ربما ينظر البعض إلى استفتاء الأسبوع المقبل، الذي سيحدد مستقبل بقاء بريطانيا أو خروجها من دول الاتحاد الأوروبي، على أساس أنه شأن داخلي أو أوروبي بحت، ويتساءل لماذا كل هذا الانشغال به ونحن في المنطقة العربية لا ناقة لنا ولا جمل في ما يجري.
الواقع يقول غير ذلك، وبتدقيق النظر في الدور الذي لعبته بريطانيا في الترتيبات الأمنية والسياسية التي شهدها العالم في أعقاب الحرب العالمية الثانية ودورها في الدبلوماسية وثقلها المالي والتجاري وكمركز جذب عالمي للاستثمارات، يجد المتابع العربي أن هذا الاستفتاء البريطاني ربما يؤرخ لحقبة جديدة تعيد صياغة المنطقة بأكملها، إذا جاءت النتيجة برفض البقاء في الكتلة الأوروبية، حيث ستترتب على ذلك تداعيات أمنية وسياسية ومالية واقتصادية في كل العالم.
من الناحية المالية والاقتصادية التي ستكون مثار هذا الموضوع، تعد لندن أكبر حي مالي وتجاري في العالم، حيث تفوقت أكثر من مرة على حي المال الأميركي في "وول ستريت". وهذه الجزيرة الإنجليزية وتوابعها تبدو صغيرة من البعد لزائرها ولكن حينما يقترب منها الفرد يشعر بأنه يعيش في قارة ضخمة من حيث اختلاط الثقافات والأعراق.
على الصعيد الاقتصادي، قدّرت دراسة صدرت عن جامعة بريطانية عريقة خسائر الدخل العام البريطاني بحوالى 55 مليار إسترليني سنوياً "ما يعادل 78.1 مليار دولار" في حال صوّت البريطانيون للخروج من أوروبا. ولكن في المقابل، فإن المعسكر المؤيد لخروج بريطانيا يرى أن القوانين الأوروبية مكبلة للنشاط الاقتصادي وبعد الخروج سيكون بالإمكان تحرير الاقتصاد برفع هذه القوانين.
من هذا المنطلق يزداد اضطراب أسواق المال العالمية تبعاً لتزايد استطلاعات الرأي التي تظهر ارتفاع نسبة المؤيدين لخروج بريطانيا من دول الاتحاد الأوروبي.
ويعد الاسترليني من أفضل المقاييس لحساسية الاستفتاء البريطاني وتداعياته. فالاسترليني عرف تاريخياً وحديثاً من "عملات الملاذ الآمن"، التي تحفظ قيمة الموجودات. كما أنه ظل دائماً يتذبذب في نطاق ضيق مقابل الدولار واليورو والين.
وهذا العامل ساهم في تقليل مخاطر الاستثمار في بريطانيا مقارنة بدول العالم الأخرى، حيث يستطيع المستثمر إدخال أمواله واستثمارها في بريطانيا وإخراجها مرة أخرى دون التعرض لخسائر متعلقة بالعملة مثلما يحدث في العديد من الدول، حتى دول اليورو في فترات الاضطراب.
اقــرأ أيضاً
ومن أولى علامات الاضطراب أن الاسترليني سجل أسوأ أداء خلال العام الجاري بين عملات الاقتصادات الكبرى العشرة، ولكنه عاد، أمس، للاستقرار فوق حاجز 1.42 دولار.
كما لاحظت "العربي الجديد" تراجع عقود الشراء لعملات بديلة، مثل الفرنك السويسري والين الياباني. وهو ما يعني أن المخاوف هدأت قليلاً بشأن الاستفتاء على عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي.
في الوقت الذي حصل فيه التيار المناصر لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على تشجيع جديد من استطلاع "تي إس إن"، الذي نشرت نتائجه أمس، في الوقت الذي تواصل فيه الحكومة البريطانية وحزب العمال الذي يقود المعارضة تحذير المواطنين من التصويت لصالح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
وأظهرت نتائج استطلاع "تي إس إن"، أن 47% من الناخبين الذين شملهم الاستطلاع يؤيدون خروج بريطانيا مقابل 40% يؤيدون بقاءها في الاتحاد الأوروبي.
في هذا الصدد، قال رئيس حزب العمال البريطاني جيرمي كوربين، في خطاب، أمس، أمام مناسبة نسائية في لندن، إن نظام الرعاية الصحية سيخسر 10 مليارات جنيه إسترليني إذا صوت المواطنون للخروج من الكتلة الأوروبية.
كما حذر كذلك وزير الخزانة البريطاني جون أوزبورن، أمس، من أنه سيضطر إلى رفع الضرائب بمعدل يراوح بين 2 إلى 22 بنساً على الجنيه، في حال التصويت لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي.
وقال أوزبورن في تحذيراته، إن هذه الزيادة في الضرائب على المواطن البريطاني تفرضها الفجوة التي ستحدث في تمويل بنود الميزانية والمقدّرة بحوالى 30 مليار جنيه إسترليني (حوالى 50 مليار دولار).
من جانبها، ترى جامعة "لندن سكول أوف إيكونومكس"، التي تعرف اختصاراً بجامعة "إل إس إي"، وتعد من بين أفضل جامعات الاقتصاد والأعمال التجارية في العالم، أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيخفض حجم التجارة بين بريطانيا والكتلة الأوروبية، لأنه سيرفع التعرفة الجمركية على التجارة البينية، كما سيعيد الحواجز التجارية للبضائع البريطانية المصدّرة أو المستوردة من أوروبا، وهي حواجز اختفت منذ عقود بين دول الاتحاد.
وقالت جامعة "إل إس إي"، في الدراسة الصادرة حديثاً، وحصلت "العربي الجديد" على نسخة منها، إن بريطانيا لن تستفيد مستقبلاً من أي اندماج أكبر بين دول الاتحاد، وإن الفائدة الوحيدة التي ستجنيها بريطانيا من الخروج من عضوية الاتحاد الأوروبي، هي توفير مساهمتها السنوية في دعم ميزانية الاتحاد الأوروبي.
ومعروف أن دول الاتحاد الأوروبي الشريك التجاري الأول لبريطانيا وأن 50% من تجارتها الخارجية مع هذه الدول. وبالتالي ترى الدراسة التي شارك في إعدادها خمسة أكاديميين بالجامعة، أن عضوية الاتحاد الأوروبي ساهمت في خفض قيمة السلع والخدمات للمستهلك البريطاني، كما ساهمت في زيادة الصادرات البريطانية، وذلك ببساطة لأن السلع والخدمات تمر دون جمارك أو حواجز تجارية بين بريطانيا وأوروبا.
كما قالت الدراسة إن خروج بريطانيا من الكتلة الأوروبية، سيشكل خسارة اقتصادية لكل الاتحاد الأوروبي، ولكن خسارة بريطانيا ستكون الأكبر، حيث قدّرت أن تراوح الخسارة البريطانية بين 26 و55 مليار جنيه إسترليني، وذلك مقابل خسارة كل دول الاتحاد المقدّرة بمبالغ تراوح بين 12 و28 مليار جنيه إسترليني.
كما قدرت الدراسة خسارة إجمالي الناتج المحلي البريطاني على المدى الطويل في حال القيام برفع كل الرسوم الجمركية لوارداتها من كل الدول بنسبة تراوح بين واحد و2.3%.
تضارب المصالح
من أسباب الخلاف الرئيسية بين بريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي هو حماية حي المال البريطاني من تغوّل القوانين الأوروبية التي تسعى لتوحيد تشريعات المصارف الأوروبية تحت قانون واحد وجهة إشرافية موحدة. وهذه القوانين تتعارض مع قوانين بنك إنجلترا المركزي.
ورغم أن حي المال الذي تبلغ مساحته ميلاً مربعاً، والواقع في منطقة "بانك" بالقرب من بنك إنجلترا (البنك المركزي)، وسط لندن، ذو مساحة صغيرة ولكنه يؤدي دوراً مهماً في الاقتصاد البريطاني والنشاط المالي العالمي. فهو يستضيف حوالى 250 مصرفاً أجنبياً، كما يدير ثروات مالية تقدر بنحو 5.4 ترليونات دولار، ويساهم بنحو 10% من الناتج المحلي البريطاني المقدر بـ2988 مليار دولار و12% من الدخل الذي تحصّله الخزينة البريطانية من الضرائب، كما يوفر ما يقرب من 400 ألف وظيفة من وظائف الدخل المتوسط والكبير للبريطانيين.
وحسب إحصائيات "سيتي يوكيه"، فإن الصفقات المالية التي ينفذها حي المال البريطاني تقدر بحوالي 2.7 ترليون دولار يومياً، وتتم يومياً المتاجرة في 70% من السندات العالمية و20% من الأسهم العالمية المسجلة في البورصة البريطانية.
اقــرأ أيضاً
الواقع يقول غير ذلك، وبتدقيق النظر في الدور الذي لعبته بريطانيا في الترتيبات الأمنية والسياسية التي شهدها العالم في أعقاب الحرب العالمية الثانية ودورها في الدبلوماسية وثقلها المالي والتجاري وكمركز جذب عالمي للاستثمارات، يجد المتابع العربي أن هذا الاستفتاء البريطاني ربما يؤرخ لحقبة جديدة تعيد صياغة المنطقة بأكملها، إذا جاءت النتيجة برفض البقاء في الكتلة الأوروبية، حيث ستترتب على ذلك تداعيات أمنية وسياسية ومالية واقتصادية في كل العالم.
من الناحية المالية والاقتصادية التي ستكون مثار هذا الموضوع، تعد لندن أكبر حي مالي وتجاري في العالم، حيث تفوقت أكثر من مرة على حي المال الأميركي في "وول ستريت". وهذه الجزيرة الإنجليزية وتوابعها تبدو صغيرة من البعد لزائرها ولكن حينما يقترب منها الفرد يشعر بأنه يعيش في قارة ضخمة من حيث اختلاط الثقافات والأعراق.
على الصعيد الاقتصادي، قدّرت دراسة صدرت عن جامعة بريطانية عريقة خسائر الدخل العام البريطاني بحوالى 55 مليار إسترليني سنوياً "ما يعادل 78.1 مليار دولار" في حال صوّت البريطانيون للخروج من أوروبا. ولكن في المقابل، فإن المعسكر المؤيد لخروج بريطانيا يرى أن القوانين الأوروبية مكبلة للنشاط الاقتصادي وبعد الخروج سيكون بالإمكان تحرير الاقتصاد برفع هذه القوانين.
من هذا المنطلق يزداد اضطراب أسواق المال العالمية تبعاً لتزايد استطلاعات الرأي التي تظهر ارتفاع نسبة المؤيدين لخروج بريطانيا من دول الاتحاد الأوروبي.
ويعد الاسترليني من أفضل المقاييس لحساسية الاستفتاء البريطاني وتداعياته. فالاسترليني عرف تاريخياً وحديثاً من "عملات الملاذ الآمن"، التي تحفظ قيمة الموجودات. كما أنه ظل دائماً يتذبذب في نطاق ضيق مقابل الدولار واليورو والين.
وهذا العامل ساهم في تقليل مخاطر الاستثمار في بريطانيا مقارنة بدول العالم الأخرى، حيث يستطيع المستثمر إدخال أمواله واستثمارها في بريطانيا وإخراجها مرة أخرى دون التعرض لخسائر متعلقة بالعملة مثلما يحدث في العديد من الدول، حتى دول اليورو في فترات الاضطراب.
ومن أولى علامات الاضطراب أن الاسترليني سجل أسوأ أداء خلال العام الجاري بين عملات الاقتصادات الكبرى العشرة، ولكنه عاد، أمس، للاستقرار فوق حاجز 1.42 دولار.
كما لاحظت "العربي الجديد" تراجع عقود الشراء لعملات بديلة، مثل الفرنك السويسري والين الياباني. وهو ما يعني أن المخاوف هدأت قليلاً بشأن الاستفتاء على عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي.
في الوقت الذي حصل فيه التيار المناصر لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على تشجيع جديد من استطلاع "تي إس إن"، الذي نشرت نتائجه أمس، في الوقت الذي تواصل فيه الحكومة البريطانية وحزب العمال الذي يقود المعارضة تحذير المواطنين من التصويت لصالح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
وأظهرت نتائج استطلاع "تي إس إن"، أن 47% من الناخبين الذين شملهم الاستطلاع يؤيدون خروج بريطانيا مقابل 40% يؤيدون بقاءها في الاتحاد الأوروبي.
في هذا الصدد، قال رئيس حزب العمال البريطاني جيرمي كوربين، في خطاب، أمس، أمام مناسبة نسائية في لندن، إن نظام الرعاية الصحية سيخسر 10 مليارات جنيه إسترليني إذا صوت المواطنون للخروج من الكتلة الأوروبية.
كما حذر كذلك وزير الخزانة البريطاني جون أوزبورن، أمس، من أنه سيضطر إلى رفع الضرائب بمعدل يراوح بين 2 إلى 22 بنساً على الجنيه، في حال التصويت لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي.
وقال أوزبورن في تحذيراته، إن هذه الزيادة في الضرائب على المواطن البريطاني تفرضها الفجوة التي ستحدث في تمويل بنود الميزانية والمقدّرة بحوالى 30 مليار جنيه إسترليني (حوالى 50 مليار دولار).
من جانبها، ترى جامعة "لندن سكول أوف إيكونومكس"، التي تعرف اختصاراً بجامعة "إل إس إي"، وتعد من بين أفضل جامعات الاقتصاد والأعمال التجارية في العالم، أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيخفض حجم التجارة بين بريطانيا والكتلة الأوروبية، لأنه سيرفع التعرفة الجمركية على التجارة البينية، كما سيعيد الحواجز التجارية للبضائع البريطانية المصدّرة أو المستوردة من أوروبا، وهي حواجز اختفت منذ عقود بين دول الاتحاد.
وقالت جامعة "إل إس إي"، في الدراسة الصادرة حديثاً، وحصلت "العربي الجديد" على نسخة منها، إن بريطانيا لن تستفيد مستقبلاً من أي اندماج أكبر بين دول الاتحاد، وإن الفائدة الوحيدة التي ستجنيها بريطانيا من الخروج من عضوية الاتحاد الأوروبي، هي توفير مساهمتها السنوية في دعم ميزانية الاتحاد الأوروبي.
ومعروف أن دول الاتحاد الأوروبي الشريك التجاري الأول لبريطانيا وأن 50% من تجارتها الخارجية مع هذه الدول. وبالتالي ترى الدراسة التي شارك في إعدادها خمسة أكاديميين بالجامعة، أن عضوية الاتحاد الأوروبي ساهمت في خفض قيمة السلع والخدمات للمستهلك البريطاني، كما ساهمت في زيادة الصادرات البريطانية، وذلك ببساطة لأن السلع والخدمات تمر دون جمارك أو حواجز تجارية بين بريطانيا وأوروبا.
كما قالت الدراسة إن خروج بريطانيا من الكتلة الأوروبية، سيشكل خسارة اقتصادية لكل الاتحاد الأوروبي، ولكن خسارة بريطانيا ستكون الأكبر، حيث قدّرت أن تراوح الخسارة البريطانية بين 26 و55 مليار جنيه إسترليني، وذلك مقابل خسارة كل دول الاتحاد المقدّرة بمبالغ تراوح بين 12 و28 مليار جنيه إسترليني.
كما قدرت الدراسة خسارة إجمالي الناتج المحلي البريطاني على المدى الطويل في حال القيام برفع كل الرسوم الجمركية لوارداتها من كل الدول بنسبة تراوح بين واحد و2.3%.
تضارب المصالح
من أسباب الخلاف الرئيسية بين بريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي هو حماية حي المال البريطاني من تغوّل القوانين الأوروبية التي تسعى لتوحيد تشريعات المصارف الأوروبية تحت قانون واحد وجهة إشرافية موحدة. وهذه القوانين تتعارض مع قوانين بنك إنجلترا المركزي.
ورغم أن حي المال الذي تبلغ مساحته ميلاً مربعاً، والواقع في منطقة "بانك" بالقرب من بنك إنجلترا (البنك المركزي)، وسط لندن، ذو مساحة صغيرة ولكنه يؤدي دوراً مهماً في الاقتصاد البريطاني والنشاط المالي العالمي. فهو يستضيف حوالى 250 مصرفاً أجنبياً، كما يدير ثروات مالية تقدر بنحو 5.4 ترليونات دولار، ويساهم بنحو 10% من الناتج المحلي البريطاني المقدر بـ2988 مليار دولار و12% من الدخل الذي تحصّله الخزينة البريطانية من الضرائب، كما يوفر ما يقرب من 400 ألف وظيفة من وظائف الدخل المتوسط والكبير للبريطانيين.
وحسب إحصائيات "سيتي يوكيه"، فإن الصفقات المالية التي ينفذها حي المال البريطاني تقدر بحوالي 2.7 ترليون دولار يومياً، وتتم يومياً المتاجرة في 70% من السندات العالمية و20% من الأسهم العالمية المسجلة في البورصة البريطانية.