مصر: الحكومة تشرد 45 ألف عامل في "شق الثعبان"

30 ابريل 2016
محافظة القاهرة قررت نقل الورش بعيداً عن المدينة (Getty)
+ الخط -



يواجه أكثر من 45 ألف عامل مصري التشرد في منطقة "شق الثعبان" بمنطقة حي المعادي "جنوب القاهرة" الشهيرة بصناعة الرخام والغرانيت، حيث تعد الرابعة عالمياً في تلك الصناعة، ويوجد بها أكثر من 1400 ورشة، ويصل حجم الاستثمارات فيها إلى أكثر من 15 مليار جنيه، وتجلب العملة الصعبة من التصدير إلى الخارج.

وكانت محافظة القاهرة قد خاطبت الحكومة بضرورة سحب تلك الأراضي التي تزيد مساحتها عن 100 ألف فدان من أصحاب ورش الرخام، وتسليمها إلى شركة المعادي للاستثمار من أجل إقامة وحدات سكنية فاخرة، لانها تقع في أحد أحياء القاهرة الراقية وهو حي المعادي، بدعوى أن تلك الورش مخالفة، ومبنية بصورة عشوائية، وأنها مصدر للتلوث للمساكن المجاورة، بسبب التراب وصوت الصاروخ الذي يستخدم في تقطيع الرخام.

وقدمت محافظة القاهرة لرئاسة الوزراء مقترحًا بنقل تلك الورش إلى مدن "بدر والعاشر من رمضان والسادات" وهو ما رفضه العمال، قائلين: "هدم الورش على جثثنا".. لكون أن هدمها سيعود عليهم بالبطالة وضيق الرزق، وهددوا بالمظاهرات أمام مجلس الوزراء، ونصب الخيام هم وأسرهم في الشوارع والميادين.

وسميت تلك المنطقة بشق الثعبان، لأن شكلها على الخريطة الجغرافية يشبه شق الثعبان في التعاريج، وكانت في الأصل أحواشاً لمحاجر محافظة القاهرة، وهي منطقة مشهورة بمصانع الرخام العملاقة، حيث اكتسبت شهرة عالمية ومحلية في صناعة وتصدير الرخام والجرانيت، لكنها ليست مكانا لاستخراج الرخام كما هو شائع، فهي منطقة تنقل اليها الكتل الكبيرة من الرخام والجرانيت التي يتم استخراجها من محاجر عدة: أهمها رأس غارب والعين السخنة والمنيا، وتخرج منها للتصدير مباشرة.

وفي عام 2000 صدر قرار محافظ القاهرة رقم 302 بتشكيل مجلس أمناء لمنطقة شق الثعبان، وقد حدد هذا القرار أن هذا المجلس يشرف مباشرة على إدارة المنطقة، ويعمل على تنميتها وتطويرها، وتحديث صناعة مواد البناء.

وفي أعقاب تقنين الأوضاع في منطقة شق الثعبان تم إصدار قرار محافظ القاهرة رقم 1568 لسنة 2001 باعتماد منطقة شق الثعبان كمنطقة صناعية.

 وعلى الرغم من الاعتراف بأنها منطقة صناعية، إلا أنه لا يوجد بها بنية تحتية، فالطرق غير ممهدة، والمرافق غائبة فالكهرباء والمياه والصرف الصحي، أو وحدة مطافئ غير متوافرة، فضلاً عن غياب الأمن، وكثرة حوادث الطرق، وانتشار السرقة بالإكراه للسائقين والمستثمرين، ووفاة الكثير من العمال نتيجة حوادث مختلفة، من بينها سقوط أحجار الرخام الضخمة من الأوناش على العمال، حيث يلفظون أنفاسهم الأخيرة أثناء نقلهم إلى المستشفى، بسبب الطريق الملتوي والصعب الذي يتسبب في تأخر إسعافهم.

بداية الأزمة

وبدأت أزمة منطقة "شق الثعبان" تشتعل عام 2002 عندما طلبت شركة المعادي للاستثمار بأحقيتها بتلك الأرض طبقاً للقرار الجمهوري الصادر في 1973 من الرئيس الراحل محمد أنور السادات بتخصيص هذه الأرض للشركة، ومحاولاتها بشتى الطرق تهجير أصحاب الورش، والتي امتلكوها بعقود رسمية موثقة منذ عام 1997، ومارست الشركة ضغوطاً عدة ليترك العمال مصانعهم وورشهم، وكانت كل المحاولات مصيرها الفشل، بسبب إصرار العمال على البقاء، رغم أن عددا كبيرا من هؤلاء هم من حملة المؤهلات العليا والمتوسطة، والكثير منهم متزوج ويعول من تلك الورش، وفي كل عام تتجدد تلك المشكلة حتى رفضت الحكومة عام 2008 المساس بتلك الورش، إلا أنها تجددت مرة أخرى بعد قيام ثورة 25 يناير، وعادت المشكلة إلى المربع رقم صفر، حيث استغلت "شركة المعادي" تغير الأحداث في صالحها، وبدأت ممارسة عمليات هدم للورش وبناء وحدات سكنية.


وأمام التمدد العمراني لشركة المعادي وقوة وجودها، حيث تدعم المحافظة مالياً، وتقوم بالكثير من العمليات الإنشائية مثل رصف الطرق، والاستعانة ببعض معداتها في البنية التحتية، طلبت المحافظة رسمياً من الحكومة هدم تلك الورش وإخراجها من وسط الكتلة السكانية باعتبارها مصدرا للتلوث، وإصابة العديد من الأهالي بالمرض خاصة مرض "ربو الصدر".

"العربي الجديد" التقت مع بعض العاملين، حيث صبّ الكثير منهم غضبهم على الحكومة بسبب إزالة تلك الورش، وطالبوا الدولة بالاتفاق معهم أولاً قبل أي عمليات إزالة.

مصدر دخل

يقول محمد سعيد "أبو عدنان" إنه يحمل مؤهلاً متوسطاً ويعمل بورش الخام منذ نعومة أظافره هو وأشقاؤه الثلاثة، وهي المهنة التي ورثوها من والدهم، مؤكداً أن دخل تلك الورش أكبر من دخل قناة السويس.

ورفض أحمد عبد الغني "صاحب ورشة" مغادرة المكان، قائلاً: "على جثثنا".. مشيراً إلى أنه في حال إصرار الحكومة سوف نتظاهر في ميدان التحرير وأمام مؤسسات الدولة بأسرنا لأنه ليس لنا مورد رزق غير تلك الورش.

واتهم ممدوح محمد "صنايعي" الحكومة بإضاعة مصدر قومي مهم للدولة من تلك الورش، موضحاً أن المنطقة "أصبحت مرتعاً لمروجي المخدرات، خاصة بعد أن قامت الدولة بسحب الشرطة، ونحن نقوم بمطاردة هؤلاء، ومنهم من يعتدون علينا".

واستنكر شريف إبراهيم صاحب ورشة رخام عزم الحكومة إزالة تلك الورش، قائلاً: "الدولة عايزانا (تريد منا أن) نسرق ونشحت (نتسول) ونبقى (نصبح) بلطجية".

وقال لديّ أربعة أولاد في مراحل مختلفة من التعليم وليس لنا مورد رزق سوى تلك الورش.

وقال محمد متولي صاحب ورشة: "منذ سنوات قمنا بتقنين وضعنا مع المحافظة منذ أن كان الدكتور عبد الرحيم شحاتة محافظاً للقاهرة، وقمنا بشراء المحلات ونعمل في الورش ونصدّر للخارج"، متسائلا: "إزاي (كيف) دلوقتي (الآن) أمشي (أترك المكان)؟"، مؤكداً أن الأحوال المعيشية التي تمر بها البلاد في تردٍ.

واتهم فوزى سيد "صاحب ورشة" الحكومةَ بالتواطؤ مع "شركة المعادي"، مشيراً إلى أن الأخيرة أطلقت البلطجية لهدم الورش للضغط علينا لترك أماكننا.

وأشار إلى أن الورش تعمل على مدار اليوم حفاظاً عليها من الهدم "حيث تستغل شركة المعادي عدم وجود أحد داخل الورشة وتقوم بهدمها ليلاً" بحسب تعبيره.