوصولها إلى نحو 645 ليرة للدولار الواحد، قبل أن تتحسن قليلا في 2017، مسجلة 460 ليرة نهاية ذلك العام، لكنها عاودت التذبذب في 2018 حول 500 ليرة، لتعاود الهبوط منذ مطلع العام الجاري.
وحول كيفية تدبير السوريين أمور معيشتهم بواقع التفاوت الهائل بين الدخول والإنفاق، قال الخبير الاقتصادي السوري محمود حسين، في تصريحات سابقة لـ"العربي الجديد" إن التحويلات الخارجية، سواء لمناطق الأسد أو المعارضة، تأتي كأحد أهم أسباب مساعدة السوريين على العيش، ولكن في الحد الأدنى، إذ تصل التحويلات إلى الداخل السوري بنحو 4.5 ملايين دولار يومياً. ووفق بيانات البنك الدولي، فقد بلغت قيمة التحويلات الخارجية إلى سورية، خلال العام الماضي، نحو 1.62 مليار دولار.
في هذه الأثناء، أشار التقرير الوطني للتنمية المستدامة الصادر عن رئاسة الوزراء، إلى ارتفاع معدل الفقر بسورية خلال سنوات الحرب، رغم أن التقرير الرسمي لم يذكر بيانات ما بعد عام 2015.
ولفت إلى أنه قبل الحرب وصل معدل الفقر المدقع (الغذائي) إلى حدوده الدنيا، بنحو 1.1 بالمائة من إجمالي عدد السكان عام 2010، لترتفع هذه النسبة بشكل كبير خلال سنوات الحرب.
ففي عام 2015، خلص مسح الأمن الغذائي الأسري إلى أن 33 في المائة من الأسر تعاني من انعدام أمنها الغذائي، في حين لم تتجاوز نسبة الأسر الآمنة غذائياً أكثر من 16 بالمائة.
وكشف التقرير عن أن نسبة الفقر الأعلى (الشديد) قفزت إلى 63.6 بالمائة في 2015، مقارنة بنحو 24.8 بالمائة عام 2010، مشيرا إلى تعرض أكثر من نصف السوريين بواقع 51.6 في المائة لخطر فقدان الأمن الغذائي عام 2015، ما خلّف انعكاسات خطرة منها زيادة معدلات وفيات الأطفال.