في أول مراجعة رسمية لتأثيرات أزمة كورونا، وتهاوي أسعار النفط العالمية على المؤشرات الاقتصادية في روسيا، توقع المصرف المركزي انكماش الاقتصاد ما بين 4 و6 في المائة العام الحالي، وهو أسوأ معدل منذ أكبر انهيار مالي واقتصادي شهدته روسيا في 1998.
لكن خبراء ودراسات يتوقعون تراجعا أكبر بكثير، كما قرر المصرف خفض سعر الفائدة الأساسي في محاولة لدعم النمو الاقتصادي، وضاعف ضخ العملات الأجنبية في السوق لوقف تدهور سعر صرف الروبل من أجل الحدّ من التضخم وانهيار القطاع المالي في البلاد.
وكشفت وزارة التنمية الاقتصادية أن خسائر الإجراءات التقليدية على العمل والتحرك تكلف روسيا قرابة 100 مليار روبل يوميا (1.3 مليار دولار تقريبا)، في حين يقدر بعض الخبراء الخسائر اليومية بنحو 150 مليارا (ملياري دولار).
اقــرأ أيضاً
وتشي خسائر الاقتصاد الروسي بأن احتياطات المركزي الروسي والصناديق السيادية يمكن أن تنفد، أسرع بكثير من تقديرات السلطات المالية والنقدية التي أكدت أنها تكفي لست سنوات مقبلة في ظروف تراجع أسعار النفط.
أسوأ نتيجة منذ صعود بوتين
وفي أسوأ تراجع منذ 1998، توقع المركزي الروسي، الجمعة، انكماش الناتج المحلي ما بين
4 و6 في المائة في عام 2020، مشيرا إلى أن الاقتصاد سوف يعاود نموه ما بين 2.8 و4.8 في المائة في عام 2021 و1.5 و3.5 في عام 2022.
وذكر أن الاقتصاد الروسي يتراجع بنحو 8 في المائة في الربع الثاني من العام الحالي، لكن خبراء مصرف "ألفا بانك" الروسي يتوقعون أن يتراجع الناتج المحلي في إبريل/ نيسان الجاري بنحو 20 في المائة على أساس سنوي.
كما رجحت دراسة أعدتها أكاديمية الاقتصاد الوطني التابعة لحكومة الاتحاد الروسي ومعهد غايدار للسياسة الاقتصادية هبوط الاقتصاد الروسي ما بين 7 و12 في المائة في حصيلة العام الحالي، وربطت الدراسة تباين التوقعات بمدى استمرار جائحة كورونا العالمية، وتراجع أسعار النفط والخامات.
ومعلوم أن الحكومة توقعت زيادة النمو بنحو 1.9 في المائة في العام الحالي، بحساب 42 دولارا لبرميل النفط، وبالطبع لم تكن تحسب تأثيرات كورونا المستجد.
كما توقع المركزي الروسي انهيار صادرات البلاد بأكثر من 40 في المائة في 2020، لتبلغ 250 مليار دولار من نحو 419 مليارا العام الماضي، ما سيؤدي إلى عجز تجاري، ويتوقع أن تبلغ قيمة الواردات 207 مليارات.
ونتيجة لتراجع حجم الصادرات وانهيار النفط، توقع المركزي الروسي تسجيل عجز في الحساب الجاري لعامين متتاليين، 2020 و2021، وهو أمر "غير مسبوق في التاريخ الروسي الحديث" حسب خبراء الاقتصاد الروس.
وبنى المركزي الروسي توقعاته على أساس أن يبلغ معدل سعر برميل نفط "أورالز" الروسي 27 دولارا هذا العام، مقابل 55 دولارا في توقعات سابقة. كما توقع أن يرتفع إلى 35 دولارا عام 2021 و45 دولارا عام 2022.
لكن خبراء يشككون في إمكانية ارتفاع سوق النفط إلى هذه المعدلات خاصة في حال استمرار كورونا، وبسبب التخمة الكبيرة في الأسواق بعدما تراجعت الأسعار إلى قيمة سلبية لتسليم شهر مايو/ أيار المقبل.
إدمان على موارد النفط
ووجه السقوط الحر لأسعار النفط في الشهرين الأخيرين بعد اندلاع الحرب النفطية ضربة
قاسية للاقتصاد الروسي، وفي بداية الشهر الحالي سجل سعر النفط الروسي ماركة "أورالز" 10 دولارات للبرميل الواحد، مقارنة بنحو 46 دولارا عشية رفض روسيا خفضا إضافيا للإنتاج في إطار اتفاق مع بلدان أوبك في 9 مارس/ آذار، وهو أدنى مستوى منذ صعود الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى سدة الحكم في 1999.
وأوضحت مؤسسة "أرغوس ميديا" التي ترصد أسعار النفط وتأثيراته، أن تراجع سعر النفط الحالي يجعل التصدير خاسرا بالنسبة للشركات الروسية المنتجة، مشيرة إلى أنه بحساب تكاليف النقل إلى الموانئ فإن سعر بيع طن النفط إلى الخارج بات أدنى من أسعار البيع في السوق الداخلية الروسية بنحو 1200 روبل.
وأفادت بأن الضرائب على استخراج الثروات المعدنية تصبح صفرا، مع تراجع حاد في ضريبة التصدير التي تفرضها الحكومة على الصادرات النفطية مع هبوط سعر البرميل إلى 15 دولارا. ومعلوم أن النفط زود الموازنة الروسية بنحو 35 في المائة من وارداتها العام الماضي بواقع 5.2 تريليونات روبل من ضريبة الاستخراج، و1.6 تريليون من ضريبة الصادرات.
وتوقع كبير الاقتصاديين في مؤسسة "VygonConsulting" سيرغي بيزوف، في تصريح لصحيفة "كوميرسانت"، أن "تنخفض عائدات الموازنة الروسية في شكل حاد في حال تواصل انهيار الأسعار وأن تنخفض إلى 240 مليار روبل من ضرائب الاستخراج والتصدير مقارنة بنحو 6.8 تريليونات روبل".
مصادر تغطية العجز
ورغم الخسائر الفادحة للصناعة النفطية في روسيا، وانعكاساتها على الوضع الاقتصادي، أكدت موسكو أكثر من مرة أنها قادرة على الصمود لسنوات، وفي 20 مارس/ آذار الماضي أوضح وزير المالية أنطون سيلوانوف أنه بأسعار النفط الحالية (كان سعر برميل أورالز حينها يساوي حوالي 23 دولارًا للبرميل) لدى روسيا هامش أمان كافٍ لمدة ست سنوات، مشددا على أنه "من وجهة نظر الوفاء بالالتزامات ذات الأولوية، وهي الرواتب والمعاشات التقاعدية والمساعدات الاجتماعية، لا يوجد سبب للحديث عن تغيير في إجراءات الدفع ، وسوف نلتزم بها تمامًا".
وتبدي السلطات الروسية ثقة بتجاوز الأزمة اعتمادا على عدة عوامل، أولها وجود احتياطات ضحمة من العملات الأجنبية تقدر بنحو 550 مليار دولار جمعها المصرف المركزي في السنوات الأخيرة من صادرات النفط والغاز، كما تعول على أن أسعار النفط سوف ترتفع بحدة بعد انتهاء أزمة كورونا على المديَين القصير والمتوسط، لعاملين أولهما ارتفاع الطلب من استئناف عمل المؤسسات الإنتاجية في العالم وتعافيها من أزمة كورونا، والثاني تراجع الاستثمارات في الحقول الجديدة، وانهيار صناعة النفط الصخري في الولايات المتحدة.
اقــرأ أيضاً
ومنذ أيام، توقع رئيس شركة "روسنفت" أكبر شركة منتجة للنفط في روسيا ارتفاع سعر البرميل إلى 60 دولارا في النصف الثاني من العام الحالي. كما أن معظم الخبراء الروس ينطلقون من أن تراجع سعر صرف الروبل يخفض سعر التكلفة لأنها تدفع بالعملة المحلية لتشغيل الحقول وتبيع منتجاتها بالدولار الأميركي.
لكن معظم المحللين النفطيين، لا يستبعدون أن تحافظ الأسعار على مستواها المنخفض لفترة طويلة، نظرا لعدم وجود يقين حول موعد خروج العالم من أزمة كورونا وتأثيراتها. وبالتالي نضوب الاحتياطات النقدية وتبخرها بسرعة.
ومعلوم أن الحكومة الروسية بنت موازنتها في العام الحالي على أساس سعر 42.2 دولارا للبرميل، وأعلنت أن موارد صندوق الرفاه الوطني قادرة على تغطية العجز لفترة تتراوح بين 6 و10 سنوات، وحسب البيانات الرسمية بلغ حجم صندوق الرفاه الوطني في 1 مارس/ آذار 2020، 8.2 تريليونات روبل.
وخلصت دراسة أعدها مصرف "دويتشه بنك"، إلى أن مدخرات صندوق الرفاه الروسي ستكفي روسيا لتغطية العجز في النفقات لمدة سنتين فقط إذا بقيت أسعار النفط عند 15 دولارا للبرميل. وقال المصرف إن حجم موجودات الصندوق تراجع في إبريل نحو 20 في المائة.
كورونا يعمق الجراح
وفي أحدث تصريحاته، أقر الرئيس فلاديمير بوتين بأن "الوباء أربك نسق الحياة الاقتصادية والتجارية في روسيا". وقبل ذلك بيوم، اعتبر بوتين أن الوباء "يهدد أساسا الحياة والصحة البشرية" لكن له تأثيرا "بنفس القدر من الخطورة" على الاقتصاد.
وقدر وزير التنمية الاقتصادية الروسي مكسيم ريتشنيكوف خسائر بلاده بسبب الحجر الصحي وتوقف العمل في بعض المؤسسات بنحو 100 مليار روبل يوميا، وتوقع في تصريحات، الجمعة، لقناة "روسيا 1" أن عجر الموازنة الروسية قد يصل إلى 5.5 في المائة، مستدركا أن الحكومة سوف تفي بجميع التزاماتها الاجتماعية.
وتعمق أزمة كورونا جراح الاقتصاد الروسي، ومع ازدياد حالات الإصابة في روسيا، قرر الرئيس بوتين منح عطلة مفتوحة مدفوعة الأجر في الأسبوع الأخير من شهر مارس/ آذار ومددها لاحقا حتى نهاية الشهر الحالي.
وتعهدت الحكومة في وقت سابق برصد 18 مليار دولار لمكافحة انتشار فيروس كورونا وتداعياته الاقتصادية، وأبدت استعدادها لبحث إجراءات إضافية لتجاوز الأزمة التي وضعت الاقتصاد على شفا الركود.
وقال رئيس الوزراء ميخائيل ميشوستين إن روسيا أقرت إعفاءات ضريبية، وخففت الشروط التنظيمية للشركات المتضررة من الفيروس، في قطاعات مثل الخدمات الغذائية والسياحة.
وحسب أقل التوقعات المستقلة تشاؤما، من المنتظر أن تخسر روسيا ما بين 600 و900 مليار روبل عن العطلة عن كل أسبوع عمل، أي ما بين 3 و4.5 تريليونات روبل للمدة حتى نهاية إبريل.
اقــرأ أيضاً
وتوقع الخبير في الاقتصاد الكلي في مصرف "رايفايزينبانك" ستانيسلاف مواراشوف، أن يتراجع الاقتصاد الروسي نتيجة العطل ما بين 2.5 و3 في المائة في نهاية العام.
وقدرت كبيرة الاقتصاديين في "ألفا بانك" نتاليا أرلوفا تراجع النشاط الاقتصادي في روسيا بنحو 20 في المائة بسبب إغلاق مراكز التسوق والترفيه والشركات الصغيرة والمتوسطة، وأشارت إلى أن الربع الثاني سيكون صعبا، وتوقعت في استطلاع أجراه موقع "إر بي كا" تراجع الناتج المحلي في الربع الثاني بنحو 6 في المائة.
بطالة وانهيار قطاعات
وفي 23 مارس/ آذار، وقبل تسارع انهيار النفط وإغلاق البلاد، نقلت بلومبيرغ عن مصدر روسي، أنه وفقًا لتوقعات سلبية غير رسمية لتطور الوضع مع فيروس كورونا، الذي تدرسه
الحكومة الروسية، قد ينخفض اقتصاد البلاد بنسبة 5-10 في المائة بحلول نهاية العام.
ومع تركيز الحكومة على إنقاذ نحو 600 من الشركات الكبرى والمهمة لضمان حياة المواطنين، من المتوقع أن تزداد معاناة الشركات الصغيرة والمتوسطة، وإفلاس كثير منها وموجات تسريح جماعية يمكن أن ترفع نسب البطالة وعدد الفقراء، إلى مستويات قياسية.
وحذرت مؤسسة "ترودفايا روسيا" من أن ما بين نصف مليون ومليون عامل في العاصمة معرضون لفقدان وظائفهم بسبب أزمة كورونا التي ضربت العاصمة أكثر من جميع المناطق الروسية، وتوقعت أن يشهر نحو نصف المؤسسات العاملة في مجال المطاعم والمقاهي، والأندية الرياضية والنشاطات الترفيهية، الإفلاس، إضافة إلى العاملين في الفنادق وصالونات التجميل. وطالبت المؤسسة حكومة موسكو باتخاذ إجراءات إضافية لدعم هذه القطاعات.
وتزداد معاناة الفقراء في ظل الأزمة وخاصة المعتمدين على الأعمال الموسمية، أو الذين يقومون بأعمال إضافية لتحقيق كفايتهم، وكشف استطلاع صدر حديثا أن 60 في المائة من الروس لا يملكون مدخرات تكفيهم أكثر من شهر واحد.
دعم النمو والروبل
وفي تصريحاتها الأخيرة، قالت محافظة المركزي الروسي إلفيرا مابيولينا إن المصرف ضخ 5.5 مليارات دولار منذ العاشر من مارس الماضي لدعم الروبل وتعويض العجز في العملات الأجنبية، ومنذ الأربعاء زاد المركزي تدخله في السوق ليصل إلى 300 مليون دولار يوميا، ما يتسبب في سرعة نفاد احتياطات المصرف.
وللمرة الأولى منذ أزمة 2014، خفض المركزي الروسي سعر الفائدة الأساسي إلى 5.5 في المائة، ليختار مقاومة انكماش الاقتصاد على حساب ضبط التضخم، متوقعا ارتفاع التضخم في العام الحالي إلى 4.8 في المائة بعدما استقر في السنوات الأخيرة تحت 4 في المائة. ولمّح المصرف إلى إمكانية إجراء تخفيضات أخرى خلال اجتماعاته المقبلة، بنحو نصف نقطة أساس.
وفي حين هوى برنت بنحو 40 في المائة منذ الشهر الماضي، تراجع الروبل بنحو 4 في المائة فقط بسبب تدخل المركزي في السوق، واستقر بحدود 74 مقابل الدولار و80 مقابل اليورو.
ونتيجة تهاوي النفط بسبب الحرب النفطية وأزمة كورونا، ومع عدم قدرتها على الاقتراض من الأسواق الخارجية بفعل العقوبات الغربية على المصارف، تواجه روسيا أزمة عميقة، وقد تتسبب في خسارة كثير من الإنجازات الاقتصادية التي حققتها البلاد في ظل حكم بوتين لتشكل ضربة لطموحاته بالبقاء في الحكم لما بعد 2024.
خاصة أن الظروف ستجبر الحكومة على تأجيل جديد للمشروعات القومية التي أطلقها بداية العام وتقضي بصرف قرابة 400 مليار دولار حتى 2024.
وكشفت وزارة التنمية الاقتصادية أن خسائر الإجراءات التقليدية على العمل والتحرك تكلف روسيا قرابة 100 مليار روبل يوميا (1.3 مليار دولار تقريبا)، في حين يقدر بعض الخبراء الخسائر اليومية بنحو 150 مليارا (ملياري دولار).
أسوأ نتيجة منذ صعود بوتين
وفي أسوأ تراجع منذ 1998، توقع المركزي الروسي، الجمعة، انكماش الناتج المحلي ما بين
وذكر أن الاقتصاد الروسي يتراجع بنحو 8 في المائة في الربع الثاني من العام الحالي، لكن خبراء مصرف "ألفا بانك" الروسي يتوقعون أن يتراجع الناتج المحلي في إبريل/ نيسان الجاري بنحو 20 في المائة على أساس سنوي.
كما رجحت دراسة أعدتها أكاديمية الاقتصاد الوطني التابعة لحكومة الاتحاد الروسي ومعهد غايدار للسياسة الاقتصادية هبوط الاقتصاد الروسي ما بين 7 و12 في المائة في حصيلة العام الحالي، وربطت الدراسة تباين التوقعات بمدى استمرار جائحة كورونا العالمية، وتراجع أسعار النفط والخامات.
ومعلوم أن الحكومة توقعت زيادة النمو بنحو 1.9 في المائة في العام الحالي، بحساب 42 دولارا لبرميل النفط، وبالطبع لم تكن تحسب تأثيرات كورونا المستجد.
كما توقع المركزي الروسي انهيار صادرات البلاد بأكثر من 40 في المائة في 2020، لتبلغ 250 مليار دولار من نحو 419 مليارا العام الماضي، ما سيؤدي إلى عجز تجاري، ويتوقع أن تبلغ قيمة الواردات 207 مليارات.
ونتيجة لتراجع حجم الصادرات وانهيار النفط، توقع المركزي الروسي تسجيل عجز في الحساب الجاري لعامين متتاليين، 2020 و2021، وهو أمر "غير مسبوق في التاريخ الروسي الحديث" حسب خبراء الاقتصاد الروس.
وبنى المركزي الروسي توقعاته على أساس أن يبلغ معدل سعر برميل نفط "أورالز" الروسي 27 دولارا هذا العام، مقابل 55 دولارا في توقعات سابقة. كما توقع أن يرتفع إلى 35 دولارا عام 2021 و45 دولارا عام 2022.
لكن خبراء يشككون في إمكانية ارتفاع سوق النفط إلى هذه المعدلات خاصة في حال استمرار كورونا، وبسبب التخمة الكبيرة في الأسواق بعدما تراجعت الأسعار إلى قيمة سلبية لتسليم شهر مايو/ أيار المقبل.
إدمان على موارد النفط
ووجه السقوط الحر لأسعار النفط في الشهرين الأخيرين بعد اندلاع الحرب النفطية ضربة
وأوضحت مؤسسة "أرغوس ميديا" التي ترصد أسعار النفط وتأثيراته، أن تراجع سعر النفط الحالي يجعل التصدير خاسرا بالنسبة للشركات الروسية المنتجة، مشيرة إلى أنه بحساب تكاليف النقل إلى الموانئ فإن سعر بيع طن النفط إلى الخارج بات أدنى من أسعار البيع في السوق الداخلية الروسية بنحو 1200 روبل.
وأفادت بأن الضرائب على استخراج الثروات المعدنية تصبح صفرا، مع تراجع حاد في ضريبة التصدير التي تفرضها الحكومة على الصادرات النفطية مع هبوط سعر البرميل إلى 15 دولارا. ومعلوم أن النفط زود الموازنة الروسية بنحو 35 في المائة من وارداتها العام الماضي بواقع 5.2 تريليونات روبل من ضريبة الاستخراج، و1.6 تريليون من ضريبة الصادرات.
وتوقع كبير الاقتصاديين في مؤسسة "VygonConsulting" سيرغي بيزوف، في تصريح لصحيفة "كوميرسانت"، أن "تنخفض عائدات الموازنة الروسية في شكل حاد في حال تواصل انهيار الأسعار وأن تنخفض إلى 240 مليار روبل من ضرائب الاستخراج والتصدير مقارنة بنحو 6.8 تريليونات روبل".
مصادر تغطية العجز
ورغم الخسائر الفادحة للصناعة النفطية في روسيا، وانعكاساتها على الوضع الاقتصادي، أكدت موسكو أكثر من مرة أنها قادرة على الصمود لسنوات، وفي 20 مارس/ آذار الماضي أوضح وزير المالية أنطون سيلوانوف أنه بأسعار النفط الحالية (كان سعر برميل أورالز حينها يساوي حوالي 23 دولارًا للبرميل) لدى روسيا هامش أمان كافٍ لمدة ست سنوات، مشددا على أنه "من وجهة نظر الوفاء بالالتزامات ذات الأولوية، وهي الرواتب والمعاشات التقاعدية والمساعدات الاجتماعية، لا يوجد سبب للحديث عن تغيير في إجراءات الدفع ، وسوف نلتزم بها تمامًا".
وتبدي السلطات الروسية ثقة بتجاوز الأزمة اعتمادا على عدة عوامل، أولها وجود احتياطات ضحمة من العملات الأجنبية تقدر بنحو 550 مليار دولار جمعها المصرف المركزي في السنوات الأخيرة من صادرات النفط والغاز، كما تعول على أن أسعار النفط سوف ترتفع بحدة بعد انتهاء أزمة كورونا على المديَين القصير والمتوسط، لعاملين أولهما ارتفاع الطلب من استئناف عمل المؤسسات الإنتاجية في العالم وتعافيها من أزمة كورونا، والثاني تراجع الاستثمارات في الحقول الجديدة، وانهيار صناعة النفط الصخري في الولايات المتحدة.
لكن معظم المحللين النفطيين، لا يستبعدون أن تحافظ الأسعار على مستواها المنخفض لفترة طويلة، نظرا لعدم وجود يقين حول موعد خروج العالم من أزمة كورونا وتأثيراتها. وبالتالي نضوب الاحتياطات النقدية وتبخرها بسرعة.
ومعلوم أن الحكومة الروسية بنت موازنتها في العام الحالي على أساس سعر 42.2 دولارا للبرميل، وأعلنت أن موارد صندوق الرفاه الوطني قادرة على تغطية العجز لفترة تتراوح بين 6 و10 سنوات، وحسب البيانات الرسمية بلغ حجم صندوق الرفاه الوطني في 1 مارس/ آذار 2020، 8.2 تريليونات روبل.
وخلصت دراسة أعدها مصرف "دويتشه بنك"، إلى أن مدخرات صندوق الرفاه الروسي ستكفي روسيا لتغطية العجز في النفقات لمدة سنتين فقط إذا بقيت أسعار النفط عند 15 دولارا للبرميل. وقال المصرف إن حجم موجودات الصندوق تراجع في إبريل نحو 20 في المائة.
كورونا يعمق الجراح
وفي أحدث تصريحاته، أقر الرئيس فلاديمير بوتين بأن "الوباء أربك نسق الحياة الاقتصادية والتجارية في روسيا". وقبل ذلك بيوم، اعتبر بوتين أن الوباء "يهدد أساسا الحياة والصحة البشرية" لكن له تأثيرا "بنفس القدر من الخطورة" على الاقتصاد.
وقدر وزير التنمية الاقتصادية الروسي مكسيم ريتشنيكوف خسائر بلاده بسبب الحجر الصحي وتوقف العمل في بعض المؤسسات بنحو 100 مليار روبل يوميا، وتوقع في تصريحات، الجمعة، لقناة "روسيا 1" أن عجر الموازنة الروسية قد يصل إلى 5.5 في المائة، مستدركا أن الحكومة سوف تفي بجميع التزاماتها الاجتماعية.
وتعمق أزمة كورونا جراح الاقتصاد الروسي، ومع ازدياد حالات الإصابة في روسيا، قرر الرئيس بوتين منح عطلة مفتوحة مدفوعة الأجر في الأسبوع الأخير من شهر مارس/ آذار ومددها لاحقا حتى نهاية الشهر الحالي.
وتعهدت الحكومة في وقت سابق برصد 18 مليار دولار لمكافحة انتشار فيروس كورونا وتداعياته الاقتصادية، وأبدت استعدادها لبحث إجراءات إضافية لتجاوز الأزمة التي وضعت الاقتصاد على شفا الركود.
وقال رئيس الوزراء ميخائيل ميشوستين إن روسيا أقرت إعفاءات ضريبية، وخففت الشروط التنظيمية للشركات المتضررة من الفيروس، في قطاعات مثل الخدمات الغذائية والسياحة.
وحسب أقل التوقعات المستقلة تشاؤما، من المنتظر أن تخسر روسيا ما بين 600 و900 مليار روبل عن العطلة عن كل أسبوع عمل، أي ما بين 3 و4.5 تريليونات روبل للمدة حتى نهاية إبريل.
وقدرت كبيرة الاقتصاديين في "ألفا بانك" نتاليا أرلوفا تراجع النشاط الاقتصادي في روسيا بنحو 20 في المائة بسبب إغلاق مراكز التسوق والترفيه والشركات الصغيرة والمتوسطة، وأشارت إلى أن الربع الثاني سيكون صعبا، وتوقعت في استطلاع أجراه موقع "إر بي كا" تراجع الناتج المحلي في الربع الثاني بنحو 6 في المائة.
بطالة وانهيار قطاعات
وفي 23 مارس/ آذار، وقبل تسارع انهيار النفط وإغلاق البلاد، نقلت بلومبيرغ عن مصدر روسي، أنه وفقًا لتوقعات سلبية غير رسمية لتطور الوضع مع فيروس كورونا، الذي تدرسه
ومع تركيز الحكومة على إنقاذ نحو 600 من الشركات الكبرى والمهمة لضمان حياة المواطنين، من المتوقع أن تزداد معاناة الشركات الصغيرة والمتوسطة، وإفلاس كثير منها وموجات تسريح جماعية يمكن أن ترفع نسب البطالة وعدد الفقراء، إلى مستويات قياسية.
وحذرت مؤسسة "ترودفايا روسيا" من أن ما بين نصف مليون ومليون عامل في العاصمة معرضون لفقدان وظائفهم بسبب أزمة كورونا التي ضربت العاصمة أكثر من جميع المناطق الروسية، وتوقعت أن يشهر نحو نصف المؤسسات العاملة في مجال المطاعم والمقاهي، والأندية الرياضية والنشاطات الترفيهية، الإفلاس، إضافة إلى العاملين في الفنادق وصالونات التجميل. وطالبت المؤسسة حكومة موسكو باتخاذ إجراءات إضافية لدعم هذه القطاعات.
وتزداد معاناة الفقراء في ظل الأزمة وخاصة المعتمدين على الأعمال الموسمية، أو الذين يقومون بأعمال إضافية لتحقيق كفايتهم، وكشف استطلاع صدر حديثا أن 60 في المائة من الروس لا يملكون مدخرات تكفيهم أكثر من شهر واحد.
دعم النمو والروبل
وفي تصريحاتها الأخيرة، قالت محافظة المركزي الروسي إلفيرا مابيولينا إن المصرف ضخ 5.5 مليارات دولار منذ العاشر من مارس الماضي لدعم الروبل وتعويض العجز في العملات الأجنبية، ومنذ الأربعاء زاد المركزي تدخله في السوق ليصل إلى 300 مليون دولار يوميا، ما يتسبب في سرعة نفاد احتياطات المصرف.
وللمرة الأولى منذ أزمة 2014، خفض المركزي الروسي سعر الفائدة الأساسي إلى 5.5 في المائة، ليختار مقاومة انكماش الاقتصاد على حساب ضبط التضخم، متوقعا ارتفاع التضخم في العام الحالي إلى 4.8 في المائة بعدما استقر في السنوات الأخيرة تحت 4 في المائة. ولمّح المصرف إلى إمكانية إجراء تخفيضات أخرى خلال اجتماعاته المقبلة، بنحو نصف نقطة أساس.
وفي حين هوى برنت بنحو 40 في المائة منذ الشهر الماضي، تراجع الروبل بنحو 4 في المائة فقط بسبب تدخل المركزي في السوق، واستقر بحدود 74 مقابل الدولار و80 مقابل اليورو.
ونتيجة تهاوي النفط بسبب الحرب النفطية وأزمة كورونا، ومع عدم قدرتها على الاقتراض من الأسواق الخارجية بفعل العقوبات الغربية على المصارف، تواجه روسيا أزمة عميقة، وقد تتسبب في خسارة كثير من الإنجازات الاقتصادية التي حققتها البلاد في ظل حكم بوتين لتشكل ضربة لطموحاته بالبقاء في الحكم لما بعد 2024.
خاصة أن الظروف ستجبر الحكومة على تأجيل جديد للمشروعات القومية التي أطلقها بداية العام وتقضي بصرف قرابة 400 مليار دولار حتى 2024.