وجدت حكومة ائتلاف الليبراليين والمحافظين في الدنمارك نفسها تحت ضغوط شعبية وبيئية، خلال الأسابيع الماضية لاتخاذ خطوات عملية لتسهيل انتقال البلد من استخدام سيارات الوقود إلى السيارات الكهربائية.
وتعتقد المنظمات البيئية، وأحزاب اليسار والخضر في الدنمارك، أن بلدهم "متأخر جدا مقارنة بالدول الأوروبية الأخرى في مجال تخفيف تكاليف استخدام السيارات الكهربائية".
ففي حين تتربع الجارة الاسكندنافية الشمالية، النرويج (غير العضو في الاتحاد الأوروبي) على كل دول أوروبا في مجال انتشار السيارات الكهربائية، فيما تحتل هولندا مرتبة ثانية، فإن الدنمارك، التي تسعى أيضا للاعتماد على الطاقة المستدامة بنسبة 100% حتى عام 2050، تجد نفسها متخلفة في المجال وتحتل ذات المرتبة التي تحتلها رومانيا من حيث عدد السيارات الكهربائية.
ووفقا للأرقام الرسمية الصادرة عن مكتب تسجيل السيارات، فإن النصف الأول من العام الحالي 2018 شهد فقط تسجيل 524 سيارة كهربائية، لتحتل الدنمارك المرتبة 14 على لائحة دول الاتحاد الأوروبي، التي سجلت شوارعها قيادة سيارات كهربائية للفترة نفسها.
وتأتي هولندا في المرتبة الأولى بين دول الاتحاد الأوروبي في مجال تسجيل وانتشار السيارات الكهربائية. وحتى مقارنة بجارتها الأخرى السويد، التي احتلت المرتبة الخامسة من حيث تسجيل سيارات كهربائية في النصف الأول لهذا العام، تجد كوبنهاغن نفسها متأخرة عن سلوفينيا وبريطانيا وهنغاريا وألمانيا وفرنسا، وتسبقها رومانيا بدرجة وتليها في القائمة ليتوانيا.
المشكلة التي يعانيها الراغبون باقتناء السيارات الكهربائية في بلد مثل الدنمارك أن حكوماته المتعاقبة، يسار ويمين وسط، لم تخفف خلال 15 سنة من الضرائب الكبيرة على اقتناء السيارات عموما، مقارنة بدول أوروبا، وخصوصا السيارات الحديثة التقنيات كالكهربائية، ولم تهتم كثيرا بالبنى التحتية المشجعة لاقتناء هذا النوع من العربات، وخصوصا لجهة شحنها في المدن والطرقات السريعة، مقارنة على سبيل المثال بالنرويج التي توفر للمواطنين حوافز كثيرة للتخلص من سيارات الوقود.
الدراسات التي قدمها الخبراء على مدى الأشهر الماضية في كوبنهاغن، وخصوصا لناحية التأثير البيئي السلبي لسيارات البنزين والديزل.
وتبني أحزاب يسار ويسار الوسط، في مرحلة انتخابية في العام القادم، لقضية الطاقة الخضراء والمستدامة للحفاظ على البيئة، بما فيها تخفيف الضرائب على اقتناء السيارات الخضراء، تدفع بحكومة يمين الوسط بزعامة لارس لوكا راسموسن إلى تبني برنامج "استبدال تام" لكل الحافلات والسيارات في الدنمارك بأخرى تعمل على الكهرباء حتى عام 2030.
ويأتي تغير موقف الليبراليين والمحافظين في الائتلاف الحكومي في كوبنهاغن، بناءً على دراسة قدمها "مجلس البيئة" (رسمي)، رأى فيها أن تقديم حوافز للمواطنين سيدفع سريعا باتجاه استبدال السيارات بكهربائية.
ووفقا لما ذهب إليه رئيس المجلس، بيتر سورنسن، في توصيات للحكومة، ينبغي "تقديم منحة لمرة واحدة بقيمة 50 ألف كرونه عن كل سيارة كهربائية يشتريها المواطن للتخلص من سيارات الوقود".
ويرى المجلس أنه يجب أن تقدم تلك المنحة حتى يصل رقم السيارات التي تسير على شوارع الدنمارك إلى 100 ألف سيارة، ليجري بعدها خفض الضريبة المرتفعة، وتكاليف تسجيل السيارات وضريبة الشارع التي تصل للآلاف سنويا، إضافة إلى تخفيف أثمان التأمين المرتفعة على مثل تلك السيارات. توصيات مجلس البيئة يراها السياسيون والمختصون البيئيون "خطوة ضرورية للتحول البيئي الأخضر (باستخدام طاقة بديلة ومستدامة)".
الأحزاب الدنماركية تلقفت توصيات المجلس البيئي، لوضع خطط تنفيذية بدءاً من العام القادم 2019 لخفض رسوم التسجيل للسيارات الكهربائية، كخطوة أولى لزيادة أعداد السيارات الكهربائية والهجينة في شوارع البلد، "وعلى الأقل بداية بالسيارات الصغيرة والمتوسطة"، وفقا للمقترحات التي يأمل المشرعون التصويت عليها في البرلمان في أقرب وقت.
ويبدو التحدي في الدنمارك كبيرا إذا ما أخذنا بالأرقام والنسب المئوية لانتشار هذا النوع من السيارات الهجينة والكهربائية، فهي لا تشكل اليوم في شوارعها سوى 0.5%.
وبحسب "مركز الإحصاء الدنماركي" (جهة رسمية ومعتمدة كمرجعية في الأرقام)، لم يشهد البلد في 2015 بيع أكثر من 4300 سيارة كهربائية، ومع ارتفاع تكاليف التسجيل والضريبة المفروضة، تراجعت الأعداد في العام الذي تلاه في 2016 إلى 1265، وبقيت تتراجع حتى العام الحالي 2018. والمتوقع ألا تزيد عن ألف سيارة، وهو ما دعا إلى هذا السجال الذي اندلع بيئيا وسياسيا للتوجه نحو مشروع الاستبدال الشامل، ومنع سيارات الوقود من السير في شوارع الدنمارك بحلول 2030.
وتسعى الدنمارك لتنفيذ هذا المشروع الضخم؛ "وقف بيع سيارات بنزين وديزل بشكل تام بعد نحو 12 سنة"، وتمرير تشريعات برلمانية عديدة ليصبح ملزما، وهو الذي تأمل المنظمات البيئية والأحزاب اليسارية تمريره في بداية 2019، ليصل عدد السيارات الكهربائية بحلول 2030 إلى مليون سيارة كهربائية في الدنمارك. وإلى جانب ذلك تسعى الدنمارك إلى "العمل لتطوير تقنيات حديثة خلال العقد القادم، من أجل زيادة المسافات التي يمكن للسيارات الكهربائية أن تصلها بدون الحاجة لإعادة شحن".
رئيس الوزراء الدنماركي راسموسن، من حزب ليبرالي يضم رجال أعمال وأثرياء البلد، يجد نفسه تحت ضغط اتهامه برفض خفض ضرائب وتكاليف تسجيل السيارات محاباة لرجال الأعمال، ويبدو أنه غيّر رأيه قليلا ليقدم نفسه وكأنه رجل بيئي حين تحدث قبل أيام عن المنع بشكل تام بيع سيارات وقود في البلد عبر خطة زمنية محدّدة.