من المقرر أن يُنهي مجلس النواب، الغرفة الأولى في البرلمان المغربي، غداً الثلاثاء، دورته التشريعية الخريفية، من دون أن يتمكن من حسم مشروع القانون الجنائي، الذي كانت قد جاءت به الحكومة في عام 2016، في ظل "انحباس" وتبادل للاتهامات بين الحكومة وأغلبيتها من جهة، وفرق المعارضة من جهة أخرى.
وفي الوقت الذي ينتظر فيه أن يبقى مشروع القانون الجنائي حبيس رفوف لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان في الغرفة الأولى للبرلمان، لشهرين إضافيين إلى حين افتتاح الدورة الربيعية القادمة، تبقى أبرز نقط الخلاف هي المضامين المتعلقة بالإثراء غير المشروع، والذي تم تغيير عقوبته من السجن والغرامة في مسودة النص، إلى الغرامة فقط في النسخة التي يتدارسها البرلمان خلال الدورة الخريفية.
وبدا لافتاً، خلال الأيام الماضية، حجم التعارض والاصطدام حول المقتضيات الخاصة بالإثراء غير المشروع، إثر تبادل الاتهامات بين الحكومة وأغلبيتها وحزب الأصالة والمعاصرة المعارض، حيث اتهمه مصطفى الرميد، وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان والعلاقات مع البرلمان، بـ"عرقلة" المشروع.
وقال إنه بعد إحالة مشروع القانون الجنائي سنة 2016 على مجلس النواب ومناقشته في لجنة العدل والتشريع والوصول إلى مرحلة إيداع التعديلات، امتنع "أحد الفرق التي كان لها نفوذ على أحزاب في المعارضة، وحتى أحزاب في الأغلبية، عن تقديم التعديلات.. ورغم المساعي التي قمنا بها لم نصل إلى وضع التعديلات".
في المقابل، اعتبر الحزب المعارض تصريحات المسؤول الحكومي مجرد "تهرب من مسؤوليته في محاربة قضايا الفساد في البلاد"، مطالبين بأن تتولى النيابة العامة مسؤولية إثبات الإثراء غير المشروع.
وبينما يدافع نواب حزب الـ"بام" عن عقوبات غير سالبة للحرية في جرائم الإثراء غير المشروع، تتراوح بين 100 ألف إلى مليون درهم (نحو 10 آلاف إلى 100 ألف دولار)، اتهمت منظمة الشفافية الدولية فرع المغرب (ترانسبرانسي) - غير حكومية - البرلمان بـ"التقاعس" في تبني مشروع القانون، داعية إلى ضرورة تضمينه عقوبات بالسجن في حق الأشخاص الذين يثبت اختلاسهم أموالاً عمومية.
المنظمة طالبت بضرورة مراجعة الفصول التي تعاقب على الإثراء غير المشروع ضمن مشروع القانون الجنائي، داعية في بيان لها إلى تعديل الفصل 8-256 من مشروع القانون الجنائي؛ بإعادة التنصيص على العقوبة السجنية وربطها بمصادرة الممتلكات الناتجة عن اختلاس المال العام في اتجاه ضمان فعالية أكبر.
وفي تعليقه على عدم الحسم في المقتضيات القانونية المتعلقة بالإثراء غير المشروع رغم مرور 4 سنوات على إيداعه في البرلمان، يرى محمد الغلوسي، رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، غير حكومية، أن هناك تلكؤاً ومحاولة للتصدي لنص من شأنه المساهمة في تخليق الحياة العامة ومحاربة الفساد، ما يعكس قوة لوبي الفساد المناهض لأي تحول بالبلد.
وقال في حديث مع "العربي الجديد": "ذلك اللوبي يخاف على المصالح والثروة التي راكمها بطرق غير مشروعة، لذلك نراه في أكثر من مكان، وقد تجسد اليوم في البرلمان، وقد ينتقل غدا إلى مؤسسات أخرى لمقاومة كل الخطوات التي من شأنها أن تسد منابع الفساد، ولو كانت بسيطة".
وبحسب الغلوسي، فإن "اللوبي المستفيد من واقع الفساد والرشوة يخشى كل الآليات التي من شأنها تطويق مصادره، لذلك نراه يضغط من أجل إقبار المشروع، وهو الشيء الذي يعاكس الإرادة المعبر عنها على أكثر من مستوى في خطب رسمية وفي الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد التي اعتمدتها الحكومة في سنة 2015، ويتم الآن إفراغها من محتواها بشكل متدرج إلى أن تفقد أهميتها.
ويرى المتحدث ذاته أن على الحكومة التي تمتلك أغلبية وملتزمة دستورياً ودولياً بمكافحة الفساد، أن تعمل على إقرار المشروع وضمان تضمنه عقوبات سالبة، منتقداً ما سماها ازدواجية الحكومة ووجود نخب في البرلمان والحكومة من مصلحتها بقاء واقع الفساد ونهب المال العام.