شهدت الفترة الأخيرة مؤشرات لتوجه روسيا وتركيا نحو تطبيع العلاقات الاقتصادية بينهما بعد تدهورها على خلفية حادثة إسقاط قاذفة سوخوي "سو-24" من قبل سلاح الجو التركي في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
وتأتي الطاقة والسياحة والبناء في مقدمة القطاعات التي بدأت عودة العلاقات فيها تدريجياً إلى طبيعتها، وذلك نظرا لطموحات البلدين في تحقيق مشروع "السيل التركي"، وحاجة روسيا إلى بناء عدد من المنشآت في إطار استعداداتها لبطولة العالم لكرة القدم التي ستستضيفها في عام 2018، كما فتحت موسكو الباب لشركات سياحية للعودة إلى أنقرة من جديد.
ولم يستبعد عملاق الغاز الروسي "غازبروم" احتمال العودة إلى مشروع خط "السيل التركي" لنقل الغاز الروسي إلى أوروبا بعد تطبيع العلاقات الروسية التركية، مع العلم أن البلدين متضرران من التأخر في تنفيذه.
ومن ناحية، تحتاج تركيا إلى "السيل التركي" لتحقيق طموحاتها في أن تصبح مركزا إقليميا لعبور الغاز، بينما ستضطر روسيا من دونه إلى الاستمرار في الاعتماد على أوكرانيا في نقل الغاز إلى أوروبا رغم استمرار التوترات بين موسكو وكييف.
ويشمل مشروع "السيل التركي" مد أنابيب لنقل الغاز عبر قاع البحر الأسود من روسيا إلى تركيا وإنشاء مجمع للغاز على الحدود التركية اليونانية لنقله إلى بلدان الاتحاد الأوروبي، على أن تبلغ طاقته التمريرية 31.5 مليار متر مكعب من الغاز سنويا.
وفي قطاع البناء، تم اختيار شركة "رونيسانس" التركية لتنفيذ أعمال توسيع مطار "شيريميتييفو" الدولي في ضواحي موسكو بتكلفة قدرت بأكثر من 600 مليون دولار استعداداً لمونديال 2018. ومن المقرر أن تشمل أعمال التوسيع إنشاء مبنى ركاب للرحلات الداخلية ونفقين للركاب والأمتعة وغيرها.
ورغم أن شركة "رونيسانس" مملوكة لرجال أعمال أتراك، إلا أنها مسجلة في روسيا منذ أكثر من 20 عاما، وسبق لها أن نفذت أعمال تشييد مبان إدارية هامة في موسكو وسانت بطرسبرغ.
ويعتبر الباحث في الشؤون التركية بمعهد الاستشراق التابع لأكاديمية العلوم الروسية، آمور غادجييف، أن توجه روسيا نحو تخفيف الإجراءات الاقتصادية بحق تركيا جاء عقب قيام أنقرة بخطوات أكثر وضوحا للتقارب مع موسكو، بعد تخوفها من أن تتوصل روسيا والولايات المتحدة من دونها إلى اتفاقات في القضايا الشائكة مثل أكراد سورية.
ويقول غادجييف لـ"العربي الجديد": "أعلنت القيادة التركية أكثر من مرة أنها تأسف لمقتل العسكريين الروسيين، وخفف الإعلام التركي من لهجته العدائية تجاه روسيا، وهو أمر انتبهت له موسكو".
ومع ذلك، يشير الباحث إلى أن الحديث عن التطبيع الكامل للعلاقات الاقتصادية بين روسيا وتركيا "سابق لأوانه"، بل هو مرهون باعتراف أنقرة رسمياً بمسؤوليتها عن إسقاط الطائرة الحربية الروسية، وفق ما أكدته رئيسة مجلس الاتحاد الروسي فالنتينا ماتفيينكو.
وكانت روسيا متشدّدة في قطع العلاقات السياحية مع أهم الوجهات للسياحة الخارجية مثل تركيا ومصر، لكي تصب في مصلحة وجهات الداخل في ظل سعي السلطات إلى الترويج للسياحة الداخلية والاستجمام على شواطئ البحر الأسود منذ ضم شبه جزيرة القرم قبل عامين، إلا أن العلاقات السياحية بين موسكو وأنقرة بدأت تشهد انفراجة الفترة الأخيرة.
وأعادت روسيا عددا من الشركات السياحية الكبرى ذات أصول تركية، بما فيها "بيغاس توريستيك" و"أنيكس" و"كورال ترافيل"، إلى السجل الفيدرالي للشركات السياحية، ولكن بعد بيع المواطنين الأتراك حصصهم فيها.
وكشفت هيئة الطيران المدني الروسية قبل أيام أنها قد تمنح شركة "أورال" للطيران تصريحاً لتنفيذ رحلات جوية منتظمة من 3 مدن روسية إلى مدينة أنطاليا التركية، إلا أن شركة الطيران نفت نيتها تنفيذ رحلات إلى تركيا لحين تطبيع العلاقات السياسية بين البلدين.
وفي هذا السياق، يشير نائب رئيس اتحاد الشركات السياحية الروسية، ديمتري غورين، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن قرار هيئة الطيران منح تصريح لتنفيذ رحلات إلى أنطاليا لا يعني إلغاء العقوبات، لأن الإجراءات الاقتصادية تمنع رحلات الطيران العارض (تشارتر) فقط وليس الطيران المنتظم.
ويقول غورين: "هناك حاليا أكثر من 50 رحلة منتظمة تُنفذ أسبوعياً من نحو 10 مدن روسية إلى تركيا، فيما يستخدم معظم ركاب الخطوط الجوية التركية، إسطنبول، كنقطة ترانزيت في الطريق إلى وجهات أخرى".
وكانت تركيا تُعتبر قبل الأزمة الحالية، أهم وجهة للسياحة الخارجية الروسية، إذ زارها نحو 3.3 ملايين سائح روسي في عام 2014، وحوالي 2.4 مليون سائح خلال الأشهر الـ9 الأولى من عام 2015، بحسب إحصاءات وكالة السياحة الروسية "روس توريزم".
وفرضت روسيا مجموعة من الإجراءات الاقتصادية ضد تركيا على خلفية إسقاط طائرتها الحربية في 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2015. واتهمت تركيا روسيا آنذاك باختراق مجالها الجوي، بينما أصرت روسيا على أن القاذفة كانت تحلق ضمن المجال الجوي السوري.
وشملت هذه الإجراءات حظر استيراد عدد من المنتجات الغذائية والزراعية، ومنع رحلات الطيران العارض، وحظر توظيف المواطنين الأتراك، ووقف العمل بنظام الإعفاء من تأشيرات الدخول، ومنع الشركات التركية من العمل في قطاعي السياحة والبناء. وفي الوقت الذي خسرت فيه الشركات التركية سوقا مهمة بحجم روسيا، واجه الاقتصاد الروسي مزيدا من مخاطر التضخم.
اقــرأ أيضاً
وتأتي الطاقة والسياحة والبناء في مقدمة القطاعات التي بدأت عودة العلاقات فيها تدريجياً إلى طبيعتها، وذلك نظرا لطموحات البلدين في تحقيق مشروع "السيل التركي"، وحاجة روسيا إلى بناء عدد من المنشآت في إطار استعداداتها لبطولة العالم لكرة القدم التي ستستضيفها في عام 2018، كما فتحت موسكو الباب لشركات سياحية للعودة إلى أنقرة من جديد.
ولم يستبعد عملاق الغاز الروسي "غازبروم" احتمال العودة إلى مشروع خط "السيل التركي" لنقل الغاز الروسي إلى أوروبا بعد تطبيع العلاقات الروسية التركية، مع العلم أن البلدين متضرران من التأخر في تنفيذه.
ومن ناحية، تحتاج تركيا إلى "السيل التركي" لتحقيق طموحاتها في أن تصبح مركزا إقليميا لعبور الغاز، بينما ستضطر روسيا من دونه إلى الاستمرار في الاعتماد على أوكرانيا في نقل الغاز إلى أوروبا رغم استمرار التوترات بين موسكو وكييف.
ويشمل مشروع "السيل التركي" مد أنابيب لنقل الغاز عبر قاع البحر الأسود من روسيا إلى تركيا وإنشاء مجمع للغاز على الحدود التركية اليونانية لنقله إلى بلدان الاتحاد الأوروبي، على أن تبلغ طاقته التمريرية 31.5 مليار متر مكعب من الغاز سنويا.
وفي قطاع البناء، تم اختيار شركة "رونيسانس" التركية لتنفيذ أعمال توسيع مطار "شيريميتييفو" الدولي في ضواحي موسكو بتكلفة قدرت بأكثر من 600 مليون دولار استعداداً لمونديال 2018. ومن المقرر أن تشمل أعمال التوسيع إنشاء مبنى ركاب للرحلات الداخلية ونفقين للركاب والأمتعة وغيرها.
ورغم أن شركة "رونيسانس" مملوكة لرجال أعمال أتراك، إلا أنها مسجلة في روسيا منذ أكثر من 20 عاما، وسبق لها أن نفذت أعمال تشييد مبان إدارية هامة في موسكو وسانت بطرسبرغ.
ويعتبر الباحث في الشؤون التركية بمعهد الاستشراق التابع لأكاديمية العلوم الروسية، آمور غادجييف، أن توجه روسيا نحو تخفيف الإجراءات الاقتصادية بحق تركيا جاء عقب قيام أنقرة بخطوات أكثر وضوحا للتقارب مع موسكو، بعد تخوفها من أن تتوصل روسيا والولايات المتحدة من دونها إلى اتفاقات في القضايا الشائكة مثل أكراد سورية.
ويقول غادجييف لـ"العربي الجديد": "أعلنت القيادة التركية أكثر من مرة أنها تأسف لمقتل العسكريين الروسيين، وخفف الإعلام التركي من لهجته العدائية تجاه روسيا، وهو أمر انتبهت له موسكو".
ومع ذلك، يشير الباحث إلى أن الحديث عن التطبيع الكامل للعلاقات الاقتصادية بين روسيا وتركيا "سابق لأوانه"، بل هو مرهون باعتراف أنقرة رسمياً بمسؤوليتها عن إسقاط الطائرة الحربية الروسية، وفق ما أكدته رئيسة مجلس الاتحاد الروسي فالنتينا ماتفيينكو.
وكانت روسيا متشدّدة في قطع العلاقات السياحية مع أهم الوجهات للسياحة الخارجية مثل تركيا ومصر، لكي تصب في مصلحة وجهات الداخل في ظل سعي السلطات إلى الترويج للسياحة الداخلية والاستجمام على شواطئ البحر الأسود منذ ضم شبه جزيرة القرم قبل عامين، إلا أن العلاقات السياحية بين موسكو وأنقرة بدأت تشهد انفراجة الفترة الأخيرة.
وأعادت روسيا عددا من الشركات السياحية الكبرى ذات أصول تركية، بما فيها "بيغاس توريستيك" و"أنيكس" و"كورال ترافيل"، إلى السجل الفيدرالي للشركات السياحية، ولكن بعد بيع المواطنين الأتراك حصصهم فيها.
وكشفت هيئة الطيران المدني الروسية قبل أيام أنها قد تمنح شركة "أورال" للطيران تصريحاً لتنفيذ رحلات جوية منتظمة من 3 مدن روسية إلى مدينة أنطاليا التركية، إلا أن شركة الطيران نفت نيتها تنفيذ رحلات إلى تركيا لحين تطبيع العلاقات السياسية بين البلدين.
وفي هذا السياق، يشير نائب رئيس اتحاد الشركات السياحية الروسية، ديمتري غورين، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن قرار هيئة الطيران منح تصريح لتنفيذ رحلات إلى أنطاليا لا يعني إلغاء العقوبات، لأن الإجراءات الاقتصادية تمنع رحلات الطيران العارض (تشارتر) فقط وليس الطيران المنتظم.
ويقول غورين: "هناك حاليا أكثر من 50 رحلة منتظمة تُنفذ أسبوعياً من نحو 10 مدن روسية إلى تركيا، فيما يستخدم معظم ركاب الخطوط الجوية التركية، إسطنبول، كنقطة ترانزيت في الطريق إلى وجهات أخرى".
وكانت تركيا تُعتبر قبل الأزمة الحالية، أهم وجهة للسياحة الخارجية الروسية، إذ زارها نحو 3.3 ملايين سائح روسي في عام 2014، وحوالي 2.4 مليون سائح خلال الأشهر الـ9 الأولى من عام 2015، بحسب إحصاءات وكالة السياحة الروسية "روس توريزم".
وفرضت روسيا مجموعة من الإجراءات الاقتصادية ضد تركيا على خلفية إسقاط طائرتها الحربية في 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2015. واتهمت تركيا روسيا آنذاك باختراق مجالها الجوي، بينما أصرت روسيا على أن القاذفة كانت تحلق ضمن المجال الجوي السوري.
وشملت هذه الإجراءات حظر استيراد عدد من المنتجات الغذائية والزراعية، ومنع رحلات الطيران العارض، وحظر توظيف المواطنين الأتراك، ووقف العمل بنظام الإعفاء من تأشيرات الدخول، ومنع الشركات التركية من العمل في قطاعي السياحة والبناء. وفي الوقت الذي خسرت فيه الشركات التركية سوقا مهمة بحجم روسيا، واجه الاقتصاد الروسي مزيدا من مخاطر التضخم.