دفعت الظروف الصعبة، التي يكابدها الشاب الفلسطيني، سامي عمر، وعدم انتظام راتبه، الذي يتقاضاه من الحكومة في غزة، إلى العمل في إحدى الشركات العاملة في مجال توصيل الطلبات، "الديلفري"، من أجل توفير مستلزمات الحياة اليومية لزوجته وأطفاله.
ويقول عمر، لـ "العربي الجديد"، إن الواقع الاقتصادي السيئ الذي يعيشه الشباب الغزي دفعهم إلى العمل في وظائف بعيدة عن تخصصاتهم الجامعية، كمهنة توصيل الطلبات، التي انتشرت في السنوات القليلة الماضية، مع تعدد المؤسسات الدولية والخاصة العاملة في غزة، والتي تطلب توصيل طلباتها وجلب طلبات أخرى.
ويضيف: "عملت في مجال توصيل الطلبات قبل سنوات، وتركت ذلك بسبب وظيفتي الحكومية، التي تلزمني بعدم العمل في وظيفة أخرى، إلا أنّ الأزمة المالية الحالية وعدم الحصول على رواتب كاملة، منذ ما يقرب من عامين، دفعني إلى العودة لمهنة الديلفري، كي أوفر لعائلتي وأبنائي الثلاثة احتياجاتهم الأساسية".
ويوضح أن العديد من الشباب وخريجي الجامعات الغزية اتجهوا للعمل في العديد من شركات "الديلفري" في غزة، كونها تمكنهم من توفير مصاريفهم الشخصية في ظل ارتفاع معدلات البطالة وازدياد نسبة الفقر في صفوف السكان بصورة كبيرة، في السنوات الأخيرة.
ويبين عمر أن واقع شركات التوصيل السريع في غزة صعب للغاية، كونه يعتمد على جهود شبابية في غالبيته واقتصار فئة العمل على طبقة المؤسسات الدولية والشركات وشريحة المقتدرين مادياً، وهو ما يجعل إمكانية تحصيل أكبر عائد مادي صعبة.
ويتابع الشاب الغزّي: ما يستطيع أي عامل في مجال الديلفري تحصيله يستطيع من خلاله الاستغناء عن طلب المساعدة، لكنه لا يساعد على بناء مستقبل أو توفير مستلزمات حياة كاملة، في ظل الواقع الاقتصادي والمعيشي الصعب، الذي يعيشه قطاع غزة.
أما الشاب، أحمد أبوعلي، فقد أجبرته الظروف الاقتصادية الصعبة لعائلته على الانقطاع عن دارسته الجامعية، والتوجه إلى العمل كمندوب لدى إحدى شركات توصيل الطلبات لسد احتياجات عائلته المادية المكونة من تسعة أفراد، وعدم قدرة والده على العمل بسبب مرضه.
ويقول أبوعلي، في حديث مع "العربي الجديد"، إنه يعمل إلى أطول وقت ممكن في الشركة (نحو 12 ساعة يومياً) من أجل كسب أكبر عائد مادي يساعده على تلبية احتياجاته وأسرته، في ظل شح الوظائف، وتدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وارتفاع معدلات البطالة في صفوف الشباب.
اقرأ أيضاً: "شواء اللحوم".. مشروع موسمي لتشغيل الشباب في غزة
ويوضح أن مهنة توصيل الطلبات تعتبر خطرة للغاية، كونها تعتمد على الدراجات النارية في ظل رفض العديد من شركات التأمين المحلية في غزة توفير التأمين على حياة العاملين في شركات توصيل الطلبات، لارتفاع معدلات حوادث الدراجات النارية، وارتفاع الخسائر المادية التي قد تتعرض لها هذه الشركات.
وعن سبب اختياره مهنة توصيل الطلبات، يلفت أبو علي إلى أنه بحث كثيراً عن فرص عمل في العديد من المحال التجارية والمؤسسات والشركات الخاصة، إلا أن شح الوظائف جعله يتجه إلى مهنة "الديلفري"، بعد أن وجهه أحد أصدقائه إلى حاجة إحدى الشركات إلى مندوب يوصل الطلبات.
ويبين الشاب الغزّي أن متوسط الدخل اليومي له في الشركة لا يتجاوز 10 دولارات، رغم العمل لساعات طويلة تصل إلى اثنتي عشرة ساعة متواصلة، إلا أن الظروف الاقتصادية الصعبة وإحجام الشريحة الأكبر من الغزيين عن التعامل مع الديلفري، يجعلها مهنة صعبة وقاسية.
بدوره، يقول أستاذ الاقتصاد في جامعة الأزهر في غزة، معين رجب، لـ "العربي الجديد"، إنّ ارتفاع معدلات البطالة بين صفوف الشباب دفع باتجاه ظهور مشاريع جديدة كتوصيل الطلبات، والتي باتت تلقى رواجاً تدريجياً في القطاع، مع ظهور العديد من المشاريع الخدماتية، كالمطاعم والمؤسسات التجارية والخاصة.
ويشير رجب إلى أنّ هذه المهن أصبحت بديلاً واضحاً في الآونة الأخيرة لفئة الشباب وخريجي الجامعات والكليات في غزة، في ظل شح الوظائف الحكومية والخاصة، وزيادة أعداد الخريجين سنوياً، بالإضافة إلى ارتفاع معدلات الفقر والاعتماد على المساعدات الإغاثية.
ويوضح أستاذ الاقتصاد في غزة أنّ نسب البطالة في القطاع تزداد يومياً، مع ازدياد أعداد الخريجين وتعطل العديد من المشاريع والمؤسسات، مشيراً إلى أنّ الشباب في الفئة العمرية ما بين 20 - 30 عاماً هم الشريحة الأبرز من العاطلين عن العمل.
ويؤكد رجب أنّ واقع مهنة توصيل الطلبات في غزة سيأخذ شكلاً متطوراً في الأشهر والسنوات المقبلة، مع التطور التكنولوجي الحاصل على صعيد الأجهزة الذكية، وستبدأ الشركات الموجودة حالياً في حصد عوائد مالية أضعاف ما تتحصل عليه في المرحلة الحالية.
اقرأ أيضاً: البنك الدولي: ربع الفلسطينيين فقراء